تضع المقاومة في القدس والضفة الغربية المحتلّة كيان الاحتلال في أزمة "أمن" حقيقية. فبتنفيذهم للعمليات النوعية يخترق الشباب الفلسطينيون الإجراءات الأمنية التي يفرضها الاحتلال منذ عام كامل ضمن إطار "عملية كاسر الأمواج" (فرضها بعد سلسلة من العمليات التي طالت الداخل المحتل). وكانت حصيلة العمليات الفردية خلال الشهرين الماضيين 14 قتيلًا من المستوطنين والجنود.
يترافق واقع تصاعد المقاومة مع أزمة انقسامات داخلية حادّة تتسلّل الى القطاعات الحيوية في الكيان وأهمها الجيش ووحداته وشركات "الهيتاك"، وذلك بسبب "القوانين" التي يتطلّع الائتلاف الحكومي الى إقرارها والتي تجعل الكيان تحت حكم اليمين المتطرّف.
أُدرجت هذه القوانين ضمن البرامج الانتخابية للشخصيات المتطرّفة، ومن بينهم وزير الأمن وعضو الكنيست عن حزب "عوتسما يهوديت" ايتمار بن غفير، وكانت شرطًا أساسيًا للمضي بالائتلاف الحكومي الحالي.
وبعد قانون "الإصلاحات القضائية"، يعدّ "قانون عقوبة الإعدام بحق منفذي العمليات" أبرز هذه القوانين. وقد قال بن غفير، في رسالة لحزب "الليكود" إن "التصويت على قانون "عقوبة الإعدام" ليس خدمة يقدمها أحد لـ "القوة اليهودية"، بل هو ضمن اتفاق ائتلافي بسيط وواضح يروج لواحد من أهم مشاريع القوانين".
"الكنيست" يصادق على "قانون الإعدام"
أقرّ "الكنيست" بالقراءة التمهيدية "قانون عقوبة الإعدام" بحق منفذي عمليات المقاومة، وقد صوّت له 55 من الأعضاء، وعارضه 9 من مجموع 120 عضوًا. يزعم "القانون"، "إيقاع عقوبة الموت بحق كل شخص يتسبب عن قصد أو بسبب اللامبالاة في وفاة مواطن إسرائيلي بدافع عنصري أو كراهية ولإلحاق الضرر بإسرائيل".
ماذا يحقق هذا القانون لـ "بن غفير"؟
أولًا، على المستوى الداخلي، فقد كانت إجراءات إقرار العقوبات بحق المنفذين والأسرى من اختصاص "المحكمة العليا" للاحتلال لكنّ بن غفير أراد نقلها الى "الكنيست" في محاولة لإلغاء دور هذه المحكمة وبالتالي تبديل شكل الحكم في الكيان وجعل التشريعات حصرًا في "الكنيست" (الذي تسيطر عليه حاليًا الأحزاب اليمينية). ولضمان إقرار هذا القانون وضعه بن غفير شرطًا أيضًا لتمرير الموازنة، ما يعني أن احتمال تهّرب رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو منه ضعيف.
كذلك يندرج هذا "القانون" في إطار استراتيجية الهروب الى الأمام، اذ يقذف الاحتلال مشاكله الداخلية وانقساماته نحو الجبهات من أجل صرف النظر عن المخاطر الداخلية نحو تلك الخارجية في محاولةٍ لإعادة رصّ صفوف أطرافه المتشرذمة.
ثانيًا، على المستوى الفلسطيني، يتذرّع بن غفير بهذا "القانون" بزعم "ردع" عمليات المقاومة. وشرح الخبير في الشؤون الإسرائيلية سعيد بشارات "أن الإجراءات المشدّدة التي أوصى بها بن غفير مصلحة السجون ضد الأسرى ما كانت الا تمهيدًا لإقرار هذا القانون".
"قانون عقوبة الإعدام" ليس جديدًا، فهو أقرّ أولًا منتصف الستينيات ضمن "القانون العسكري" في الكيان لكنّه جمّد ولم يطبّق عمليًا. حاول وزير الأمن عام 2018 أفيغدور ليبرمان إعادة تفعيله لكن لم يمرّ أيضًا.
هل "يردع" هذا "القانون" المقاومة الفلسطينية؟
في حديثه مع موقع "الخنادق"، شدّد مسؤول المكتب الإعلامي في حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، داود شهاب، أن "هذه محاولات لا قيمة لها فالفدائي الذي يقرر تنفيذ عملية هو يذهب إلى الشهادة، ولا يظن أن يعود، وسواء كان شهيدًا في المعركة أو بعدها فالنتيجة واحدة"، مضيفًا أن هذا القانون " لن ينجح هذا القانون في الحد من العمليات الفدائية... فنحن نرى نماذج المجاهدين الذين يرفضون تسليم أنفسهم لجنود العدو ويشتبكون معه حتى الشهادة". بل وأكّد "شهاب" أنّ مثل هذه الإجراءات سترتدّ على الاحتلال بالنتائج العكسية اذ إنّ "هذا القانون العدواني، وسيدفع المقاومة إلى اعتماد أساليب وتكتيكات ميدانية، تمكن المجاهدون من تنفيذ عمليات متتالية تؤلم العدو".
في هذا السياق أيضًا، صرّح المتحدّث باسم حركة الجهاد الإسلامي عن الضفة الغربية أن "المقاومة الفلسطينية لن تقف مكتوفة الايدي امام هذا القرار الذي يستهدف أسرانا البواسل والاحتلال يعي تماما ان أي مساس بالأسرى سيدفع ثمنه غاليًا جدا لان حياة الاسرى بالنسبة لنا خطًا أحمر".
بدورها أكّدت حركة حماس أن "التصويت على القانون خطوةٌ عنصريةٌ إجرامية تعكس توجهات حكومة الاحتلال الفاشية، وامتداد لسياسة الإعدامات الميدانية التي ينفذها الجيش الصهيوني بدمٍ بارد أمام مرأى العالم". على الصعيد العسكري، فمع إمعان الاحتلال بعدوانه في القدس والضفة، كان الناطق باسم كتائب القسّام "أبو عبيدة" قد هدّد أن "صبر المقاومة آخذ بالنفاذ".
أمّا الحركة الأسيرة، فقد أصدرت بيانًا خاصًا، أكدت فيه أنها سنواصل حراكها حتى الانتصار وقانون الإعدام لا يخيفها"، بل إنه " طريق شهادة بالنسبة لنا".
يدرك الاحتلال، هذا الموقف الثابت على خيار المقاومة وانعكاسات قراراته واجراءاته، فكما أنّ اغتيال قادة كتائب المقاومة في الضفة وسياسة اعتقال ذويهم وهدم منازلهم لم ينتج الاّ تطورًا للمقاومة وخاصة في السنتين الماضيتين، فإنّ الرئيس السابق "للشاباك"، آفي أرييلي، قد لخّص المشهد بالنسبة لمسؤولي الاحتلال حين قال "نحن نلعب بالنار فمن أخطر الأشياء التي نواجهها هو عدد العمليات. منفذو العمليات الذين سيتعرضون لعقوبة الإعدام سيصبحون قديسين وذو شهرة بعد الإعدام مما سيزيد دوافع الفلسطينيين لتنفيذ العمليات".
من ناحية أخرى، يُدخِل مثل هذا القانون كيان الاحتلال بمشكلة مع المجتمع الدولي والدول الغربية التي تدعي معارضتها لحكم اليمين المتطرّف وتزعم الرغبة بـ "تهدئة" خاصة مع اقتراب شهر رمضان.
سواء من ناحية تهديدات المقاومة أو من ناحية أزمته الداخلية الكبيرة، هل يتحمّل الاحتلال إعادة تفعيل قانون "عقوبة الإعدام" بحق منفذي العمليات وتداعياته؟
الكاتب: مروة ناصر