تؤكد الشواهد التاريخية والملحمية التي شهدتها المنطقة في إطار الصراع مع الكيان الصهيوني التضامن والتلاحم والدعم بين مختلف قوى محور المقاومة ومن نماذجها حزب الله والمقاومة الفلسطينية. ما اكد عليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في العديد من المناسبات معلناً عن استعداد الحزب للتعاون مع الفصائل الفلسطينية، مؤكدا على ثقته بقدرتها على تحقيق الانتصار في مواجهة غطرسة الالة العسكرية الإسرائيلية، وقد أشاد مراراً بصلابة وصمود المقاومين وابداعاتهم في الميدان وبالصبر الفريد للشعب الفلسطيني المظلوم المتماسك مع مقاومته وخياراتها وشروطها.
حزب الله والمقاومة الفسطينية تنسيق وانسجام
خلق هذا المناخ التضامني ثقة عالية بقدرة المقاومة على الثبات والصمود في المواجهة حتى تحقيق الانتصار المنشود. وعليه، فاٍنّ اعلان التضامن الشعبي والسياسي العام مع غزة اليوم هو تجديد عهد مع المقاومة، إضافة الى أنه اعلان عن الدعم الكامل لمسار المواجهات مع العدو بكل الاشكال.
حضرت الوقفات والمشاركات التضامنية كرافعة أساسية لتجديد العهد والميثاق مع فلسطين-القضية- ولتثبيت أسس الدعم للشعب الفلسطيني ومقاومته في معركته المصيرية. نظمت العديد من الوقفات التضامنية على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، اخترق فيها المتضامنون السياج الفاصل عبر الحدود المحتلة واستشهد على أثرها الشاب اللبناني محمد الطحان برصاص الجيش الصهيوني (شهيد حزب الله من اجل القدس وفلسطين) لتصبح شهادته عنوانا جديدا لوحدة الدم والمصير بين الشعبين الفلسطيني واللبناني.
أكّد حزب الله في مواقفه التضامنية على ان الدفاع عن فلسطين والقدس هو دفاع عن الامة جمعاء، وأنّ ما تنجزه المقاومة الفلسطينية اليوم، خلق معادلة جديدة في الصراع مع العدو سيكون لها تداعيات كثيرة على مستقبل وجود الكيان في المنطقة. وتقدر المقاومة في لبنان حساسية ما يحصل في غزة بقدر أهميته ودوره في قلب المعادلات، ولذلك تعمل جاهدة على تقديم كل سبل الدعم بمختلف اشكاله لتركيز وحدة الصف والمصير.
تشكّل مشاركة حزب الله في المعركة تحدياً كبيراً للكيان الصهيوني الذي يحاول استبعاد هذه الامكانية ولو بالحد الأدنى عدم الانجرار الى فتح جبهات جديدة خارج نطاق سيطرته الحالية، وحيث ينصح بعض خبراء الكيان بضرورة انشاء استراتيجية متعددة الجبهات والتخصصات للتعامل مع الحدث المعقد بشكل أكثر فاعلية، ليكون قادرا على تحقيق الأهداف التي تحمي مستقبله الوجودي، الا أنّ ما يحصل الآن هو عكس ذلك تماما، فالكيان الصهيوني متورط في مواجهة متعددة الجبهات لم يشهدها من قبل، مع المقاومة الفلسطينية في غزة، إضافة الى المواجهات في الضفة وفي أراضي 48 والتي تثبت كل يوم تراجع قدرة هذا الكيان وعدم قدرته على إدارة المعركة كما يريد، فالمعادلة الجديدة التي أرستها المقاومة في هذه المواجهة اثبتت ان القرار لم يعد بيد الإسرائيلي، وأن عنصر المفاجأة الذي تمتلكه قادر على تغيير المعادلات وتعطيل مفاعيل الردع لدى الكيان.
اٍنّ تضامن قوى محور المقاومة في المنطقة مع المقاومة الفلسطينية عامل مهم في تحقيق الانتصار، وعليه بدأت التحركات على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، عنصرا أساسيا للمشاركة، حيث بدت الأجواء الشعبية والسياسية المرتبطة ببيئة حزب الله متحفّزة لذلك، ومن خلال تلك الوقفات والاحتجاجات على طول الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة قدّم حزب الله أحد ابناءه شهيدا برصاص القوات الصهيونية ليكون دليلاً جديداً على اختلاط الدم اللبناني بالدم الفلسطيني من جهة، وليكون تجديد عهد ومشاركة في المواجهة التي لن تتوقف الا بتحقيق الانتصار.
قلق إسرائيلي من فتح الجبهة الشمالية
اٍنّ مخاوف "إسرائيل" من إمكانية تدخل حزب الله او فتح جبهة الشمال يشكّل محفّزا مهما للمشاركة في المواجهة، حيث بدأت بعض الأوساط - التي من المحتمل أن تكون مقربة من بيئة المقاومة في لبنان- ببعض التحركات كإلقاء بعض الصواريخ او إطلاق طائرة مسيرة لتخترق الأجواء الفلسطينية المحتلة فتثير حالة من الارباك والقلق لدى الاحتلال الذي قام بالقصف بشكل عشوائي على مشارف كفر شوبا في الجنوب اللبناني في سابقة منذ بداية المواجهة في غزة.
من المهم تقييم هذه العمليات التي سيكون لها تأثير كبير على الجبهة الإسرائيلية المتورطة اليوم في حملتها على غزة وأهلها، فالإسرائيلي وبالرغم من زعمه الإمساك بزمام المواجهة الا انه يبدو عاجزاً فعلياً عن فتح جبهة أخرى ستكون سبباً في تشتت قواته واستنزاف قدراته.
يكفي هذه المحاولات من الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة قدرتها- اذا ما تطورت في الأيام المقبلة، وبشكل مطرد ومتواصل -على منع نقل القوات الإسرائيلية المتمركزة في المنطقة الشمالية وفي مراكز التحشيد هناك الى غزة إذا ما تقرر عسكريا خوض معركة برية مع المقاومة الفلسطينية.
تشتيت تركيز الاسرائيليين في غزة
هذه المحاولات قادرة على التأثير على الإسرائيلي من خلال خلق حالة من القلق الدائم لدى سلطة القرار لديه بأنه لا هدوء على الجبهة الشمالية، وأن احتمالية فتحها ممكنة بل واردة إذا ما تطورت الأوضاع في المعركة مع غزة.
كما مثّل دخول المقاومة في غزة على خطّ قضية القدس والمسجد الأقصى مؤشّراً خطيراً لدى مؤسّسات القرار السياسي والأمني في تل أبيب، لكونه يؤسِّس لمعادلة جديدة ترتكز على إعادة إنتاج الالتفاف الفلسطيني حول القضية، فاٍنّ التهديد بفتح الجبهة الشمالية واعتبار بلدة العديسة الحدودية في الجنوب اللبناني مع فلسطين المحتلة موقع احتكاك دائم مع قوات العدو المرابطة على الحدود، قد يتطور ليكون بوابة دخول الى المعركة في أي وقت تحدده المقاومة في لبنان. انه مخطط الاقتراب الموزّع الذي تبنته قوى محور المقاومة والذي يعني عدم الدخول بشكل جماعي من قبل كل أضلاع المحور بشكل مباشر في المواجهة، أو في الحد الأدنى عدم تدخل طرف من أعضاء المحور في مواجهة تجري مع طرف آخر في المحور، إلا في لحظة استراتيجية مناسبة، تخدم القضية وتحقق النتائج المطلوبة.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع
الكاتب: د. سهام محمد