يبدو أن كارثة الزلزال على سوريا، استطاعت فتح كوة في الحصار الأمريكي المفروض عليها، عبر خطوات مهمة قامت بها الدول العربية، نحو الدولة السورية، كالسعودية والأردن ومصر وسلطنة عمان، لينضموا الى حكام الإمارات الذين سبقوهم في هذا المسار.
فبالأمس الإثنين، قام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة عمل إلى سلطنة عُمان، وصل إليها عبر طائرة مدنية سورية بعكس ما روّج له البعض، وكان في استقباله والوفد الرسمي المرافق له في المطار السلطاني الخاص سلطان عمان هيثم بن طارق. وقد أجرى الطرفان جلستي مباحثات رسمية ومغلقة، جرى خلالهما التطرق للعديد من القضايا، في مقدمتها تداعيات الزلزال، ومن ثم العلاقات الثنائية وتطورات الأوضاع في المنطقة والعالم.
تفاصيل الزيارة
وقد أعلن بيان الرئاسة السورية حول الزيارة، أن السلطان بن طارق جدد تعازيه للرئيس اﻷسد والشعب السوري بضحايا الزلزال المدمر، مؤكداً استمرار بلاده في دعمها لسوريا لتجاوز آثار الزلزال وتداعيات الحرب والحصار المفروض على الشعب السوري، مشيرا في الوقت عينه إلى أنّ السلطنة تشعر بالظروف الصعبة التي يعيشها السوريون بسبب هذه العوامل. وأضاف البيان أن الرئيس الأسد شكر السلطان والحكومة والشعب في السلطنة على تضامنهم ووقوفهم الى جانب سوريا وإرسالهم المساعدات الإغاثية، مشيراً إلى أنّ الشكر الأكبر هو لوقوف عُمان إلى جانب بلاده خلال الحرب الإرهابية عليها. وتناولت المحادثات العلاقات الثنائية بين البلدين ومجالات التعاون المشترك، حيث تمّ الاتفاق بين الجانبين على تعزيز هذا التعاون وتطويره في المجالات كافة. وأشار الرئيس اﻷسد إلى أنّ البلدين تربطهما علاقات ثقة متبادلة وتفاهم قديم وعميق. وفي ما يخص بتطورات المنطقة والعالم، اعتبر الرئيس اﻷسد أن سلطنة عُمان حافظت دائماً على سياساتها المتوازنة ومصداقيتها، وبأنّ المنطقة اﻵن بحاجة أكثر إلى دورها، بما يخدم مصالح شعوبها من أجل تعزيز العلاقات بين الدول العربية على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى. ومن جهته وصف سلطان عُمان سوريا بالدولة العربية الشقيقة، متطلعاً لأنّ تعود علاقاتها مع كلّ الدول العربية إلى سياقها الطبيعي.
العرب يعودون الى سوريا
هذه الزيارة إذا ما أضفناها الى غيرها من الخطوات التي حصلت مؤخراً، إثر تداعيات الزلزال، كزيارة وزير الخارجية الأردني "أيمن الصفدي"، تؤكد بأن أغلب الدول العربية باتت تريد التمايز ولو بهامش ما عن السياسية الأمريكية (السعودية أكثر الدول الحذرة حتى الآن)، واتخاذ سياسات متوازنة مع الأقطاب العالمية، لأنها تدرك أن العالم قد تغير، ولم تعد أمريكا مسيطرة ومهيمنة كما كان سابقاً، فهي تواجه في كل منطقة منه نداً لها، وخاصة في منطقة غرب آسيا. كما أن أغلب التقديرات المستقبلية تشير إلى أن آسيا بمختلف دولها، ستكون القوة المسيطرة إقتصادياً وتكنولوجياً ومالياً وحتى عسكرياً، على النظام العالمي الجديد، ولذلك فإن من الأفضل لهذه الدول العربية الوقوف على التل في هذه المرحلة.
ومن جهة أخرى، تعترف الدول العربية من خلال هذه الخطوات، أنها أخطأت الحساب والرهان على أمريكا ومشاريعها في سوريا، بحيث استطاعت الأخيرة بدولتها وشعبها وحلفائها الانتصار في الحرب الكونية عليها، وباتت اليوم في مرحلة إعادة الأعمار.
وهذا ما أوحى إليه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، خلال مشاركته في "مؤتمر ميونيخ للأمن"، عندما قال بأن هناك وجود إجماع خليجي وعربي على عدم القبول باستمرار الأوضاع في سوريا على ما هي عليه الآن، وتشديده على ضرورة إعادة النظر في طبيعة العلاقات مع الدولة السورية، متوعداً بأن الجميع سيرى إجماعاً على ذلك يتزايد ليس فقط بين دول مجلس التعاون الخليجي، بل في العالم العربي (وهو ما يمكننا عدّه إشارة للأمريكيين بأنها لن تستطيع الوقوف بعكس ما تجمع عليه هذه الدول). مشيراً إلى أنه في ظلّ غياب سبيل لتحقيق الأهداف القصوى من أجل حلّ سياسي (كما تريد أمريكا ومن خلفها المعسكر الغربي)، فإنه بدأ يتشكّل نهج آخر لمعالجة مسألة اللاجئين السوريين في دول الجوار ومعاناة المدنيين، وخاصة بعد الزلزال المدمّر، وينبغي أن يمرّ ذلك عبر حوار مع حكومة دمشق في وقت ما، بما يسمح على الأقلّ بتحقيق الأهداف الأكثر أهمّية وخاصة فيما يتعلّق بالزاوية الإنسانية وعودة اللاجئين (وهذه النقطة التي تؤكد حذر السعودية وليس شجاعتها على كسر الحظر الأمريكي).
الكاتب: غرفة التحرير