"إذا كان لابد من هلاكنا، يجب أن نهلك كما يليق بالأحرار لا كما يليق بالعبيد"، لأجل هذا الهدف أسس أنطون سعاده قبل 89 عاماً الحزب السوري القومي الاجتماعي، انتفاضاً على تقسيم سورية الطبيعية وفق المشروع البريطاني-الفرنسي الاستعماري آنذاك، والذي يهدف للسيطرة على ثروات سورية، والسماح لليهود بالاستيلاء على فلسطين، حماية للمصالح الحيوية للدول الغربية في سورية، والمتمثّلة بالثروات الطبيعية، الملاحة البرية والبحرية والأسواق الاستهلاكية...، ولأن سعاده آمن بشعب بلاده بأنه شعب عظيم المواهب، وآمن بسورية أمّة حيّة، وإيماناً بأن "الصراع بيننا وبين اليهود، لا يمكن أن يكون فقط في فلسطين بل في كل مكان حيث يوجد يهود قد باعوا هذا الوطن وهذه الامة" جاء تأسيس الحزب السوري القومي الاجتماعي ليشكّل منعطفاً تاريخياً في حياة شعبنا.
التأسيس
في 16 تشرين الثاني 1932، وفي ظل الحروب التي كان يشهدها العالم العربي، وبعدها تقسيمها حسب اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، أسس أنطون سعادة الحزب السوري القومي، معلناً عدم الاعتراف بهذه "الحدود المفروضة والمصطنعة" بفعل الإرادات الأجنبية التي أعطت لنفسها الحقّ في التقرير بمصير سورية وشعبها. حيث حدّد سعاده غاية كبرى وهي "بعث نهضة سورية قومية اجتماعية تكفل تحقيق مبادئه، وتعيد إلى الأمّة السورية حيويتها وقوّتها، وتنظيم حركة تؤدّي إلى استقلال الأمّة السورية استقلالاً تامًّا وتثبيت سيادتها وإقامة نظام جديد يؤمّن مصالحها ويرفع مستوى حياتها والسعي لإنشاء جبهة عربية".
بقي الحزب سريّاً لمدة 3 سنوات، لتفادي كل الهجمات المحتملة عليه، حيث كانت الأطراف التي لا يسرّها نشوء هكذا حزب متعددة. إلى ان اكتُشف أمره بعدها عام 1935، وتم اعتقال سعاده وسجن لأكثر من مرة.
عام 1938 غادر سعاده إلى أوروبا عبر قبرص فالبرازيل ليستقرّ بعد ذلك في الأرجنتين في واقع الاغتراب القسري ويمكث فيه 9 سنوات، بعد أن كانت السلطات الفرنسية قد أصدرت حكمها عليه عام 1940، وهدف سعاده إلى تعزيز انتشار فكرة الحزب في مغتربات السوريين، وتفعيل العمل الحزبي في الوطن، لكنه اصطدم بعدّة عقابات، إذ اتهم الحزب بعدد من الاتهامات التي استهدفت بنيته وأعضاءه، واستمر الاضطهاد والملاحقة والتشديد حتى عام 1947 إلى حين عودة سعاده.
أعلن سعاده فور عودته إلى الوطن في خطاب العودة عزمه على استكمال النضال من أجل تحقيق أهداف الحزب، كما أعلن أنّ النظام الطائفي في لبنان هو علّة العلل، وأن القوميين الاجتماعيين في حالة نفير عامّة من أجل فلسطين، ما دفع الحكومة اللبنانية برئاسة رياض الصلح إلى إصدار مذكرة توقيف بحقه، لكنّه توارى في جبل لبنان، ومع توالي الأحداث العصيبة في سورية واستمرار الهجرة اليهودية إلى فلسطين أعلن سعاده الثورة القومية الاجتماعية الأولى على النظام الطائفي في لبنان، بالتنسيق مع حسني الزعيم رئيس الجمهورية العربية السورية آنذاك، لكنّ الزعيم غدر بسعاده وسلّمه للأمن العام اللبناني في 7 تمّوز 1949 بالتواطؤ مع المخابرات البريطانية والمصرية ومن خلفهم الدولة الصهيونية في فلسطين، ليتمّ إعدام سعاده فجر الثامن من تموز عام 1949 بعد محاكمة صورية.
إنتقل بعدها مركز الحزب إلى الشام - سوريا، ليتولى رئاسته جورج عبد المسيح، حيث دبّرت المخابرات المصرية والبريطانية اغتيال العقيد البعثي في الجيش السوري عدنان المالكي في المعلب البلدي في دمشق، ليتّهم عبد المسيح بتدبير العملية عبر أحد الضباط القوميين في الجيش والذي كان متواجدا في الملعب وقتها، ونتج عنها إعدام عدد كبير من أعضاء وقياديي الحزب واعتقال المئات من القوميين وزجّهم في السجون.
عرف الحزب عددًا من الشخصيات التي تركت أثراً عميقاً في مسيرة وبناء النهج وتبوأ بعضهم موقع المسوؤلية في رئاسة الحزب، المجلس الأعلى ومجلس العمد، أبرزهم: إبراهيم دانييل، أنطوان أبو حيدر، بشير عبيد، غسان جديد، محمد سليم، حبيب كيروز، يوسف قائد بيه وعلي حيدر، إنعام رعد، عبدالله سعادة والكثر من طليعي الأدب والفن والعلوم نذكر منهم على سبيل المثال: سعيد تقي الدين، محمد الماغوط، دريد لحّام، العالم ميخايل معطي، بديع عطية، حياة الحويك، عاصي الرحباني، نضال الأشقر، كمال خير بك، بيار جامجيان، عمر أبو ريشة...
خاض الحزب والجناح العسكري التابع له "نسور الزوبعة" عدداً من العمليات العسكرية والاستشهادية، حيث كانت من أوائل الذين حملوا البندقية وقاوموا كيان الاحتلال وعملاءه في الداخل، وقدموا التضحيات والشهداء فارتقى الشهيدان القوميان الأولان على أرض فلسطين حسن البنا وسعيد العاص عام 1936، ليتبعه المئات من الشهداء القوميين الذين تصدّوا للاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان، والحرب الإرهابية على الشام، نذكر منهم في مواجهة الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان الشهداء: خالد علوان (عملية الويمبي)، لبيب أبو غيدا، عاطف الدنف، نضال الحسنية، علي الحلبي... وفي الحرب السورية نذكر منهم الشهداء: أدونيس نصر، علاء الختيار، الوطواط، رشوان مشرف، محمد عوّاد...
كما قدّم الحزب السوري 14 استشهادية واستشهاديًا في المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي نذكر منهم: سناء محيدلي، وجدي الصايغ، مريم خير الدين، خالد أزرق (من حلب)، فدوى غانم، زهر أبو عساف (من السويداء)...
الكاتب: غرفة التحرير