لعلّ في مصادفة الذكرى السنوية العاشرة لانطلاق معركة تحرير مدينة القصير من المجموعات الإرهابية في سوريا، وما بين انطلاق قمة جدّة العربية، التي يحضرها لأول مرة منذ أكثر من عقد، رئيس الجمهورية السورية بشار الأسد، رسائل ودلائل معبّرة، لمن لا يريد أن يعتبر من التغييرات التي حصلت في منطقتنا.
فمشاركة الرئيس الأسد في القمة العربية الثانية والثلاثين، بعد حرب شنها عليه المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وتمويل عربي، تؤكد بأن منطقة غرب آسيا وخاصة دول محور المقاومة، لن تكون ساحةً مستباحةً للإدارة الأمريكية ومشاريعها، بل كانت وستستمر ساحة إفشال هذه المشاريع، مهما كلّف ذلك من تضحيات.
ومن حق الشعب والجيش والدولة في سوريا، وحلفائهم في محور المقاومة أيضاً، اعتبار هذه المشاركة بمثابة انتصار لهم، وعودة للكثير من الدول العربية عن جريمتهم، لأنه لولا دعمهم للمجموعات الإرهابية وبالمال والسلاح والتجهيزات المختلفة وبالعناصر، لربما كانت انتهت الحرب على سوريا منذ السنوات الأولى، وفي إعادة سماع تصريحات حمد بن جاسم آل ثاني إفادة كبيرة في هذا المجال.
كما أن عودة المشاركة في فعاليات الجامعة العربية (بعد 13 عاماً عن آخر قمة عربية شارك فيها حصلت في سرت بليبيا عام 2010)، تأتي دون أي شروط أو تنازلات أو تغييرات، في الدولة السورية وسياستها الخارجية، ودعمها لحركات ودول محور المقاومة، ولجهة عدائها للكيان المؤقت ودورها في إفشال المشاريع الأمريكية في المنطقة.
أما الاختبار الثاني أمام الدول العربية، فهو في كيفية مساعدة سوريا في كسر الحصار الاقتصادي المفروض عليها، بفعل العقوبات المشددة المفروضة عليه من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية ودول أخرى، والتي تحارب المواطن السوري في لقمة عيشه ودوائه، ومن جهة أخرى تسرق موارده الطبيعية من قمح ونفط منطقة شرق الفرات، بعدما فشلت في ذلك عسكرياً. فأخطر إجراءات الحصار هو ما يُعرف بقانون "قيصر" الأمريكي، الذي دخل حيّز التنفيذ منتصف العام 2020، والذي فرض عقوبات "قاسية" على الحكومة السورية وكل من يتعامل معها من دول أو شركات أو حتى أفراد.
فالدولة السورية تحتاج الى المساعدات المالية والاستثمارات العربية، لإعادة إعمار المدن والمناطق التي دمرتها المجموعات الإرهابية، وتأمين منشآت الخدمات العامة من مياه وكهرباء، وتمكين اللاجئين والنازحين من العودة الى مناطقهم.
عودة دور ما للجامعة العربية
وخلال السنوات الماضية، غابت الجامعة العربية عم أداء دورها ومهامها بشكل لافت، بحيث كانت كل دولة منكبّة على نفسها، ومعالجة مشاكلها، بالإضافة إلى أن أمريكا استطاعت السيطرة على هذا الإطار العربي، وجعله أداة للتفريق لا الجمع.
وهكذا سيكون لعودة سوريا دور في إحياء الجامعة العربية من جديد، وتحصينها من التدخل الغربي وبخاصة الأمريكي، لمنع تحول الجامعة لمنصة لتفريق الدول العربية أو بالحد الأدنى وحدتهم الظاهرية.
الكاتب: غرفة التحرير