تعتبر أزمة كشمير من أقدم النزاعات المستمرة حتى اليوم، فهي تعاصر في بداياتها مشكلة تقسيم فلسطين، وبداية الصراع العربي الاسرائيلي عام 1947، وما زالت حتى اليوم من دون حل يرضي كل الأطراف، وهي أيضاً، وللصدفة، من مخلّفات الاستعمار البريطاني للهند.
وما يميز حروب هذه الازمة هو اندلاعها فوق سقف العالم، وأحياناً على ارتفاع 5000م فوق سطح البحر، فهي بذلك من أكثر الحروب الحامية "برودة"، كون بعض المعارك فيها وقع في جبال الهيمالايا المكللة بالثلوج والجليد.
تُعتبر كشمير التي تُؤلّف دولة سابقة في الهيمالايا في قلب الصراع الدائر ما بين باكستان والهند، والذي استمرّ منذ العام 1947 من دون أن يشهد حلاً سلمياً له. وهي مصدر توتر على درجة من الخطورة، وخصوصاً أن طرفي النزاع فيه هما اليوم دولتان نوويّتان.
بداية، تقع كشمير في منطقة جبال شاهقة، وهي تُتاخم في حدودها الهند، الصين، وأفغانستان، وباكستان. فهي إذاً منطقة تواصل ما بين ثلاث أديان: الإسلام، والهندوسيّة، والبوذيّة. وتمتد على ارتفاع يتراوح بين 2000 و 6000 متر فوق سطح البحر.
بقيت كشمير تتبع الهندوسية كديانة طوال قرون قبل أن تعتنق الإسلام خلال اجتياح الأسر الأفغانيّة لأراضيها. وبعد أن خضعت لحكم المغول من القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر، عادت كشمير دولة سيّدة لكنها خاضعة بشكل فعلي لنفوذ التاج البريطاني الذي بسط سلطانه على مجموع شبه القارّة الهندية. وفي العام 1846 زرعت السلطات الاستعمارية البريطانيّة العاصفة في كشمير ببيعها الأرض والسكّان معاً، وهم مسلمون في أكثرهم إلى زعيم حرب من الطائفة الهندوسيّة “غولاب سينغ” مقابل 7,5 ملايين روبية.
شرّعت معاهدة “أمريتسار” البيع. ومنذ ذلك الوقت أعلن سينغ نفسه “مهراجا بلاد جامو وكشمير”، وفرض على السكان المحليين عن طريق حكم غاية في الوحشية والعنف. وفي العام 1925, تسلَّم الحكم خلفاً للمهراجا “غولاب سينغ” مهراجا آخر هو “هاري سينغ”, فأكمل سياسة سَلفه حيال أتباعه المسلمين الذين باتوا يُشكّلون 94% من سكان كشمير. ومنذ العام 1931, بدء أهالي كشمير الذين ضاقوا ذرعاً بوحشيّة هؤلاء الحكام. وما لبثت حركات مقاومة أن أبصرت النور.
وأُجبر المهراجا في 25 تشرين الأوّل/ أكتوبر 1947, على الهرب إذ لم يعد بإمكانه الاعتماد على البريطانيين الذين انشغلوا بتصفية أمبراطورية الهند. ولـمَّا فَقَدَ دعم حلفائه هؤلاء, راح يطلب الدعم العسكري من الهند لاستعادة عرشه. والحال أنّ إمارة كشمير التي كانت تتمتّع بسيادة جزئيّة ضمن الأمبراطورية البريطانيّة, قد حكمتها سلالة هنديّة من المهراجات منذ العام 1846. وعندما منحت لندن الهند استقلالها سنة 1947, تمَّ “التقسيم” على أساسات دينيّة:
احتلت بريطانيا العظمى شبه القارة الهندية منذ مطلع القرن التاسع عشر، واستمر هذا الاحتلال حتى العام 1947 عندما نالت الهند استقلالها بعد ثورة غاندي ورفاقه.
كانت شبه القارة الهندية تتألف من حوالى 570 ولاية (إمارة) تخضع لسلطة البريطانيين المتمثلة بنائب الملك حاكم الهند، وعند الانسحاب البريطاني خيّرت هذه الامارات بين الانضمام الى الهند العلمانية أو الباكستان المسلمة. وبالفعل فقد تمّ ذلك من قبل كل الامارات ما عدا "جامو وكشمير".
على أثر الانسحاب البريطاني من شبه القارة الهندية (14 آب/أغسطس 1947) ولدت دولتان: الهند والباكستان.
منذ مطلع تشرين الثاني/نوفمبر 1947، بدأت القوات الهندية عملياتها على طول محاور الغزو الرئيس لتطهير المنطقة من الثوار، واشتد القتال على مختلف الجبهات داخل إقليم كشمير. تدخلت باكستان رسمياً في الحرب خلال شهر أيار من العام 1948، وحسم المسألة في العام 1948 بعرضٍ لوقف إطلاق نار شامل في كشمير, وانسحاب القوات الغريبة من أراضيه وتنظيم استفتاء حول استقلال البلاد يكون تحت إشراف الأمم المتحدة. ولمّا كانت الهند تعي أنّ الفشل سيكون حليفها إذا جرى مثل هذا الاستفتاء, فقد جهدت في الأشهر التالية لتفشيل هذا المسعى متذرِّعة بشتّى الأسباب. وهكذا تمَّ تقسيم كشمير إلى جزئين على طول خط وقف إطلاق النار:
بدأ النزاع الهندي – الباكستاني للمرة الثانية حول كشمير في النصف الثاني من العام 1965، ففي 5 آب/ أغسطس عبر مئات المسلحين من باكستان خط وقف النار الى داخل كشمير، واتجهوا نحو العاصمة (سرينجار) لإثارة السكان ضد حكام الولاية وقلب السلطة بالقوة.
اندلعت هذه الحرب الثالثة عام 1971 على خلفية حركة التمرد والانفصال التي قامت في باكستان الشرقية، فقد أدى تدخل القوات الباكستانية من أجل قمع التمرد في القسم الشرقي من باكستان الى تدخّل الهند لصالح سكان هذا القسم، ما أدى الى تجدد حرب شاملة باكستانية وهندية على طول الحدود بينهما شرقاً غرباً، وتقدّم كل منهما في أرض الدولة الأخرى ومنها كشمير.
أدت المفاوضات التي عقدت بين الطرفين الى وقف الحرب في نهاية شهر كانون الأول/ ديسمبر1971، ونتج عنها انفصال القسم الشرقي من باكستان الذي أعلن استقلاله تحت إسم دولة «بنغلادش» بدعم من الهند.
وفي تموز/يوليو 1972 توصل الطرفان الهندي والباكستاني الى اتفاق «سيملا» (مدينة هندية تقع عند سفوح جبال الهملايا)، الذي شكّل نقطة تحوّل جوهرية في علاقة البلدين، وحل النزاعات بينهما بشكل ثنائي وتأليف لجنة لمتابعة حل المشاكل بالطرق السلمية، وبناء الثقة بين الأطراف.
واعتبر العام 1988 بداية الحرب الأخيرة التي اعتبرت بدورها متواصلة مع قيام "جبهة تحرير جامو وكشمير" بأول حملة تفجير لها، وهذه الجبهة تطالب بالاستقلال التام والناجز لكشمير انطلاقاً من تنفيذ قرار الأمم المتحدة المعروف بقرار عام 1948 في تقرير مصير كشمير عن طريق إجراء استفتاء عام يضع الشعب الكشميري أمام خيارين إما الانضمام إلى الهند أو باكستان وإما الانفصال والاستقلال.
في ظلّ ما تقدّم تحول النزاع على كشمير بين باكستان والهند، الى صراع قوي، وتحولت كشمير الى ساحة لهذا الصراع، أو الى مدى جيوستراتيجي يختزل حجم لعبة المصالح، والتنافس على جنوب آسيا، والقائمة حالياً بين الهند والصين والولايات المتحدة وروسيا، وكل وفق رؤيته الاستراتيجية لهذه المنطقة بالنسبة لمصالحه.
الكاتب: غرفة التحرير