أبدت الأوساط الأمنية والسياسية في كيان الاحتلال مخاوفها من تنفيذ خطة الحرس الوطني التي يطالب بها وزير الأمن القومي، ايتمار بن غفير، والتي تقوم على انشاء ميليشيات مسلحة منفصلة عن الجيش. وتشير صحيفة هآرتس العبرية، ان هذا "الحل السحري... هو ابتكار إجراءات مرنة لاستخدام القوة، وضمان ولاء الجنود والضباط... إذا رفض المفتش، عامي ايشد، خرق القانون وتفريق المظاهرات، فسيرسل نتنياهو وبن غفير الحرس الوطني إلى تل أبيب، الذي سيتشكل من الكهانيين والبيبيين".
النص المترجم:
وزير الأمن الوطني، إتمار بن غفير، أعلن الإثنين الماضي بأنه يوافق على تأجيل الدفع قدماً بقوانين الانقلاب النظامي إلى دورة الكنيست الصيفية مقابل تعهد رئيس الحكومة نتنياهو، بتشكيل حرس وطني يكون خاضعاً بشكل مباشر لبن غفير. في الوثيقة التي وقعها الاثنان، تم الاتفاق على تقديم إقامة الحرس، الأحد القادم، لمصادقة الحكومة، وسيتم إجراء التعديلات القانونية المطلوبة. البند 90 في الاتفاق الائتلافي بين الليكود وحزب "قوة يهودية"، الذي يبدو كأحد التعهدات البسيطة التي تعودنا عليها في الاتفاقات الائتلافية في إسرائيل، يمكن أن يتحول إلى واقع.
إذا كانت فكرة الحرس الوطني ظهرت كجنون شخصي لبن غفير، الذي يحاول وصف نفسه بـ "السيد أمن"، الذي سيحارب "الجريمة في الوسط العربي"، في 28/12/2022، فإنه الآن، بعد شهرين على المظاهرات والاحتجاجات العامة غير المسبوقة في أرجاء الدولة، من الواضح أن الحرس الوطني أصبح أيضاً مصلحة شخصية لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو. هذا كاستخلاص الدروس من عدم قدرة الحكومة على وقف المظاهرات، وإعلان جمهور متطوعين في الاحتياط بأنهم لن يخدموا في ظل ديكتاتورية.
المظاهرات وانتشار الاحتجاج أدت إلى ضغوط داخلية ودولية على الحكومة، وأدت إلى المس بصورة نتنياهو الدولية، الذي يقلق جداً على إرثه. هذه فرضت على نتنياهو في البداية تقليص وتجزئة مجموعة مشاريع القوانين. وبعد أن اكتشف بأن إقالة وزير الدفاع زادت الاحتجاج العام، سيجمد مصادقة الكنيست عليها حتى الصيف.
في شهري المظاهرات التي لا تنقطع، فعل أعضاء الكنيست والوزير بن غفير ونتنياهو وابنه يئير كل ما في استطاعتهم من أجل وقفها. دعوات للشرطة والشاباك للتعامل بقبضة حديدية مع المتظاهرين "الفوضويين"، وأن على رئيس الأركان معالجة "الرافضين"، ومحاولة إقالة قائد لواء تل أبيب، عامي ايشد، بشكل متسرع. وإذا لم يكن هذا كافياً، كانت هناك أيضاً حملة لنزع الشرعية عن المتظاهرين من خلال نشر نظريات مؤامرة حول تمويلهم وتحريكهم من قبل جهات أجنبية. ونشر مؤامرات وهمية لاغتيال زوجة رئيس الحكومة.
إحدى نظريات المؤامرة الرئيسية التي انتشرت كالنار في الهشيم في حساب تويتر نتنياهو وأبواقه، هي أن إسرائيل في ذروة "انقلاب عسكري" مثلما في الدول الإفريقية. والأدلة على الانقلاب، وفق رأي مؤيدي المؤامرة، في رفض الشرطة والشاباك إطاعة رئيس الحكومة ووزير الأمن الوطني في كسر المظاهرات من خلال خرق توجيهات القضاء وحكم المحكمة والمستشارة القانونية للحكومة؛ ورفض رئيس الأركان أن يقدم للمحاكمة أو أن يعزل جمهور المتطوعين في الاحتياط الذين أعلنوا عدم الخدمة في نظام ديكتاتوري؛ وفي الدعوة المفاجئة لوزير الدفاع المقال، غالانت، وهي وقف الدفع قدماً بقوانين الانقلاب النظامي لأنها تمس بالأمن الوطني.
الآن يبدو أن نتنياهو وبن غفير يوافقان على أن "الحل السحري هو تشكيل حرس وطني بسرعة". يتوقع أن تكون الذريعة هي الحاجة إلى مكافحة الفوضى والجريمة في الوسط العربي و"استخلاص الدروس من أعمال الشغب أثناء عملية "حارس الأسوار". في الحقيقة، هدف تشكيل الحرس مختلف. هكذا، لن يكون عليهم أن يواجهوا الاحتجاج العام أو أن يواجهوا تعقيداً قضائياً بسبب إقالة سياسية لضابط في الشرطة أو في الجيش، وأن يواجهوا تعليمات القانون وأوامر الشرطة من أجل استخدام القوة واستخدام وسائل تفريق المظاهرات.
يمكنهما اختيار التسلسل القيادي، وابتكار إجراءات مرنة لاستخدام القوة، والأهم من ذلك ضمان ولاء الجنود والضباط. هكذا، إذا رفض المفتش عامي ايشد خرق القانون وتفريق المظاهرات، فسيرسل نتنياهو وبن غفير الحرس الوطني إلى تل أبيب، الذي سيتشكل من الكهانيين والبيبيين.
حتى لا يكون هناك شك، سيكون الحرس الوطني محطة مهمة في تحويل إسرائيل إلى ديكتاتورية كاملة. الديكتاتوريون الذين يخافون من مواطني الدولة ويعتبرونهم أعداء، تعودوا على تشكيل وحدات منفصلة من الجيش والشرطة، التي تكون مخلصة لهم شخصياً، ومستعدة لكسر أي احتجاج مدني إذا رفض الجيش وفعلت الشرطة ذلك. هذه الوحدات أيضاً ستضمن أن جهات في الجيش والشرطة لن تتمرد عليهم.
أي ديكتاتور لا يعترف بأن هذه هي أهدافه، والذريعة الرسمية هي حاجة أمنية ملحة. على سبيل المثال، في الكاميرون أقام الديكتاتور بول بيا في 2001 وحدة خاصة من خارج الجيش والشرطة باسم "بي.آي.آر" بذريعة أنها حيوية لمحاربة منظمات الجريمة والمنظمة الإرهابية بوكو حرام. إسرائيل والولايات المتحدة سلحتها ودربتها بشكل كثيف. في 2016 اندلعت مظاهرات ضخمة في مناطق المعارضة في جنوب غرب الدولة على خلفية خطوة النظام إلغاء استقلالية جهاز القضاء وجهاز التعليم هناك. رداً على ذلك، تنازل النظام عن مكافحة بوكو حرام وأرسل جنود الوحدة إلى معاقل المعارضة. هناك اقتحموا قرى ومدناً وتورطوا في أعمال سلب وتعذيب وضرب للرجال والنساء والأطفال، وإطلاق النار على المتظاهرين والمدنيين وإحراق وتدمير محلات تجارية وبيوت سكنية ومؤسسات تعليم وجامعات.
الظاهرة معروفة جيداً لإسرائيل، التي اعتادت خلال عشرات السنين على تسليح وتدريب حرس كهذا. هكذا، في نيسان 1984 كتب سفير إسرائيل في كينشاسا، عاصمة زائير (التي تسمى الآن جمهورية الكونغو الديمقراطية)، ميخائيل ميخائيل، في برقية لوزارة الخارجية في القدس: “ركزنا وذهبنا أبعد في تدريب وحدات هدفها حماية النظام أكثر من الدفاع عن أمن الدولة… نحن شركاء في تضخيم اللواء الرئاسي، جيش داخل جيش، دولة داخل دولة". وأضاف بأن الديكتاتور، بشكل متعمد، يقوم "بتجفيف" وتحويل وحدات الجيش النظامي إلى هيكل عظمي، في حين أن الحرس الخاص الذي ساعدت إسرائيل في إقامته للدفاع عن النظام هو الذي يهدد وجودها، “تعزيز حرس الرئاسة قد يؤدي إلى إقامة شرنقة التي ستثور في نهاية المطاف ضد الحاكم". وأضاف: "قائد حرس الرئاسة هو الضابط الأفضل والذي له دافعية أقوى ليكون قائد هذه التشكيلة الأفضل والأقوى، لأنه لا تفصل بينه وبين الحكم سوى نبضة قلب".
لا تقتصر إقامة الحرس الوطني على أحزاب ونشطاء المعارضة، بل إن شرطة إسرائيل أيضاً التي يتوقع أن تكون "مجففة" مالياً، يجب عليها القلق. الولايات المتحدة تمنح مساعدات عسكرية لإسرائيل بمبلغ 3 مليارات دولار في السنة. والحرس الوطني هذا سيتم تسليحه بسلاح أمريكي، بشكل مباشر أو غير مباشر (مثلاً بواسطة نقل السلاح دون مصادقتها للحرس من وحدات الجيش والشرطة). لا يوجد منطق بأن الولايات المتحدة ستستمر بمنح مساعدات أمنية كبيرة لإسرائيل وتقدم لها ميزانية لإقامة جسم أمني منفصل وخاص للحاكم.
لذلك، محظور التشوش أو عدم المبالاة. الحديث لا يدور عن مليشيا خاصة لبن غفير، بل عن مليشيا خاصة لنتنياهو. إذا تم تجسيد خطة الحرس الوطني تحت غطاء استئناف "الحوار" في مقر رئيس الدولة في الأسابيع القريبة القادمة، فإنه عند تشكيل الحرس سيكون من الصعب منع نتنياهو من الذهاب حتى النهاية وتحويل إسرائيل إلى ديكتاتورية كاملة.
المصدر: هآرتس
الكاتب: ايتي ماك