تعيش معظم دول العالم اليوم العديد من الأزمات، ظهرت بقوة ما بعد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا (وليس بسببها كما تروّج أمريكا والدول التابعة لها). وتأتي في مقدمة هذه الأزمات اثنتان حيويتان تتعلقان بـ: الطاقة والغذاء، المرتبطتان بشكل وثيق للغاية بممر مائي ذو بعد دولي اسمه: قناة السويس.
فهذه القناة لم تعد مجرد حلم ومشروع بريطاني، أو ثروة قومية مصرية تخوض من أجله حرباً ثلاثية، بل باتت مفتاح الربط العالمي للعديد من القطاعات الحيوية، وخصوصاً الاقتصادية منها. وهذا ما يفسّر كثرة المشاريع الجيوبوليتيكية المرتبطة بها، والتي تحاول السيطرة عليها أو ربما استبدالها بمسارات أخرى، والتي ربما تكون سبباً من أسباب اشتعال المنطقة والعالم في المستقبل.
فلماذا قناة السويس مهمة لهذه الدرجة؟
_ منذ اكتمالها في العام 1869، أصبحت ثالث أهم ممر مائي في العالم بعد مضيق هرمز وملقا.
_ تمثل 12٪ من التجارة العالمية و9٪ من النفط العالمي المنقول بحراً يوميًا، أو 5.5 مليون برميل يوميًا مقارنة بـ 19 مليون برميل في اليوم لمضيق هرمز و16 مليون برميل في اليوم لمضيق ملقا.
_ تنبع أهمية القناة أولاً وقبل كل شيء بسبب موقعها، فهي المكان الوحيد الذي يربط مباشرة مياه أوروبا ببحر العرب والمحيط الهندي ودول آسيا والمحيط الهادئ. وبالتالي فإن من دون هذه القناة، سيتعين على الشحنات التي تسافر بين تلك الأجزاء من العالم، أن تعبر القارة الأفريقية بأكملها حول رأس الرجاء الصالح، مما يطيل أوقات رحلاتها بشكل كبير ويضيف تكاليف باهظة، كما أن ذلك سيعرقل أيضاً تحركات القطع البحرية العسكرية.
_مما يزيد من أهميتها أنه لا توجد بدائل أقصر وأكثر فعالية من حيث التكلفة عنها، وهذا ما تؤكده الإحصائيات أيضاً، بحيث يمر من خلالها ما يقرب من 19 ألف سفينة كل عام (بمعدل مرور يتراوح ما بين 49 و98 سفينة في اليوم)، وفقاً لقائمة مجلة صناعة الشحن Lloyd's List.
_ في العام الماضي، كشفت حادثة جنوح سفينة الشحن العملاقة Ever Given، عن مدى التأثير الاستراتيجي لهذه القناة، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، أدّت هذه الحادثة الى تضاعف معدل تأجير ناقلات النفط لشحن نفط الشرق الأوسط إلى آسيا بنسبة 47٪ إلى 2.2 مليون دولار أمريكي، وعلى هذا المثال نستطيع توقع نسبة الزيادات على باقي أنواع السفن (هناك تقديرات ظهرت حينها بأن تكلفة كل يوم إغلاق وما سمي حينها بلعبة الانتظار تساوي أكثر من 9 مليار دولار).
لذلك عندما حلّت أزمة هذه السفينة بعد أسبوع بالضبط من إغلاق قناة السويس، تنفس الاقتصاد العالمي الصعداء عند إعادة فتحها، وأظهر هذا الحادث الأهمية الكبيرة لهذا الممر المائي الحيوي، لكل من التجارة العالمية والاقتصاد العالمي بشكل عام، بحيث كان من الممكن أن يؤدي الإغلاق المطوّل لها، إلى تعطيل التجارة العالمية وسلاسل التوريد في جميع أنحاء العالم، مما يؤثر سلبًا على كل شيء: من الاقتصاد العالمي إلى أسعار النفط والعملاء العاديين في جميع أنحاء العالم.
كل البدائل لا تغني عنها
دائماً ما يطرح السؤال حول إمكانية انشاء مشاريع بديلة لهذه القناة، لكن أغلبها بسبب سرعة وتكلفة الشحن، لا يمكن له مضاهاتها. أما أبرز هذه الطرق:
_ حول رأس الرجاء الصالح:
الإبحار حول إفريقيا سيضيف أربعة أسابيع وعدة ملايين من الدولارات تكاليف إضافية للوقود.
فبينما تستغرق الرحلة العادية لسفينة يبلغ متوسط سرعتها 12 عقدة (14 ميلاً بحرياً في الساعة) من السويس إلى أمستردام 13 يوماً عبر القناة، فإن هذه الرحلة حول رأس الرجاء الصالح ستستغرق 41 يوماً. وبالتالي فإن المزيد من الأيام في البحر سيعني أيضاً حرق المزيد من الوقود أي المزيد من تكاليف الشحن. وفي جانب آخر، فإن هناك سلعاً تجارية حساسة تجاه الوقت، قد لا تتيح شحنها عبر البحر إطلاقاً، وبالتالي سيستعاض عن ذلك بشحنها عبر الجو، مما سيزيد حكماً في تكاليف نقلها.
_قناة بنما:
وهناك خيار آخر محتمل، هو المرور عبر قناة بنما عبر المحيط الهادئ. لكن العديد من أكبر السفن التجارية اليوم، مثل سفينة إيفر جيفن التي يبلغ ارتفاعها 1300 قدم (حوالي 396 متر)، أكبر من أن تصلح لعبور قناة بنما.
_طريق بحر الشمال عبر القطب الشمالي لروسيا:
هناك احتمال آخر ذو قيود شديدة، زادت بعد الصراع بين روسيا والمعسكر الغربي، وهو سلوك السفن لطريق أقصر عبر القطب الشمالي، الذي يزداد عدد السفن الذي تسلكه عاماً بعد عام، بسبب أزمة الاحتباس الحراري، لكن ومع ذلك، فإن حركة المرور فيه لا تزال مجرد جزء بسيط مما يمر عبر قناة السويس.
الكاتب: علي نور الدين