تدرس المراكز المؤثرة في صناعة القرار السياسي في كيان الاحتلال الأبعاد الاستراتيجية لوحدة الساحات التي ظهرت جليّة في إطلاق الصواريخ من قطاع غزّة ثمّ لبنان فسوريا، في إطار الدفاع عن القدس وإسناد المصلين والمرابطين في المسجد الأقصى الذين اعتدت عليهم شرطة الاحتلال بطريقة وحشية خلال أيام "عيد الفصح" العبري.
من بين هذه المراكز، معهد دراسات الأمن القومي الذي أصدر رئيس قسم الأبحاث في الساحة الفلسطينية فيه، أودي ديكال، دراسة بعنوان " اندماج محور الفلسطيني ومحور إيران - حزب الله"، كخلاصة لقراءته لما بعد عمليات إطلاق الصواريخ من تلك الساحات الثلاث. وقد أوضح "ديكال" الذي شغل مناصب رفيعة في الجيش وصناعة القرار (رئيس قسم العلاقات الخارجية في هيئة الأركان العامة ورئيس قسم الأبحاث والإنتاج في المخابرات الجوية الإسرائيلية) العوامل التي ساهمت في "اندماج المحورين" وأهداف المقاومة من وحدتها، لافتًا الى أنّه إذا غابت "سياسة الاحتواء" لدى حكومة الاحتلال ستتعزّز وحدة الساحات.
النص المترجم
خلال عيد الفصح، شهدت إسرائيل تصعيدًا متعدد الجبهات لم نشهده في المنطقة منذ فترة طويلة: تم إطلاق عشرات الصواريخ من لبنان وكذلك من قطاع غزة، ووقعت هجمات على طرق المرور في الضفة الغربية. لماذا الآن بالضبط وجد محوري المقاومة الفلسطيني والشيعي فرصة لتوحيد الساحتين، وماذا يجب على إسرائيل أن تفعل لوقف هذا الاتجاه المقلق؟
إن ذاك التصعيد قد أظهر اندماج محور المقاومة، القائم على حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني، مع محور إيران وحزب الله. كما يرتبط توقيت التصعيد ارتباطًا وثيقًا بالأزمة الداخلية في إسرائيل ويعكس الجرأة المفرطة لأعدائها ومحاولتهم اختبار ما إذا كان صمودها قد ضعف بحيث تتاح فرصة لتغيير معادلة الردع ضدها. في ضوء مزيج هذه العوامل، فإن الحكومة الإسرائيلية مطالبة بالعمل على تقليل الاستقطاب والتوترات في المجتمع وتهدئة الساحة الفلسطينية، من خلال إثبات التمسك بالوضع الراهن في الحرم القدسي. وبهذه الطريقة، ستكون إسرائيل قادرة على التركيز على ثلاثة مستويات من العمل: وهي إعادة قواعد اللعبة ضد حزب الله في لبنان، وإعادة فحص "معادلة الردع المتبادل" التي تمنع إسرائيل من التصرف أيضًا ضد البنية التحتية لحركة حماس في لبنان. وقطع طريق إيران نحو الطاقة النووية. وتقويض مكانة حماس القوية في الساحة الفلسطينية.
كان سبب التصعيد في الساحة الفلسطينية خلال عيد الفصح وشهر رمضان 2023 هو الاشتباكات التي وقعت في 5 نيسان بين شرطة الاحتلال وشبان فلسطينيين في المسجد الأقصى، وصور قاسية انتشرت على الشبكات واخلاء قسري للمسلمين. وكان رد "المقاومة" الفلسطينية هو إطلاق وابل من 34 صاروخًا في اليوم التالي من جنوب لبنان - وهي الأعنف منذ حرب لبنان الثانية. وفي الوقت نفسه، تم إطلاق صواريخ من قطاع غزة، ووقعت عمليات فردية على طرق المرور في الضفة الغربية.
بالعودة إلى منتصف شهر آذار، قبل هذه الأحداث، حذر نائب رئيس المكتب المركزي لحماس والمسؤول عن الضفة الغربية صالح العاروري إسرائيل مما كان متوقعًا منها خلال شهر رمضان وألمح إلى أن تصعيد. صعود اليهود إلى الحرم القدسي في شهر رمضان والحوادث بين الشرطة والمصلين في المسجد الأقصى هي دائما شرارة إلى العمل والوحدة بين جميع صفوف المسلمين ضد سياسات إسرائيل في أكثر المجالات حساسية - الدينية والوطنية.
التقى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بوفد من قيادة حماس برئاسة رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية. وأعلن على الموقع الرسمي لحزب الله أن الطرفين ناقشا آخر المستجدات على الساحة الفلسطينية بما في ذلك أحداث المسجد الأقصى. ويصعب الافتراض أن هذه اللقاءات كانت ستحدث لو تجاوزت حماس قواعد اللعبة المتفق عليها مع حزب الله.
الأحداث في القدس، إطلاق الصواريخ والقذائف المضادة للطائرات من قطاع غزة. وابل من الصواريخ من جنوب لبنان. وإطلاق الصواريخ من هضبة الجولان - هو نقطة التقاء المحاور: محور المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس والجهاد الإسلامي، ومحور إيران - حزب الله. يتألف هذا الاندماج من عدة طبقات:
(1) يقدر حزب الله أنه من الممكن توسيع معادلة القوى مقابل إسرائيل من خلال وضع قواعد جديدة للعبة على الحدود الشمالية تحت عتبة التصعيد إلى الحرب، طالما أنها يدير وكلاء فلسطينيين.
(2) يقدر حزب الله وإيران أنه من الممكن العمل في هذا الاتجاه على أساس الاعتقاد بأن إسرائيل غير قادرة على خوض الحرب في جميع الساحات في نفس الوقت، بسبب التقليل من قوة إسرائيل وخاصة بالنظر الأحداث في ساحتها الداخلية: الانقسام في الأمة، وظاهرة التردّد، وتآكل صورة رئيس الوزراء نتنياهو من زعيم قوي ومستقر إلى زعيم ضعيف لا يسيطر على حكومته.
(3) الطموح للحصول على ثمن من إسرائيل لاستمرار الهجمات ضد أهداف محور إيران - حزب الله في سوريا (بشكل رئيسي بعد مقتل ضابطين من الحرس الثوري الإيراني، واثنين على الأقل من عناصر حزب الله، وكذلك اغتيال القيادي في حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في سوريا).
(4) وقف عمليات التطبيع بين إسرائيل والعالم العربي، وإحراز تقدم في التطبيع الموازي بين إيران وحليفتها سوريا والعالم العربي.
(6) إحجام الإدارة الأمريكية عن السماح بالصراع في الشرق الأوسط، لا سيما في نفس وقت الحرب الدائرة في أوكرانيا، وتزايد التوترات بينها وبين الحكومة اليمينية في إسرائيل.
انجازات حماس في جولة التصعيد: استفادت المنظمة من الأحداث في الحرم القدسي من أجل زيادة كبيرة في نطاق الهجمات بينما أظهرت في الوقت نفسه عدم جدوى السلطة الفلسطينية. وذلك على الرغم من اجتماعات القمة التي عقدت مؤخرًا في العقبة بالأردن وشرم الشيخ في مصر بهدف تنسيق التحركات التي من شأنها منع التصعيد. نجاح حماس في إطلاق الصواريخ من لبنان إلى إسرائيل، يبرز صورتها ودعمها في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مقارنة بالتآكل المستمر لمكانة التيار الرئيسي لحركة فتح، التي لا تزال موالية لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
المبادر وقائد تصعيد الكفاح المسلح ضد إسرائيل في الأشهر الأخيرة هو صالح العاروري، المرتبط بمحور إيران - حزب الله في لبنان. يكتسب تقارب حماس والجهاد الإسلامي مع محور إيران وحزب الله وزناً أكبر في ضوء الاتجاهات الإقليمية: تقارب بين إيران والسعودية، تحسن العلاقات بين السعودية ومصر وسوريا، والذي من المتوقع أن يؤدي إلى عودة سوريا إلى صفوف جامعة الدول العربية في الاجتماع الذي سيعقد في الرياض في أيار/ مايو. التحديات التي تواجه العلاقات بين إسرائيل والأردن ومصر بسبب سياسة الحكومة الإسرائيلية في الساحة الفلسطينية.
المصدر: معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي
الكاتب: اودي ديكال