في عملية حطمت هيمنة الكيان الصهيوني نفذت الجمهورية الإسلامية في الأول من أكتوبر/ تشرين الأول 2024، عملية "الوعد الصادق 2"، لتكون ثاني عملية صاروخية واسعة من هذا النوع ضد كيان الاحتلال. جاءت العملية رداً على اغتيال شخصيات بارزة من محور المقاومة، على رأسهم الشهيدين السيد حسن نصر الله، والرئيس إسماعيل هنية، واللواء عباس نيلفروشان.
انطلق خلال العملية أكثر من 250 صاروخاً باليستياً متطوراً نحو العمق الفلسطيني المحتل، واستهدف قواعد عسكرية حساسة أبرزها تل نوف، نيفاتيم، وحتساريم، إضافة إلى منشآت استخباراتية كمقر الموساد ورادارات توجيه ومصانع متفجرات.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية التي نشرت بعد عام من العملية بوضوح حجم الخسائر في قاعدة تل نوف التي بلغت 9 إصابات مباشرة، بينها ثلاث ضربات أصابت مواقع رئيسية، أحدها مصنع المتفجرات الذي خلّف حفرة عميقة وأضراراً واسعة في المباني المحيطة. كما تضررت هيئة الأركان في منطقة داخل القاعدة.
اللافت خلال العملية أن نسبة نجاح اعتراض القبة الحديدية للصواريخ الإيرانية لم تتجاوز 58% أمام وابل الصواريخ، ما كشف هشاشة المنظومة الدفاعية رغم مليارات الدولارات التي أنفقت على تطويرها. في المقابل، أعلن حرس الثورة الإسلامية أن 90% من الصواريخ أصابت أهدافها بدقة، ما اعتُبر صفعة أمنية وعسكرية لتل أبيب.
الرصد الاستخباراتي: ما قبل الضربة
نجاح "الوعد الصادق 2 كان نتيجة رصد استخباراتي طويل ودقيق. فالمواقع التي استهدفتها إيران تعد من أكثر النقاط سرية وأمناً في كيان الاحتلال، خاصة قاعدة نيفاتيم التي توصف بأنها واحدة من أكثر القواعد الجوية تحصيناً في العالم.
المعلومات التي وفرتها الأقمار الصناعية، إضافة إلى مصادر استخباراتية إيرانية، كشفت أن العملية كانت خطة مدروسة حددت بدقة مواقع القواعد والرادارات والمخازن العسكرية. هذا الإنجاز الاستخباراتي أحرج المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وأكد أن طهران قادرة على اختراق طبقات الحماية الأكثر تعقيداً في المنطقة بصواريخها المتطورة.
ومن زاوية أخرى، أثبتت العملية أن طهران لم تكتفِ بالقدرة الصاروخية، بل طورت منظومة متكاملة تشمل الرصد، التتبع، واختيار الأهداف الاستراتيجية ذات التأثير الأكبر، وهو ما رفع من قيمة العملية سياسياً وعسكرياً.
التأثير على الشعوب: إيران نموذج المقاومة الحية
تجاوزت تداعيات العملية البعد العسكري لتلامس الوعي الشعبي في المنطقة. فقد رأت فيها الشعوب العربية والإسلامية مثالاً للمقاومة الحقيقية التي تدافع عن فلسطين وتأخذ بثأر قادتها.
في حين اكتفت معظم الأنظمة الرسمية ببيانات إدانة أو صمت، جاءت الضربة الإيرانية لتقول إن "زمن التهديد بلا تكلفة قد انتهى". هذا الموقف عزز صورة إيران كطرف يتحمل مسؤولية المواجهة المباشرة مع الاحتلال، بخلاف دول أخرى تكتفي بالمواقف الكلامية.
انعكس هذا على معنويات محور المقاومة، حيث تزامنت العملية مع تصعيد ميداني في لبنان، إذ نفذت المقاومة الإسلامية في لبنان حينها 27 عملية في يوم واحد ضد مواقع إسرائيلية. الرسالة كانت واضحة: معادلة الردع الجديدة لا تقتصر على إيران، بل تشمل جبهة إقليمية متماسكة.
الرسائل الاستراتيجية للعملية
حملت "الوعد الصادق 2" رسائل متعددة المستويات:
"إسرائيل" لم تعد محصنة كذلك منظومتها الدفاعية لا ترد عنها الأخطار وإصابة منشآت عسكرية حساسة أظهرت أن العمق الإسرائيلي في مرمى الصواريخ.
الفشل الاستخباراتي: رغم التحديث الكبير للبنية الدفاعية قبل العملية، لم ينجح الكيان ولا الولايات المتحدة في منع الضربة.
ردع جديد: أكد حرس الثورة من خلال هذه الضربة أن أي "خطأ استراتيجي" من جانب الكيان سيُقابل برد أقوى وأكثر إيلاماً. وهذا ما تبين لاحقاً عقب العدوان الذي شنه الكيان على إيران وقابلته بضربات قوية عليه.
إنذار لشركاء "إسرائيل": الرسالة لم تقتصر على تل أبيب، بل طالت داعميها الإقليميين والدوليين، بأن أي دعم عسكري قد يجعل مصالحهم هدفاً مشروعاً للاستهداف.
بعد مرور عام على العملية، يتضح أن "الوعد الصادق 2" لم تكن مجرد رد عابر، بل محطة مفصلية في معادلة الردع الإقليمي. فإيران أثبتت قدرتها على تخطي الدفاعات المتطورة وإصابة مراكز القيادة والسيطرة داخل "إسرائيل"، ما يجعل أي مغامرة جديدة من تل أبيب محفوفة بمخاطر غير مسبوقة. أصبحت الشعوب اليوم أكثر إيماناً بأن إلحاق الضرر بالكيان أمر ممكن وأن السطوة التي يمارسها يمكن لجمها. وجسدت إيران نموذجاً للمقاومة الحية القادرة على الدفاع عن فلسطين ومواجهة الاحتلال بجدية وفاعلية.
الكاتب: غرفة التحرير