تأتي ما تمسى "مسيرة الأعلام" التهويدية هذا العام بعد 4 أيام من معركة "ثأر الأحرار" التي خاضتها المقاومة الفلسطينية وفي مقدمتها سرايا القدس، تصديًا لعدوان الاحتلال وردًا على اغتياله لـ 6 قادة من المجلس العسكري لحركة الجهاد الإسلامي. وأمام مزاعم رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بأنه حقق بعض الأهداف خلال هذا العدوان، يصرّ واليمين المتطرف على تمرير تلك المسيرة في القدس المحتلّة، فيما قد يؤدي ذلك الى استئناف التصعيد مع المقاومة الفلسطينية، التي أظهرت تطورًا ملحوظًا في أدائها وتكتيكاتها الجديدة التي مكنتها من اختراق منظومة الاحتلال "الاعتراضية"، القبة الحديدية و"مقلاع داوود" وإحداث أضرار ضخمة في الجبهة الداخلية.
تستنفر شرطة الاحتلال يوم الخميس 18/5/2023 لحراسة هذه المسيرة، فقد نشرت 3200 شرطي. وقد نقل موقع "واللاه" العبري، أنّ "تحذيرات المؤسسة الأمنية من أن التصريحات غير المسؤولة لوزراء الحكومة وغيرهم من السياسيين حول الحرم القدسي والقدس قد تؤدي إلى إشعال النار في المنطقة". فقد زعم نتنياهو خلال المعركة أن "مسيرة الأعلام" ستبقى على حالها وستسير كما كان مخطط لها.
حاولت المنظمات الصهيونية المتطرفة توسيع اقتحاماتها للقدس المحتلّة وتمرير طقوسها في ساحات المسجد الأقصى، الا أنّه وبحسب "القناة 13" العبرية فإنّ شرطة الاحتلال قد لا توافق على هذه الطلبات، تجنبًا للتصعيد.
المتغير هذا العام، أن "مسيرة الأعلام" ستجري في ظل أكثر حكومات الاحتلال يمينيّة، وفي ظل وجود القائمين وزعماء المنظمات الصهيونية المتطرفة - التي عادة ما تنظّم الطقوس التهويدية وتدفع نحو التصعيد مع الشعب الفلسطيني – على رأس الحكومة وفي وزارة مهمة. اذ يتوقع أن يشارك 9 وزراء من الحكومة في هذه المسيرة، ومن بين أبرزهم، وزير الأمن الداخلي ايتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلائيل سموتريتش ووزير النقب والجليل يتسحاق فاسرلاف، ووزيرة المواصلات ميري ريغيف. يزعم الوزراء أنهم سيمرون في اقتحامات من الحي الإسلامي (ذي الأغلبية الفلسطينية)، فيما ادعى زعيم منظمة "بيدينو" الصهيونية، توم نيساني، باقتحام المسجد الأقصى ضمن المسيرة.
في هذا الإطار تشير صحيفة "هآرتس" العبرية الى أنّ شرطة الاحتلال قد أصدرت أوامر إبعاد من البلدة القديمة لعدة نشطاء يهود لفترات متفاوتة ضمن تقديرها بأنهم يشكلون "خطرًا على الأمن". كذلك أبعدت شرطة الاحتلال العديد من الناشطين الفلسطينيين الذين عادة ما يتواجدون في القدس والمسجد الأقصى في هذه المناسبات لتوثيق اعتداءات الشرطة والمستوطنين، ولإسناد المسجد الأقصى والدفاع عن هويته العربية والإسلامية.
حدّدت الصحيفة بعض "المبعدين" من اليهود، ومن بينهم "توم نسني، المدير التنفيذي لجمعية الهيكل بيدنا، والذي أُبعد بشكل استثنائي لمدة شهر بأمر عسكري وقّعه قائد "الجبهة الداخلية" رافي ميلو، الذي يُشار إلى وجود معلومات حساسة تفيد بأن نشاطاته "قد تصل إلى حد تهديد أمن الدولة والجمهور، مع وجود معلومات حديثة تشير إلى نيته القيام بنشاطات استفزازية من شأنها التأثير على الوضع الأمني في البلدة القديمة".
بدوره ادعى أيضًا موقع "i24 news" الإسرائيلي أنّ شرطة الاحتلال "ستعمل على ألا تتجاوز المسيرة شارع صلاح الدين المقابل لباب العمود" مقدرًا أنّ "المسيرة لن تمر عبر باحات الأقصى رغم المطبوعات الكاذبة ومحاولات التحريض".
ماذا قد تحدث "مسيرة الأعلام"؟
السيناريو الأول للتصدي لمسيرة الأعلام، يكون من خلال الحشد الجماهيري نصرةً للقدس المحتلّ’ والمسجد الأقصى من كافة المناطق، من أهل القدس نفسها ومن الضفة الغربية ومن الداخل الفلسطيني المحتل. كما بمسيرات اسنادية ووقفات تضامنية في قطاع غزّة بالتزامن مع "مسيرة الأعلام".
السيناريو الثاني، هو إشعال كتائب ومجموعات المقاومة لنقاط التماس مع الاحتلال، وتنفيذ عمليات إطلاق النار وغيرها من أشكال العمليات.
السيناريو الثالث، هو أن تتوسع الأمور على الصعيد العسكري، من خلال إطلاق الصواريخ من غزّة، وربما في الساحات الأخرى، ومن بينها لبنان وسوريا. اذ نقلت إذاعة جيش الاحتلال عن ضابط في الشرطة بالقدس المحتلّة أن هناك "استعدادًا لسيناريو إخلاء أكبر عدد ممكن من الأشخاص إلى الملاجئ خلال مسيرة الأعلام".
أمام هذه الادعاءات من شرطة الاحتلال بأنها قد تمنع "الاستفزازات" المتطرفة خلال المسيرة، يمكن القول بأن مستويات الاحتلال قرأت رسائل معركة "ثأر الأحرار" وما قدّمته المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها سرايا القدس.
مسيرة الأعلام: بدعة الصهيونية الدينية
بدأت هذه المسيرة بمبادرة فردية انطلقت في عام 1968 كمسيرة "متواضعة" في ساعات المساء في الذكرى السنوية (وفق التقويم العبري) لاحتلال الجهة الشرقية من القدس، وبتنظيم من المستوطن اليهودي يهوذا حزاني، في سياق زعم "السيادة" الصهيونية على القدس والمسجد الأقصى.
استمرت المسيرة بشكل متواضع وخجول لغاية عام 1974، إذ طورت إلى أحد من الطقوس التي تظهر حجم التأييد للتيار الديني الصهيوني في كيان الاحتلال، بزعامة الحاخام الرابي كوك.
ومع الوقت تصاعد التيار الديني المتطرف في الكيان، وسيطر على مفاصل الحياة السياسية فيه، كما سيطر على وزارة التربية والتعليم لسنوات طويلة، وهي الوزارة التي ترعى هذه المسيرة.
على الرغم من تصوير "مسيرة الأعلام" على أنها مسيرة للمستوطنين، إلا أنها في الواقع لم تكن كذلك في بدايتها، خصوصاً أنها انطلقت قبل تأسيس أي مستوطنة في الضفة الغربية المحتلة، وحتى داخل القدس المحتلّة نفسها، وكانت تحظى بنوع من اللامبالاة، وأحياناً السخرية من قبل التيارات الأخرى غير الدينية المتطرفة.
ظلّت مسيرة الاعلام، حتى خلال تولي الأحزاب اليسارية، ومن بين أبرزها "حزب العمل" رئاسة الحكومة، كـ "ضريبة" يدفعها الكيان وتلك الأحزاب للمجموعات الصهيونية والدينية المتطرفة، التي توصف في الأوساط الإسرائيلية، بأنها لا تقدّم شيئًا للكيان بل إنها تعتاش على الخدمات التي تقدّم لها.
تموّل "مسيرة الأعلام" من المنظمات الدينية الاستيطانية ومن بين أبرزها، "جمعية عام كالبيا"، الى جانب وبلدية الاحتلال في القدس المحتلّة، ووزارة التربية والتعليم "الإسرائيلية" وشركة "تطوير وإعادة تأهيل الحي اليهودي". وقد وصل حجم التمويل عام 2018 إلى نحو 300 ألف دولار.
الكاتب: غرفة التحرير