كان عنوان زيارة ماكرون إلى الصين هو إعادة الجميع إلى طاولة المفاوضات في الحرب الروسية الأوكرانية، إلا أنّ فرنسا المأزومة اقتصاديًا كما باقي الاتحاد الأوروبي، والتي لم تجد في مستعمراتها السابقة في أفريقيا ما يمكن نهبه إثر زيارتها الأخيرة، توجهت اليوم إلى الصين للبحث على نفوذ باريس المحتمل في بكين.
لم يترك اختيار ماكرون للحاشية، وهي وفد مؤلف من 50 رجل أعمال فرنسي، مجالًا للشك، في أن السبب الرئيسي لرحلته كان اقتصاديًا. وانضمت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى بعض تلك الاجتماعات، حيث يتمّ التعويل على أنّ العلاقات الاقتصادية الصينية الأوروبية قد تجعل رسالة الزعيم الفرنسي بشأن أوكرانيا أكثر إقناعًا.
ثالث زعيم أوروبي يزور الصين في الأشهر الأخيرة
في حين تحرص الولايات المتحدة على تحييد حلفائها بل إبعادهم عن تعميق العلاقات مع الصين، إلا أن الأوروبيين، بعدما باعتهم الولايات المتحدة الغاز بأسعار مرتفعة على إثر انقطاع الغاز الروسي الذي تسببت هي أيضًا بقطعه، فإنهم كما يبدو أقل استعدادًا للمعاناة أيضًا من حرب باردة جديدة بين الصين والولايات المتحدة التي بدأت تفقد ميزة هيمنة الدولار العالمية. قالت فون دير لاين قبل الرحلة، إنها لا ترى الانفصال عن الصين كاستراتيجية قابلة للتطبيق أو مرغوبة للاتحاد الأوروبي، بل إنها تفضل اتباع نهج أكثر حذرا "لإزالة المخاطر" في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والصين. وهذا يفسّر سبب كون الرئيس الفرنسي ثالث زعيم أوروبي يزور الصين في الأشهر الأخيرة.
تعليقًا على الزيارة، صرّحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل، بأنه لا ينبغي للمراقبين أن ينظروا إلى زيارة ماكرون إلى الصين على أنها علامة على الخلاف بين السياسة الأمريكية والفرنسية تجاه البلاد. وأكدت باتيل أن "الولايات المتحدة وفرنسا تشتركان في المخاوف بشأن التحدي الذي تشكله جمهورية الصين الشعبية على النظام الدولي القائم على القواعد، بما في ذلك من خلال دعم بكين المستمر لحرب روسيا ضد أوكرانيا". الواقع أنه ليس بوسع الولايات المتحدة للحفاظ على ماء وجه هيمنتها إلا هكذا تصريح.
ماكرون يعتمد على الصين للمساعدة في إنهاء الحرب
قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لنظيره الصيني شي جين بينغ إنه يعتمد عليه في "التفكير" للمساعدة في إنهاء الحرب في أوكرانيا. وفي كلمته الافتتاحية خلال محادثات في بكين، قال ماكرون إن روسيا "وضعت حدًا لعقود من السلام في أوروبا" وإن التوصل إلى "سلام دائم" يحترم الحدود المعترف بها دوليا "قضية مهمة للصين، بقدر ما هي مهمة لفرنسا وأوروبا". الجدير ذكره أنّ الصين التي اعتمدت الحياد في هذا الصراع، والتي تحاول تأطير دورها كعامل للسلام، كانت قد رفضت إدانة الغزو الروسي، واستمرت في تشديد علاقاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع الكرملين خلال العام الماضي، بما في ذلك زيارة دولة من شي إلى موسكو الشهر الماضي. فما الذي يحاول فعله ماكرون؟
في حديثه للصحفيين إلى جانب ماكرون، قال شي إن الصين مستعدة "لإصدار دعوة مشتركة" مع فرنسا للمجتمع الدولي "لممارسة ضبط النفس" و"تجنب اتخاذ إجراءات قد تتسبب في مزيد من التدهور للأزمة". ثم كرر موقف الصين الحالي من الحرب، بما في ذلك الدعوة إلى محادثات السلام ومعارضة استخدام الأسلحة النووية، مع التأكيد على أن "المخاوف الأمنية المشروعة" لجميع الأطراف، يجب أن تؤخذ في الاعتبار، وهي عبارة يفسّرها الغربيون على أنها إشارة إلى المصالح الروسية. قال شي خلال اجتماعات مع ماكرون إنه مستعد للاتصال بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في الوقت المناسب، حسبما ذكرت مصادر دبلوماسية فرنسية لشبكة CNN.
توقعات فرنسية عالية لقدرة الصين على إنهاء الصراع
وصل ماكرون إلى بكين مع توقعات عالية بانفراجة محتملة في العمل مع الصين لإيجاد حلول لإنهاء حرب روسيا على أوكرانيا، وقال مصدر في الإليزيه الأسبوع الماضي للصحفيين إن ماكرون لم يكن في الصين "للتشكيك في الخطوط الحمراء الصينية، لا سيما رفض إدانة روسيا"، بل لإيجاد طريقة لخلق مبادرات و خلق "طريقة لتحديد حل لهذه الحرب". خاصةً بعد نجاح الصين في قيادة مصالحة بين إيران والسعودية، وهما من أكثر العلاقات تعقيدًا والتهابًا فيما يسمونه الشرق الأوسط.
الكاتب: زينب عقيل