لا يُجمع الخبراء على تعريف واحد للأمن القومي، فتعريفاته كثيرة ومختلفة؛ إذ إن بعض التعريفات يقلّص مفهوم الأمن القومي إلى الجوانب العسكرية أساساً، وبعضها الآخر يوسّعه ليشمل، علاوة على جوانبه العسكرية، جميع مركّبات القوة الأخرى للأمّة وللدولة، مثل الاقتصاد، التعليم، التطور التكنولوجي، الوحدة الوطنية، تماسك المجتمع والعلاقات الخارجية.
تعرّف دائرة المعارف الدولية للعلوم الاجتماعية الأمن القومي بأنه "قدرة الأمّة في الدفاع عن قيمها الداخلية ضد تهديد خارجي". وهناك تعريف تبلور خلال الحرب العالمية الثانية، وبات تقليدياً، عرّف الأمن القومي عن طريق السلب كالتالي:" تشعر الأمة بالأمن عندما لا تكون مضطرة إلى التنازل عن مصالح شرعية كي تتجنب الحرب، عندما تكون قادرة على الدفاع عن هذه المصالح بالحرب، إذا اقتضت ذلك".
هناك تعريفات كثيرة ومختلفة في السياق الإسرائيلي للأمن القومي، بعضها يقلّص مفهومه والآخر يوسعه. مثلاً عرّفه الجنراك يسرائيل طال في كتابه "الأمن القومي: قلة مقابل كثرة"، بأنه " ضمان وجود الأمة والدفاع عن مصالحها"، أما البروفسور يهوشفاط هاركاربي، فصاغ لمفهوم الأمن القومي في كتابه "حرب واستراتيجيا" مفهوماً واسعاً جداً، إذ شمل الدفاع عن وجود الدولة واستقلالها وكمالها الإقليمي، والدفاع عن حياة مواطنيها وطبيعة نظام الحكم فيها، وعن أمنها الداخلي والأمن اليومي على حدودها، وعن أيديولوجيتها وميزانها الديمغرافي ومكانتها في العالم".
يستحوذ الأمن القومي على العقل الإسرائيلي ويحتل فيه المكانة الأكثر أهمية من أية قضية أخرى. فيما يحتل الجانب العسكري في الأمن القومي، وبخاصة الصراع العربي – الإسرائيلي، المكانة المهيمنة في مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي.
كما يحتل الأمن القومي الإسرائيلي، وبخاصة الصراع العربي – الإسرائيلي والمقاومة، المكانة الأبرز والأهم في وسائل الإعلام، وهو المؤثر الأكبر في معنويات المجتمع الإسرائيلي وفي تقويم أفراد المجتمع لأداء الحكم في الكيان، ويشكّل المعيار الأكثر تأثيراً في تحديد مواقفهم من هذا الحزب أو ذلك. ولا عجب والحال هذه في أن يحتل الجيش الإسرائيلي المكانة الأهم في المجتمع الإسرائيلي التي تفوق أهميتها كثيراً أي مؤسسة أخرى في الكيان المؤقت، وأن يحتل أهمية قصوى في نظر مجتمعها لا تضاهيها، بل لا تقترب منها، نظرة أي مجتمع آخر إلى جيشه.
لا تنشر الحكومة الإسرائيلية ولا الكنيست أوراقاً عن عملية صنع قرارات الأمن القومي. لكن التقريرين الرسميين الوحيدين اللذين تطرّقا إلى عملية صنع قرارات الأمن القومي الإسرائيلي، جاءا بعد هزيمة "إسرائيل" في حربين، وبعد نشوب صراع داخلي في شأن من يتحمّل مسؤولية ذلك الفشل. وهذان التقريران هما تقرير "لجنة أغرانات" التي تألفت بعد "التقصير" في حرب أكتوبر 1973، وتقرير "لجنة فينوغراد" التي تألفت بعد هزيمة "إسرائيل" بمواجهة المقاومة الإسلامية في لبنان في تموز/ يوليو 2006.
على الرغم من أهمية عملية صنع القرارات في "إسرائيل"، وبخاصة تلك التي تخص الأمن القومي، ظلّت الأبحاث في هذا الموضوع، وفي العقدين الأوليين لقيام الكيان، شبه معدومة، وعالجت الدراسات النادرة التي تطرّقت إلى صنع القرارات في تلك الفترة، دراسة يحزقئيل درور وبينامين أكستين، هذا الأمر من منظور تخطيط السياسة الحكومية وأدائها وضرورة تحسينها، حيث لاحظاً مبكراً أن منهجية مؤسسية منظّمة في عملية صنع القرارات لم تكن موجودة.
كما اعتبر تسفي لنير في كتابه حول موضوع صنع القرارات في مجال الأمن القومي المنشور في العام 1984، أن الموضوع المذكور كان أحد الموضوعات الأكثر إهمالاً في الأبحاث الاسرائيلية في العقود الثلاثة لقيام "إسرائيل".
ويعزو يهودا بن مئير هذا الإهمال الى ترابط الأمن القومي في "إسرائيل"، وأكثر من أي دولة أخرى في العالم، ترابطاً وثيقاً بالاعتبارات والقرارات العسكرية المحاطة بطبيعتها بالسرّية الشديدة، والمغروسة عميقاً في قيم المجتمع الإسرائيلي وثقافته، والمحصنة بعقوبات قانونية ضد كل من يخالفها.
الجدير بالذكر أنه ليس في القانون الأساس لحكومة الاحتلال إشارة واضحة إلى عملية صنع القرارات التي تخصّ الأمن القومي. وهناك بند يتطرّق بصورة غير مباشرة إلى هذه المسألة، فينص على أن "من صلاحيات الحكومة العمل بمساعدة لجان وزارية دائمة أو موقتة في موضوعات مختلفة.
ما هي مؤسسات صناعة القرار الإسرائيلي؟
يتبع..
الكاتب: غرفة التحرير