لا تنعكس سياسات حكومة بنيامين نتنياهو وشركائه من اليمين المتطرّف لا سيما وزير الأمن ايتمار بن غفير، سلبًا على المستوى القضائي في كيان الاحتلال فحسب بل إنها أيضًا توقع الكيان في أزمات متعدّدة. ففي مقاله في صحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية شرح المحلل رون بن يشاي أن سياسات الحكومة وبن غفير توسّع الفجوات وتهدد العلاقات مع الادارة الديمقراطية في البيت الأبيض، هذا من جهة. ومن جهة ثانية فإنها تساهم في تآكل الأمن وتدفع نحو تنفيذ مزيدٍ من العمليات على غرار تلك الأخيرتين في القدس المحتلّة (عمليتي الشهيد خيري علقم وحسين قراقع).
المقال المترجم:
في الأسابيع الثلاثة الماضية، حصل تدهور كبير في الوضع العام للأمن القومي في إسرائيل. تستمر الاضطرابات في مناطق يهودا والسامرة (الضفة الغربية المحتلّة) التي بدأت في مارس 2022، على الرغم من أن الجيش الإسرائيلي والشاباك تمكنوا من منع وإحباط معظم العمليات المخطط لها من خلال النشاط الوقائي في نقاط الاحتكاك كل ليلة. لكن لا يزال هناك حوالي 40 تنبيهًا يوميًا حول نوايا تنفيذ عمليات.
في القدس، تدهور الوضع الأمني والشعور بالأمن لدى السكان اليهود ، بسبب سلسلة عمليات نفذها – بأغلبها - أطفال ومراهقون. ولهذا أطلق عليها اسم "انتفاضة الأطفال". وأطلقت عشرات الصواريخ على غزة منذ نهاية كانون الثاني وحتى اليوم ، وهي حقيقة تشير إلى أن الردع الذي حققته عمليتا "حارس الأسوار" و "الفجر" آخذ في التآكل بشكل سريع، على الرغم من الجهود التي تبذلها المخابرات المصرية.
تدهور الوضع الأمني في القدس نابع وبشكل مباشر من سلوك الحكومة، وبشكل أدق من سلوك وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير، الذي ترفع تصريحاته الهجومية في وسائل الاعلام منسوب المخاوف والغضب في أوساط الشباب، وحتى الأولاد في الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية.
مزيج الخوف والغضب يأتي نتيجة تصريحات بن غفير واستلهام العمليات في نفي يعقوب ومفترق راموت، هي التي تسبب الوضع المتفجر الذي يتأثر به الأولاد والشباب الفلسطينيون من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، ولا سيما "تيك توك"، وهذا كله قبل شهر رمضان، المُتوقع أن تشتعل فيه الأجواء أساسًا في الشارع الفلسطيني.
إن الجيش الإسرائيلي والشاباك والجيش الإسرائيلي ينجحون بالفعل من خلال الأنشطة اليومية، ومن خلال التواجد المكثف في الميدان ، في منع جزء كبير من العمليات المخطط لها - لكن الثمن باهظ. حوالي 26 كتيبة من الجيش الإسرائيلي، العادية والاحتياطية ، موجودة الآن في الضفة الغربية في أي لحظة في الغرب وتقوم بنشاط مكثف ، أيضًا على طول خط التماس. هذا يعني أنهم لا يتدربون وهناك ضعف في تدريب الوحدات القتالية. سوف ينعكس هذا في الحرب الكبرى القادمة.
كما أن هناك تطورات في الساحة الإيرانية سلبية من وجهة نظر إسرائيل. تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم أكثر فأكثر إلى مستوى 60%، وهي قريبة جدًا من درجة المواد الانشطارية اللازمة لصنع قنبلة. بالإضافة إلى ذلك ، أصبح التحالف التكنولوجي العسكري بين إيران وروسيا أقوى وأكثر إحكامًا.
التوترات مع واشنطن
تطور سلبي آخر في المجال الأمني، وهو التوتر في العلاقات بين إسرائيل وواشنطن إثر قرار الكابينت الأمني - السياسي تأهيل تسع بؤر في الضفة الغربية والبدء في تطبيق مخططات البناء لحوالي 10.000 وحدة سكنية في المناطق (ج).
عامل آخر للتوتر، طرأ في الايام الاخيرة مع الولايات المتحدة وأوروبا هو تنفيذ تشريع الحد من قوة المنظومة القانونية من قبل الحكومة بنمط سريع، ودون مناقشته مع المعارضة. عملية التشريع المتستعجلة هذه، والتي يُمكنها ان تضر بقوة المنظومة القانونية في إسرائيل، لا تتماشى وروح الإدارة في واشنطن. من المُهم أن نشير في هذا السياق إلى أنه وفور تشكيل الحكومة، حضر إلى اسرائيل مسؤول تلو الآخر؛ رؤساء كل من الـ "سي. آي. ايه" وليام بيرنز، ومستشار الأمن القومي الخاص بالرئيس بايدن جيك سوليفان، ووزير الخارجية انتوني بلينكن.
حسب مصادر أمريكية، وكما كشف ناحوم برنياع في "يديعوت احرونوت"، فقد اقترح بلينكن صفقة على نتنياهو: كن البالغ المسؤول، الذي يعمل على تهدئة الساحة الفلسطينية ويهتم بألا تنفذ الحكومة برئاستك في المناطق نشاطات أحادية الجانب تلغي حل الدولتين. إضافة إلى ذلك، اعمل على تشريع الإصلاحات القانونية بالإجماع الذي يبقي إسرائيل دولة ديمقراطية، ليبرالية.
في المقابل وعد بلينكن، أن يحصل نتنياهو على التعاون الوثيق والمساعدة في مواجهة إيران، والمساعدة الأمريكية لدفع عملية التطبيع مع السعودية واستمرار الدعم السياسي في المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة. الإدارة في واشنطن أيضًا أرفقت بمنحة عسكرية؛ مناورة كبيرة مشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة تحاكي للمرة الأولى وبشكل واضح الهجوم على إيران، ثمة منح أخرى أيضًا لم يتم الإفصاح عنها لغاية الآن. كذلك يجري في هذه الايام تعاون أمني تقني من شأنه في المستقبل ان يمنح إسرائيل قدرات عسكرية لم تكن لديها في مواجهة إيران.
نحتاج إلى التهدئة وبن غفير يفعل العكس
الحاجة الحالية في القدس هي التهدئة، لكن وزير الأمن القومي يريد الآن أن يدمر المنازل بالجملة، ويستخدم قوات الشرطة التي تعززت في القدس بكثافة مبالغ فيها. الخوف الذي يبثه هذا العمل فقط يؤجج هيجان المواطنين أكثر، بعضه لا يجلب الأمن إطلاقًا؛ وإنما العكس. إليك مثلًا: الحواجز في النقاط غير الضرورية، والتي لا تحمي سكان المدينة اليهود، ولكنها فقط تزيد من الاحتكاك بين اليهود والعرب وبين العرب والقوات الأمنية. هذه اللحظة هناك حاجة إلى تقليص الاحتكاك والتصريحات.
ثمة نقطة أخرى؛ يُمكن أن نميز بسهولة أنه وبغطاء من التشريع العاجل، الذي يُراد منه الحد من قوة المنظومة القضائية في إسرائيل، ينجح كل من الوزير بن غفير وسموتريتش في دفع الضم الزاحف في المناطق (ج) في الضفة الغربية إلى اراضي دولة إسرائيل. هذا الضم في حال تطبيقه كاملًا، سيحوّل إسرائيل إلى دولة أحادية القومية، سيكون فيها بعد سنوات قليلة أغلبية عربية ساحقة، والشعب في إسرائيل يجب أن يكون يقظًا لهذه الحقيقة أيضًا، والتي تؤثر على أمننا القومي لعشرات السنوات القادمة.
المصدر: يديعوت أحرنوت
الكاتب: رون بن يشاي