حاولت بعض الحكومات العربية تقديم نفسها كدول داعمة للدعوى المرفوعة في وجع كيان الاحتلال في محكمة لاهاي، مثبتة ذلك من خلال بيانات رسمية وتصريحات (لبنان، الأردن، ليبيا) بينما فضّل البعض الآخر الصمت وعدم الإدلاء بتصريحات رسمية حول المحاكمة (مصر، الجزائر، المغرب، دول مجلس التعاون الخليجي). في المقابل طالبت الحكومة التونسية محكمة العدل الدولية بالسماح لها بالمشاركة في المرافعات الشفاهية، كما طالبت بعض القوى المجتمعية والحزبية والنقابية حكومات كل من الجزائر ومصر والكويت والبحرين بالانضمام للدعوى.
مع ذلك، صرّحت منظمة التعاون الإسلامي في بيان نهاية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، إن "المنظمة ترحب بالدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية بسبب جريمة الإبادة الجماعية التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني"، داعية المحكمة إلى "اتخاذ إجراءات عاجلة" لوقف الإبادة الجماعية. كما خرج الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، بتغريدات متتابعة للتأكيد أن" الجامعة تؤيد بشكل كامل دعوى الإبادة الجماعية لجنوب أفريقيا ضد إسرائيل"، التي تنظرها محكمة العدل الدولية. وقال أبو الغيط في منشور له على منصة إكس، "إن الجامعة كانت تود الانضمام للدعوى لكنها كمنظمة غير مصرح لها بذلك".
أمام ضعف المشاركة العربية، وانعدامها كلياً أو جزئياً لابد من وضع جملة من النقاط:
- عدم المشاركة العربية مرتبط بالضغوط الأمريكية-الإسرائيلية على حكومات هذه الدول (لا سيما الدول المطبعة) لعدم الذهاب باتجاه إدانة الكيان على جرائمه، على الرغم من محاولة البعض التمسك بضرورة وقف إطلاق النار على غزة بعيداً عن مسألة الإدانة.
- عدم المشاركة سيكون دليلاً دامغاً على أن الأنظمة العربية لا تمثل شعوبها ووصمة عار لا يمكن محوها.
- يقف أعضاء منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية على مفترق طرق محوري، حيث يمكن لقرار يصدر عنهم بدعم الإجراء القانوني الذي تتخذه جنوب أفريقيا ضد الكيان الإسرائيلي أن يشكل خطوة بارزة نحو إعلاء شأن القانون الدولي.
- كان من المفترض على الجامعة العربية ومنظمة التعاون أن يُعبرا بوضوح عن دعمهم بشكل لا لبس فيه، للطلب الذي تقدمت به جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية، وذلك بنفس الشكل الذي دعمت من خلاله منظمة التعاون الإسلامي قضية غامبيا ضد جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها ميانمار ضد المسلمين الروهينغيا.
- يمثل طلب جنوب أفريقيا، الذي يتّسم بالدقة والاستدلالات القانونية القوية، والذي تقدّمت به إلى محكمة العدل الدولية، فرصة سانحة أمام الدول العربية المترددة (غير المطبعة بعد أو التي تواجه ضغوطاً أمريكية من أجل الدخول في مسار التطبيع) لإقرار إجراءات الغاية منها التعامل مع حدوث انتهاكات خطيرة، عبر منتدى قانوني معتبر، بعيداً عن التدخلات السياسية.
- بالنسبة لدول منظمة التعاون والجامعة العربية، تعتبر مبادرة جنوب أفريقيا لدى محكمة العدل الدولية فرصة للمساهمة في إجراءات من شأنها خدمة العدالة والإجراءات القانونية السليمة والقانون الدولي. إنها فرصة سانحة للانتقال من مجرد الكلام نحو اتخاذ إجراءات قانونية للتحقيق في صحة المزاعم الخطيرة.
- لا ريب في أن زعماء دول منظمة التعاون والجامعة العربية ينددون في قلوبهم بأفعال الكيان المزعومة. ولكن الأفضل من ذلك أن يبادروا بالصدع بالحديث عن الانتهاكات التي نراها يومياً على الشاشات، بل والأفضل من كل ذلك هو اتخاذ إجراء من خلال الانضمام إلى جنوب أفريقيا في محكمة لاهاي، كخطوة أولى، من أجل كسر الحصانة التي ما لبث يتمتع بها الكيان الإسرائيلي من المساءلة والمحاسبة، ثم مساءلته ومحاسبته على ما ينسب إليه من انتهاكات للقانون الدولي.
- إن لدى منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية فرصة سانحة لأن يصبحا جزءاً من الإجراءات التاريخية التي يمكن أن تعيد تعريف الكيفية التي يتم بها تطبيق القانون الدولي في حل النزاعات وكيف يتم من خلاله إعلاء مبادئ العدالة والمحاسبة على المسرح الدولي.
بعض الدول العربية والإسلامية التي لها علاقات دبلوماسية مع كيان الاحتلال أعلنت سحب سفرائها من تل أبيب في بداية الحرب وهي الأردن، البحرين، تركيا. لكن في ظل التطورات الخطيرة الحاصلة وارتفاع منسوب الانتهاكات والجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال في غزة لم يعد هذا القرار كافياً، بل كان يستوجب اتخاذ تدابير صارمة بقطع العلاقات نهائياً والذهاب باتجاه المطالبة بمساءلة الكيان ومحاسبته ومحاكمة مسؤولية على الانتهاكات والجرائم التي ارتكبوها في حق الشعب الفلسطيني. فهل سيجرؤ العرب على مثل هذه القرارات؟
الكاتب: غرفة التحرير