معاهدة ستارت الجديدة هي الاتفاقية الوحيدة المتبقية بين الولايات المتحدة وروسيا للحد من تطوير الأسلحة النووية وأنظمة إيصالها. أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطابه السنوي الأول لذكرى بدء العملية العسكرية على أوكرانيا، أن بلاده ستعلق مشاركتها في الاتفاقية، مما يثير تساؤلات حول مستقبل آخر اتفاقية متبقية للحد من الأسلحة بين أكبر قوتين نوويتين في العالم.
ماذا في المعاهدة؟
في المعاهدة، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2011، تم وضع قيود على عدد الأسلحة النووية العابرة للقارات التي يمكن أن تمتلكها كل دولة، حيث حددت عدد الرؤوس الحربية بـ 1550 مع سقوف إضافية على العدد الفردي للصواريخ والقاذفات والقاذفات المنتشرة أيضًا. وتم تمديدها لمدة خمس سنوات إضافية في عام 2021. كما يسمح لكلا البلدين بانتظام، وبإشعار مسبق محدود، بتفتيش ترسانات الأسلحة النووية لكل منهما. وتُحسب الرؤوس الحربية على أنها منتشرة إذا تم تحميلها على صاروخ تم نشره هو نفسه.
سباق نحو التسلح أم مجرد تعليق لعمليات التفتيش؟
كان لدى الاتحاد السوفيتي في ذروته أكثر من 41000 رأس نووي، أي أكثر من جميع القوى النووية مجتمعة حيث كان لدى الولايات المتحدة 23400 رأس نووي. في عام 1990، امتلك الاتحاد السوفيتي أكثر من 10500 رأس حربي. تمتلك روسيا الآن حوالي 4300 رأس حربي في المخزون، منها حوالي 1500 رأس نووي جاهز للاستخدام. 1500 رأس حربي كافية لضرب الأهداف العسكرية الرئيسية للغرب، ولكن ليس لتدمير الغرب كحضارة. رفع بوتين اليوم المخاطر، موضحًا أنه في حالة اندلاع حرب مباشرة من الغرب ضد روسيا، فإن دول الغرب ستدمر تمامًا، وتُمحى من التاريخ. يقول ألكسندر نازاروف المحلل الروسي على قناته على تليغرام. ويضيف: "لا يزال هناك أيضًا الاحتمال النظري بأن روسيا سجلت ببساطة تغييرًا قد حدث بالفعل. أي، من الآن فصاعدًا، قد لا تبدأ روسيا في زيادة عدد الرؤوس الحربية، لكن لديها بالفعل عددًا أكبر من الرؤوس الحربية الجاهزة وعربات إيصالها. من حيث المبدأ، تمتلك روسيا عددًا كبيرًا من الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، ويمكنها زيادة عدد الرؤوس الحربية النووية إلى عشرات الآلاف في غضون سنوات قليلة.
ملخّص فكرة نازاروف، أن تعليق مشاركة روسيا في معاهدة الأسلحة النووية الهجومية، هي أخبار مهمة ولكنها لن تؤثر على أحداث عام 2023، يمكن أن يؤثر ذلك على الوضع على الجبهات فقط إذا استمرّ الغرب بتسليح أوكرانيا.
من جهته قال بوتين، إن روسيا لن تجري أي تفجيرات نووية جديدة - ما لم تفعل الولايات المتحدة ذلك أولاً. علق داريل كيمبال، المدير التنفيذي لجمعية التحكم بالتسلح "إنه نظرًا لعدم رغبة الولايات المتحدة في انتهاك المعاهدة من خلال اختبار قدراتها النووية لأول مرة منذ أكثر من ربع قرن، فلن يكون هناك سبب يدعو روسيا لأن تحذو حذوها. لذلك أعتقد أننا يجب أن نشير إلى هذا، ولا ينبغي لنا القيام بأي خطوات متسرعة. يجب علينا أن نظل ملتزمين، وندعو روسيا إلى الامتثال للمعاهدة".
كبير الباحثين في معهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح بافيل بودفيج قال: "التعليق أفضل من الانسحاب. حيث كان من الممكن أن تكون الأمور أسوأ"، فيما لو انسحبت نهائيًا، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تحرر الولايات المتحدة من المعاهدة بدورها. وبالتالي يصبح تعليق المعاهدة مجرّد تعليق عمليات التفتيش.
أوردت مجلة فورين بوليسي إنه من السابق لأوانه تفسير تصريحات بوتين على أنها تنذر بسباق تسلح نووي جديد، ولكن مع انتهاء المعاهدة في عام 2026، فإن إعلان الزعيم الروسي سيزيد من تعقيد الجهود الدبلوماسية لتمديد معاهدة جديدة أو التفاوض بشأنها بين الولايات المتحدة وروسيا، التي تمتلك معًا حوالي 90 بالمائة من الأسلحة النووية في العالم. أضاف داريل كيمبال أنّ "هذا يفتح الباب أمام حشد كلا الجانبين لترساناتهما النووية الاستراتيجية."
الجمهوريون كانوا قد بدؤوا نقاشًا حول المعاهدة قبل بوتين
تنبري الصحافة الغربية من خلال المحللين والصحفيين والناطقين باسم المؤسسات الخاصة بالحد من التسلح إلى التقليل من حدة إعلان بوتين هذا، وقد حاولت أكثر من صحيفة أمريكية تسليط الضوء على عدم نية الولايات المتحدة لتطوير الأسلحة النووية. إلا أن الجدير ذكره أن الجمهوريين كانوا قد بدأوا نقاشًا حول المعاهدة، بأنها "تمنع الولايات المتحدة من بناء ترسانتها لردع روسيا والصين". فحصل جدال داخل الكونغرس بين من يريدون تجاوز الصين والقوات النووية الروسية، وبين من يريدون الحفاظ على حدود المعاهدة مع روسيا ومحاولة جذب بكين إلى مناقشة الحد من الأسلحة النووية.
بعيدًا عن الإعلام المسيس والخطابات الدبلوماسية، الواقع أنه ليس معلومًا بالضبط ما تلتزم به الولايات المتحدة في هذا السياق، وما لا تلتزم به. ومن الصعب أن يكون المرء متفائلًا بشأن مستقبل الحدّ من التسلح في البيئة الحالية. خاصة أن الحرب العالمية الثالثة، يمكن أن يشعلها مجرّد عملية علم زائف هنا، أو إحباط حكومة هناك، خاصة في ظلّ حدة الاصطفافات العالمية، ومآزق الولايات المتحدة المتعددة حول العالم.
الكاتب: زينب عقيل