منذ ان تم اعلان القدس عاصمة لإسرائيل من قبل الولايات المتحدة تكون الازمة بين اسرائيل والاردن قد بلغت ذروتها، فوصاية الاردن على الاماكن المقدسة كانت اشبه بنوع من الشعور بأهمية الاردن كدولة لها حضورها وشخصيتها العربية والاسلامية وليست مجرد مطبّعة وخاضعة للإملاءات الاميركية، وما رفع من منسوب الازمة بين الاردن واسرائيل أكثر تلك الخارطة التي تحدث عنها الصهاينة بان "الاردن جزء من خارطة إسرائيل".
لقد جربت الاردن كل الخيارات مع الكيان المؤقت وحاولت بكل الاشكال ان تنأى بنفسها عن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي مختفية وراء ظروفها الصعبة كدولة ضعيفة الاقتصاد وعدم ثقتها بالحروب العربية مع الصهاينة، فقد أدى انتصار "إسرائيل" في حرب حزيران عام 1967 إلى احتلال شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والقدس القديمة ومرتفعات الجولان السورية. وأصيب العرب بنكسة، وقد كانت حرب الأيام الستة بمثابة بداية لمرحلة جديدة في الصراع حيث أسفرت عن مئات الآلاف من اللاجئين ووضع أكثر من مليون فلسطيني في الأراضي المحتلة تحت الحكم الإسرائيلي،
ولم تستطع حرب تشرين التي خاضها العرب ضد كيان الاحتلال عام 1973 ان ترفع من مستوى المواجهة مع الصهاينة بل العكس سارعت مصر للتطبيع مع إسرائيل باعتبار انها واقع حال وعلى العرب الاقرار بذلك، وان كل القرار بيد اميركا كما قالها السادات آنذاك "كلُّ الأوراقِ بيدِ أمريكا"، ذلك لتبرير خيانتِه وتوقيع اتّفاق كامب ديفيد، فالتحقت الاردن بالتطبيع عام 1992كثاني دولة تنهج ذلك التراجع.
وعلى الرغم من كل الانتكاسات وقناعة لدى الغالبية من الشعب الاردني بان بلدهم غير صالح للاشتراك بأي منازلة مع الصهاينة، وله ان يأخذ دور الوسيط، فيما رضيت بدوره هذا امريكا ومعها اصدقاؤها من دول الخليج ومصر واعتمدوا معها مبدأ المساعدات بدلا من ان تبني لنفسها تجربة اقتصادية خاصة وحتى سياسية وعاشت في معادلة حكم ملكي وراثي يسنده نظام اجتماعي قبلي وتيارات دينية تحت السيطرة.
الفلسطينيون بالأردن عددهم ليس بالقليل فقد تحولت الاردن لهم اشبه بالوطن البديل فقد جاوروا شعبهم بالأرض المحتلة، واذا ما بلغ عدد سكان الأردن حسب نتائج التعداد العام للسكان لسنة 2015 حوالي 9,5 مليون نسمة، فقد بلغ عدد الأردنيين منهم 6,6 مليون نسمة! بمعنى بدأ عدد الفلسطينيين يفوق سكان الاردن الاصليين وهم يتمتعون تماما بحق المواطنة والحقوق، ولا يحاولون ان يكونوا خارج الواقع الاردني تكريما للأرض التي أوتهم كما يقولون. فقضية ايلول عام 1970 والصراع الذي نشب في الأردن بين القوات المسلحة الأردنية ايام الملك حسين ومنظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات خلفت ضحايا ومشاكل يطول الحديث بها. كما ان الفلسطينيين كثيرو الانجاب ولذا من الطبيعي ان تفوق اعدادهم اخوانهم الاردنيين.
مع تصاعد المقاومة الاسلامية في لبنان ودخولها في حرب مباشرة مع الكيان المؤقت وتسجيل انتصارات مبهرة ودخول المقاومة ليس في بعدها العسكري وانما السياسي ايضا وحصول شخصياتها على مناصب سياسية وادارية وباتت جزء من صناعة القرار في دول مثل لبنان ثم العراق واليمن وغزة، وامتلاكها اسلحة معادلة في الردع والدفاع بقوة عن ارض فلسطين واهلها الصامدين داخل الارض المحتلة تكون الاردن مراقبة أكثر مما هي فاعلة، محاولة ان تنعت المقاومة بالطائفية باعتبار ان دعمها عن طريق ايران (الشيعية).
أخرجت معركة سيف القدس التي نشبت بين فصائل المقاومة في غزة والكيان الصهيوني الاردن من المراقبة الى حماس اكبر حيث توجّه ايامها الالاف من الشعب الاردني الى الحدود مع الصهاينة دعما للمقاومة، واعلانا للمشاركة مما اضطر السلطة ان تتماهى قليلا مع هذا الحماس والخشية ان تتطور الامور اكثر خاصة وان الاردن تضم الملايين من الشعب الفلسطيني المتمسك بقضيته، و أن معركة "سيف القدس" شكّلت نقطة تحوّل لمصلحة المقاومة وتيارها، وأن ارتداداتها كانت مدوّية في إسرائيل على المستويين الرسمي والشعبي. وصداها كان فاعلاً في الاوساط الاسلامية والعربية.
الحق ان الشعب الاردني لم ير في السفارة الاسرائيلية الا جسما غريبا يشكل له ازعاجا دائما وطالما كان لنوابه في البرلمان رغبة وتحريض لإغلاق هذه السفارة وخاصة من قبل لجنة فلسطين في البرلمان حيث يتابعون بقوة ما يجري في الاقصى من انتهاكات واعتداءات على الشعب الفلسطيني، ووصل الامر المطالبة بإلغاء اتفاقية السلام مع الصهاينة.
الاردنيون الذين تحشدوا لأعوام بالضد من التجربة السياسية بالعراق بعد عام 2003 وسخروا اصواتهم واعلامهم لذلك، بل رعوا وسائل اعلام تحولت الى مصدر ازعاج للعراقيين عموما مشوبة بنفس طائفي، هم الان يحثون دولتهم ان يكونوا جزء من المعادلة السياسية الجديدة بالمنطقة، وان يراعوا مصالح شعبهم، وان لا يبقوا مجرد مكتب يرعى المصالح الاميركية والصهيونية، ويكن العداء لدول بات لها عمق استراتيجي بالمنطقة ومنها ايران وكذلك سوريا والعراق، وباتوا يفكرون بما قامت السعودية من تحرك خارج المدار الاميركي ونجحت فيه. خاصة وان الاسرة الهاشمية الحاكمة وعلى راسهم الملك عبد الله رفضوا لمرات تلقي مكالمات هاتفية من نتنياهو عام 2020 بسبب الضم، وأوضح عبد الله ان العلاقات مع اسرائيل في ادنى مستوياتها.
اعتقال عضو البرلمان الاردني عماد العدوان من قبل الشرطة الاسرائيلية قبل ايام اثناء مروره بمعبر اللنبي الذي يصل الضفة الغربية بالأردن، واشاعة انهم عثروا في عجلته على اسلحة وكمية من الذهب باتت موضع جدل في الاردن حيث شكك أردنيون بان الامر دبر بليل باعتبار ان النائب العدوان عرف بصوته المطالب بطرد السفير الاسرائيلي وبنصرة القضية الفلسطينية فاراد الطرفان التخلص منه، لكن تداعياته مازالت قائمة وقد تتحول الى موقف اتجاه اسرائيل بالمستقبل القريب.
السؤال: -هل لدى الأردن خيارات أخرى؟ أم أن خيار التشبث بعملية سلمية من جانب واحد والتقارب الاقتصادي مع إسرائيل المنعزل عن مواقف إسرائيل السياسية والقمعية هو الخيار الوحيد؟
أضف إلى ذلك تراجع اهتمام الولايات المتحدة الأميركية بمنطقة الشرق الأوسط إستراتيجياً لحساب مناطق أكثر أهميةً وتأثيراً إستراتيجياً في مستقبل أميركا، وصعود اليمين الاسرائيلي المتطرف والذي يرى في الاردن جزء من مشروعهم الصهيوني..
هذه النقاط وغيرها ويأس المواطن الأردني من اصدقاء الاردن وخاصة دول الخليج يجعل المواطن الاردني يفكر ان يخيط لنفسه جلبابا مناسبا يستوعب جسده الصغير وطموحه الكبير بان يكون رقما بالمعادلة السياسية والاقتصادية والامنية بالمنطقة، مستفيدا من استقراره السياسي وثقافة شعبه وحدوده مع فلسطين والكيان المؤقت ومن علاقاته مع دول المنطقة والعالم.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع