30 شهيدًا فلسطينيًا قتلهم جيش الاحتلال في الضفة الغربية المحتلّة في الـ 26 يومًا من هذا العام، ارتفع نصيب جنين منهم الى 19 مع شهداء عدوان الأمس التسعة وهم: عبد الله الغول (18 عامًا)، عز الدين صلاحات (22 عامًا)، وسيم الجعص (22 عامًا)، صائب زريقي (24 عامًا)، نور الدين غنيم (25 عامًا)، محمد غنيم (28 عامًا)، محمد صبح (30 عامًا)، معتصم أبو الحسن (40 عامًا)، وماجدة عبيد (61 عاماً).
ليست أعمار الشهداء مجرد أرقام تضاف الى اسمهم، كما الشباب الآخرون الذين اغتالهم الاحتلال خاصة من قادة كتيبة جنين وهم في العقد الثاني من عمرهم أو في بداية العقد الثالث، بل رسالة واضحة قرأتها أوساط تحليله، ففي مقالها، تحدّت صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية عن العقلية المقاوِمة لدى الشباب الفلسطيني واندفاعهم من أجل المواجهة.
"في مثل هذا النوع من الأحداث، يدرك المسلحون في المخيم، أنه يمكنهم ببساطة الانسحاب قليلاً والجلوس في منازلهم والسماح للقوات الإسرائيلية بالمغادرة. لكن العشرات منهم فضلوا محاربة القوة الإسرائيلية مخاطرين بالقتل أو الإصابة". فقد قاتلوا وحدة اليمام "وجهًا لوجه، وأطلقوا العبوات الناسفة والرصاصات من كافة الاتجاهات" حسب اعترافات جيش الاحتلال.
تابعت الصحيفة أن "النشاط في جنين أوضح للجانب الإسرائيلي ما كان يلاحظه منذ فترة طويلة، وهو حقيقة أن مئات إن لم يكن الآلاف من الشباب الفلسطينيين لا يخافون من التعرض للإصابة أو الموت أثناء النزاعات مع إسرائيل"، وهذا تفسّره الكتابات على جداران المخيمات حيث توجد عبارة "احذروا الموت الطبيعي ولا تموتوا الا بين زخات الرصاص"، وهي تعود الى الأديب الفلسطيني والعضو في الجبهة الشعبية غسان كنفاني. "يبدو الآن أن العديد من الشباب في الضفة الغربية يتبنونها شعارًا للحياة أو بالأحرى للموت".
أمام هذه الجيل الفلسطيني الشاب الذي توحّد من كل أطيافه وفصائله ضمن مجموعات وكتائب المقاومة في مختلف مناطق الضفة الغربية وينشط في أعمال عسكرية يومية على نقاط التماس كافة مسجلًا أرقامًا عالية من الاشتباكات وعدد الإصابات في صفوف الاحتلال لعام 2022 مقارنة بالسنوات الثلاث الأخيرة (أكثر من 230 عملية)، تقدّر الصحيفة أن "دافع الشباب الفلسطيني للقتال في الجانب الإسرائيلي آخذ في الازدياد، ولا يبدو أن أي شيء في الأفق السياسي أو الأمني يمكن أن يغير هذا الاتجاه".
عقب العدوان، نقلت قناة "كان" العبرية تقديرات الاحتلال التي تفيد بأن "محاولات تنفيذ العمليات ستزداد في الأيام المقبلة، في المنظومة الأمنية قرروا تعزيز فرقة الضفة بكتيبة مظليين، وستبقى كتيبتان إضافيتان في حالة تأهب حسب التطورات". ما يدحض سياسة وزير أمن الاحتلال ايتمار بن غفير المحرّضة على مزيد من الجرائم ضد الشعب الفلسطيني من أجل "الردع"، بل إن مثل هذا التحريض وتوسيع حصانة الجنود ("أي مخرب يحاول إيذاء قواتنا دمه مهدور، ونحن ندعم جنودنا في الحرب، كل مقاتل، وكل شرطي، وكل جندي يعرف أنه يحظى بالدعم الكامل من حكومة الاحتلال، ووزارة الأمن القومي ومفوض الشرطة") سيحمل النتائج العكسية على مستويات الاحتلال كافة.
الاحتلال يرتكب مجزرة
حوالي الساعة السابعة من فجر السادس والعشرين من شهر كانون الثاني / يناير الجاري، اقتحمت قوات "اليمام"، و"حرس الحدود"، ووحدات خاصة تابعة لجيش الاحتلال، في إطار عملية عسكرية هي "الأوسع منذ سنوات" حسب قناة "كان" العبرية.
دخلت القوات أولًا بشكل مموه عبر حافلة للألبان، لكن بفضل جهوزية المخيم ومجاهديه اكتشفت "الخدعة" قبل أن ينجز الاحتلال مهمّته، لتبدأ ساعات الاشتباك الثلاث تقريبًا، استقدم الاحتلال خلالها التعزيزات واعتدت جرافاته ودباباته على المنازل والسيارات. فيما أطلقت أيضًا القذائف المضادة للدروع وسط "حراسة" من قوات جوية لم تفعّل على حدّ زعم "القناة 14" العبرية.
مجزرة ممنهجة أمعن الاحتلال بارتكابها في مخيم جنين، تحت ذريعة الوصول الى خلية لحركة الجهاد الإسلامي، مع نشر قناصاته على أسطح المنازل، ومنع الطواقم الطبية من الوصول الى جثامين الشهداء وإسعاف الجرحى بل واستهدفها بالرصاص الحي والمباشر. كما عمد الاحتلال الى قطع التيار الكهربائي عن المخيم.
كتيبة جنين تتصدى
أعلنت كتيبة جنين (سرايا القدس) عن تفجير عدد من العبوات الناسفة المعدة مسبقًا وتحقيق إصابات مباشرة، وأضرار في الآليات التي اضطر الاحتلال الى سحبها. الى جانب استهداف الجنود من مسافة صفر "بوابل من الرصاصات". وقد ذكرت إذاعة جيش الاحتلال، نقلاً عن مصدر أمني "إسقاط مسيّرة للجيش في المخيم".
فيما صرّح ضابط آخر لـ "يديعوت أحرنوت" أنه "استخدمنا في عملية جنين قذائف ضد شخص وقذائف مضادة للمدرعات وعبوات ناسفة ضد الذين تحصنوا وأطلقوا النار، وجرت مواجهات ألقى فيها المقاومون عبوات غاز وأطلقوا نيران مكثفة وعبوات ناسفة أصابت مركبات الجيش".
وحدة الساحات حاضرة
بالتزامن مع عدوان الاحتلال على المخيم واسنادًا للمقاومين فيه "نطالب أهلنا في نابلس والضفة بإعلان الإضراب الشامل والنفير العام والاشتباك مع الاحتلال على جميع نقاط التماس"، بهذا البيان أعلنت مجموعة "عرين الأسود" في نابلس عن تنفيذها لـ "عملية نوعية في منطقة "نقطة 17" وحققت إصابات أكيدة بإطلاق وابل مكثف من الرصاص، وانسحاب المنفذين بسلام"، ناعيةً شهداء جنين.
لبّت الضفة الغربية نداء جنين، وخرج الشباب في بعض المناطق واشتعلت أكثر "من 15 نقطة مواجهة رداً على عملية جيش الاحتلال في جنين" (حسب موقع "واللاه" العبري)، ذلك الى جانب إعلان الاضراب.
في القدس المحتلّة، أوقفت شرطة الاحتلال مسيرة لليمين المتطرّف كانت تتحضّر لتنطلق نحو باب العامود في "ظل التوترات وبناءً على أوامر القيادة السياسية" (حسب الخبير العسكري يائير ليفي)، أدت الى انتقادات لبن غفير، اذ اعتبر المستوطنون أن "بن غفير ضعيف أمام حماس".
أمّا في غزّة التي كان الاحتلال يدرك أن مثل هذا العمل العسكري الواسع يشرّع أبواب الاحتمالات على مختلف أشكال التصعيد في القطاع، فقد رفع الاحتلال من حالة التأهّب ونشر بطاريات القبة الحديدية، ووجّه رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو قوات جيش الاحتلال للاستعداد لأي سيناريو. في هذا السياق قال مراسل "القناة 14" العبرية، هيلل بيتون روزين "أن تشير تقديرات الاحتلال إلى أن الرد من قطاع غزة سيكون عاجلاً أم آجلاً. السؤال، إذا كان الأمر كذلك، هو أين وإلى أي مدى ستكون طبيعة الرد، وبالطبع ماذا ستكون النتيجة بعد ذلك".
وعند حوالي الساعة الحادية عشر من ليل الأمس، ادعى الاحتلال أن عددًا من الصواريخ أطلقت من قطاع غزّة اتجاه مستوطنات الغلاف التي دوّت فيها صافرات الإنذار وفتحت ملاجئها. أغار الاحتلال على عدد من المناطق ومواقع زعم أنها تابعة للمقاومة الفلسطينية، لكنّ الأخيرة تصدّت وأعلنت كتائب القسّام عن "مسؤوليتها عن إطلاق صواريخ مضادة باتجاه طائرات سلاح جو الاحتلال أثناء تنفيذها هجمات داخل قطاع غزة".
الكاتب: مروة ناصر