الشهيد القائد سمير القنطار الذي افتتح مرحلة شبابه الأولى (منذ عامه السادس عشر) بعملية نوعية سنة 1979، حيث انطلق من الساحل اللبناني نحو موقع "نهاريا" التابع للاحتلال عند ساحل مدينة عكا الفلسطينية المحتلّة، واشتبك ورفاقه من مسافة صفر مع شرطة وجنود الاحتلال بهدف أسر جنود إسرائيليين لإتمام صفقة تبادل وكانت العملية رداً طبيعي على احتلال الكيان الإسرائيلي للأرض الفلسطينية ورفضاَ للتسويات السياسية مع هذا الكيان التي عُرفت آنذاك "بكامب دايفيد".
وعقب العملية اعتقل كيان الاحتلال الفتى سمير القنطار وأصدر بحقه "حكماً" بالمؤبد ليقضي في السجون الإسرائيلية حوالي 30 عاماً، اكتسب خلالها لقب "عميد الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية"، لكن القنطار لم يتوقف عن أعمال المقاومة حتّى من داخل السجن، حيث نمت علاقته مع حزب الله منذ نشأته عام 1982 وكان له الاتصال المباشر مع الأمين العام السيد حسن نصرالله ومع القيادة، كما كان متابعاً لكل عمليات المقاومة في الخارج وتعرّف في السجن على حركات المقاومة الإسلامية الفلسطينية التي بدأت تظهر في فلسطين المحتلة وكانت له فرصة الالتقاء بالمؤسسين وأهمهم الدكتور الشهيد فتحي الشقاقي والدكتور الشهيد إبراهيم المقادمة (من قيادات حركة حماس). بالإضافة الى ان سمير القنطار حمل على عاته حقوق الأسرى ومعاناتهم وبنى العلاقات الطيبة والوطيدة مع كل أطراف الحركة الأسيرة.
وفي هذا السياق، مقابلة خاصة لموقع "الخنادق" مع الأسير المحرّر، وصديق الشهيد القنطار في الأسر طارق عز الدين (المتحدّث باسم حركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية)، يروي تفاصيل العلاقة بين الشهيد القنطار والأسرى الفلسطينيين داخل السجون التي جعلت من القنطار "رمزاً وطنياً".
القنطار رمز وقدوة
يقول عز الدين أن اسم سمير القنطار كان يتردد من بين الأسرى القلائل الذين كان لهم بصمة ويعتبرون قادة العمل الوطني وقادة الحركة الأسيرة منذ تأسيسها، كان صاحب سُمعة حسنة حتى أن عوائل الأسرى كانوا يذهبون لإلقاء التحية عليه وزيارته حيث كانت تزوره أم الأسير جبل وشاحة. ويشرح صديق القنطار في الأسر انه قد اكتسب هذه الرمزية، أولاً نتيجة عمليته البطولية والنوعية التي أسر عقبها حيث أنه "خرج مقاوماً من لبنان تجاه فلسطين المحتلّة وكان من الأبطال الذين وضعوا القضية الفلسطينية نصب أعينهم".
وثانياُ تكرّست الروح الوطنية عند سمير القنطار عندما تمّت صفقة التبادل بين حزب الله وكيان الاحتلال عام 2003 وبقي وحده من الاسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية لكنه أصر على أن لا تُعرقل الصفقة بسبب اسمه وفضّل أن يبقى في السجن لكي يتم اطلاق صراح الأسرى اللبنانيين والعرب والجرحى وجثامين الشهداء.
الدفاع عن حقوق الأسرى
ويضيف عز الدين، ان سمير القنطار كان المسؤول عن تمثيل الأسرى في أكثر من سجن، لديه الخبرة في مقارعة السجانين وإدارة السجن، حيث كانت مصلحة السجون الإسرائيلية تحاول إجراء "التفتيش العاري" لعوائل الأسرى فيما كان اسلوباً مرفوضاً لدى الأسرى وأهاليهم، وعندما تصل مثل هذه المعلومة الى القنطار، يخرج مباشرة ويتشاجر مع إدارة السجون وضباطها الأمنيين لتوقيف هذه الإجراءات. وهو لم يتنازل يوماً عن كرامة الأسرى وعوائلهم، رغم ان عائلة القنطار لا تستطيع زيارته الا أنه كان يعتبر المساس بأهالي الأسرى الفلسطينيين هو مساس به شخصياً، لذلك كان يمثّل "الكل الفلسطيني"، سمير القنطار كان يمثّل "حماس" و"الجهاد الإسلامي" و"فتح" و"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" و"الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين"... فلم يفرّق الشهيد القنطار يوماً بين الفصيل والآخر، يتعامل مع جميع الأسرى بسواسية.
ويتابع صديق القنطار في الأسر عز الدين أنه عندما كانت إدارة السجون تمارس التضييقات، كان يتصدّى لها القنطار ويتشاور مع الأسرى بخصوص خطوات تصعيدية، ولم يتردّد في خوض معارك يكون هو عقلها المدبّر بهدف استرجاع الحقوق. وكانت إدارة السجون تحسب له حساباً بحيث لا تعطي "وعوداً" بخطوات لصالح الأسرى الا إذا كانت تنوي الالتزام بها، لأنها تدرك جديّة موقفه. كما كان دائماً ما يطالب بإدخال الحاجات الخاصة الى الأسرى ولا سيما التي يأتي بها الأهالي، وكان القنطار يشعر ان هذا واجبه ومن مسؤوليته.
أما على صعيد العلاقة الشخصية مع سمير القنطار، فيروي عز الدين "للخنادق" أنه كان يعاني وضعاً صحياً معيناً ويطالب بالعلاج في ما يسمى مستشفى "الرملة"، وقدّم طلبات الى مصلحة إدارة السجن لكنها لم تبادل بالردود وامتنعت عن إجراء الفحوصات اللازمة، فكان القنطار بنفسه يتوجه الى إدارة السجن ويطالبها بإحضار الطبيب المختص، كما يطالب بالافراج عن عز الدين من أجل تلقي العلاج اللازم.
استقبال الأسرى الجدد
ويذكر عز الدين دخوله الى سجون الاحتلال التي قضى فيها 13 عاماً، حيث كانت أصداء سمير القنطار تُسمع في الأوساط الأسيرة كـ "رمز"، وانتقل سنة 2005 من سجن "نفحة" الى قسم العزل في سجن "هداريم" قسم 3 وهو مخصص للأسرى القيادات والأسرى "الخطيرين" وبحسب التسميات الإسرائيلية يصنّف هذا القسم "بالأمني المراقب"، وكان القنطار متواجد في ذلك القسم منذ سنوات وكان الممثل الرئيسي للأسرى امام إدارة سجون الاحتلال
ويقول الأسير المحرّر عز الدين "عندما رأيته لأول مرة سلّمت عليه واحتضنته، فهو كان يستقبل الأسرى الجدد، ولم أصدق رؤيته في البداية لأن القنطار له رمزية، فكانت لحظة اللقاء محطة مهمة في حياتي".
الكاتب: غرفة التحرير