"إسرائيل ولأول مرة تكون عالقة في واقع تحديات أمنية في القدس والضفة وأمام عرب الداخل وأمام غزة ولبنان والنشاط الإيراني في سوريا، أي وحدة الساحات"، يحدّد في هذا التصريح لصحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية المستشار الأسبق لشؤون الأمن القومي الإسرائيلي، غيؤرا آيلندم، مأزق حكومة بنيامين نتنياهو الخارجي. ومن جهة أخرى، تتراكم الأزمات الداخلية على نتنياهو وآخرها استطلاعات الرأي في الإعلام العبري التي تشير الى تراجع ملحوظ لتأييد الحكومة الحالية ومقاعد حزب "الليكود" في "الكنيست". فهل يهرب نتنياهو الى تصعيد "يعالج" به الأوضاع المتدهورة في الكيان؟
الخارجية الفلسطينية تحذر من عدوان على غزة
ألمحت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية في طيّات بيان لها الى نيّة نتنياهو شنّ عدوان على قطاع غزّة. وقد جاء في البيان: "تحذر وزارة الخارجية والمغتربين من نتائج وتداعيات اي عدوان عسكري اسرائيلي وشيك ضد أهلنا في قطاع غزة، حيث يعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أن العدوان العسكري على قطاع غزة هو المنقذ السياسي له، على اعتبار ان المعارضة ستقف معه في تلك المواجهة العسكرية، مما سيضعف او حتى يوقف حملة المعارضة ضده".
فبعد أن تحسّس نتنياهو مشهدًا من مشاهد الحرب متعدّد الجبهات، أي وحدة ساحات المعركة، حين أطلق 17 صاروخًا من جنوب لبنان يوم الخميس الماضي، بالتزامن من الجولات الصاروخية في قطاع غزّة في ليلتين متتاليين ردّا على انتهاكات الاحتلال في القدس والمسجد الأقصى. استدعى نتنياهو، زعيم المعارضة الحالية يائير لابيد، ضمن جلسة "إحاطة أمنية"، محاولًا استغلال فرصة التهديد الخارجي، للمناورة وإخراج المعارضة من ساحة الاحتجاجات المستمرة أكثر من 13 اسبوعًا على التوالي، ورفع صورة نتنياهو في الشوارع على هيئة "فرعون"، رفضًا لمخطط التعديلات القضائية وسيطرة اليمين على الحكم.
خرج لابيد من تلك الجلسة "أكثر قلقًا مما كان عليه قبل أن يدخلها"، وفق قوله. في إشارة الى أنّ نتنياهو لم يتمكّن من إقناعه بضرورة شنّ عدوان على القطاع. وادعى لابيد أنّ "هذه الحكومة المتطرفة ليست مؤهلة لإدارة دولة إسرائيل في مثل هذا الوقت المشحون". مضيفًا أنه لا يمكن "لمهرج تيك توك فقد ثقة الشرطة والقوات في الميدان (في إشارة الى وزير أمن الاحتلال ايتمار بن غفير) أن يدير الساحة الأكثر قابلية للانفجار في العالم (المسجد الأقصى)".
كما ناور لابيد بدوره أيضًا للحصول لسحب مكاسب من نتنياهو لصالح الأحزاب اليسارية وما يسمى "الوسط"، من خلال المطالبة تقليص الصلاحيات الواسعة الممنوحة لبن غفير، وسحب "السلطة الأمنية" الممنوحة له في المسجد الأقصى. مقابل "منح المفتش العام للشرطة، يعقوب شبتاي، الدعم الكامل ليشرف شخصيًا على ما يحدث في المسجد الأقصى". بالإضافة الى المطالبة بإلغاء وجود وزيرين في وزارة الجيش (قانون درعي).
لكن، يبدو أن نتنياهو لا يرى مخرجًا لأزماته الداخلية والخارجية الا بـ " عملية عسكرية كبيرة خلال الأسابيع القادمة". ويرجّح كبار مسؤولون في الكيان وأعضاء في الأحزاب أن يكون التصعيد بعد يوم العودة (ذكرى النكبة عام 1948) في أيار / مايو. ويقدّرون أن هذا العدوان هو "حاجة" لنتنياهو بعد استطلاعات الرأي التي كشفت أن 70% من المستوطنين غير راضين عن أداء الحكومة الحالية، وأنّ مقاعد حزب "الليكود" تنخفض إلى 20 مقعداً في أيّ انتخابات مقبلة اذ بقيت الوضع الراهن. الا أنّ هؤلاء المسؤولين يتراجعون عن جزم موعد التصعيد، بتقديرهم أن "ما قد يحدث على أرض الواقع والتغيرات في صورة الوضع الأمني قد تؤثر على توقيت بدء العملية".
في هذا السياق، علّقت زعيمة "حزب العمل"، ميراف ميخائيلي، أنّ "أعضاء الحكومة يريدن إرسال جنودنا ومجنداتنا إلى عملية عسكرية بسبب فشلهم في استطلاعات الرأي العام، وهذا بالضبط السبب في أنه يحظر بأي شكل من الأشكال تقديم دعم تلقائي لمثل هذه الحكومة المتطرفة والخطيرة".
إنّ رسالة وحدة الساحات في غزّة ولبنان وسوريا، وصلت في الأيام الماضية، فهل "يقامر" نتنياهو بالكيان وأمنه ووجوده، ويشنّ عدوانًا لا يمكنه لجم نتائجه وأبعاده من حيث التطوّر نحو "الحرب الكبرى"، أي الحرب الإقليمية من أجل مصالحه السياسية الداخلية؟ لا سيّما وأنّ المحلّل "الإسرائيلي"، يوني بن مناحيم، اعتبر أنّ "التصعيد الأخير ضد إسرائيل من قطاع غزة وجنوب لبنان هو مبادرة من محور المقاومة بقيادة إيران، ويأتي ضمن المرحلة الأولى في خطتها المستقبلية لتدمير إسرائيل".
الكاتب: مروة ناصر