أقل من شهر يفصل "إسرائيل" عن أمر واقع، وهو إعادة إحياء الاتفاق النووي بعد إصرار الولايات المتحدة على اتمامه، فبعدما كانت الخطط الموضوعة سابقا عن كيفية "احباط" هذا الاتفاق تحوّل الحديث في الغرف الأمنية الإسرائيلية يدور حول كيفية التعاطي معه، في ظل مخاوف إسرائيلية حقيقية من قدرات إيران المتنامية على صعيد التصنيع النووي والصواريخ الدقيقة وبعيدة المدى.
صحيفة يديعوت أحرنوت كشفت عن إمكانية مهاجمة الكيان لمنشآت نووية إيرانية مؤكدة ان "الأمر لا يتعلق بكلام بل باستعدادات أولية لتنفيذ هجمات"، معتبرة ان "وضع برنامج النووي والصواريخ الإيراني مختلف وأخطر بكثير قياساً للماضي".
النص المترجم:
يبحثون في المؤسسة الأمنية في هذه الأيام إمكانية أن تضطر "إسرائيل" لمهاجمة منشآت النووي في إيران في المستقبل القريب. الأمر لا يتعلق بكلامٍ فقط، بل أيضاً باستعداداتٍ أوّلية لتنفيذ عدة مخططات هجوم أُعدّت في هيئة الأركان العامة بقيادة رئيس الأركان أفيف كوخافي.
موقع "ynet" علم أن هذه الاستعدادات، التي يقودها وزير الأمن بيني غانتس ومسؤولي وزارته ورؤساء الصناعات الأمنية، مُنحت موافقة مبدئية من جانب رئيس الحكومة نفتالي بينيت ووزير الخارجية يائير لابيد ووزير المالية أفيغدور ليبرمان.
في هذه الأيام، يبحث غانتس وليبرمان زيادة ملحوظة لميزانية الأمن للسنوات الـ5 المقبلة، وغايتها تمويل البنى التحتية والاستعدادات لخطوة هجومية إسرائيلية تمنع سلاحاً نووياً عن إيران. إلى جانب الاستعدادات العملية، دارت في هذا الأسبوع معركة اتهامات بين بينيت ورئيس المعارضة بنيامين نتنياهو في مسألة النووي الإيراني.
بينيت، وكذلك وزير الأمن غانتس والوزير ليبرمان، يزعمون أن نتنياهو لم يستغل تأثيره على الإدارة الأميركية السابقة برئاسة ترامب، وكذلك قدرته على الحديث مع إدارة بايدن، في مساعدة أميركية تمكّن "إسرائيل" من تطوير خيارٍ عسكري مستقل وناجع ضد إيران. نتنياهو كرئيس حكومة أصر على خطواتٍ سياسية تسببت في نهاية المطاف ولا تزال تتسبب في أن إيران أقرب اليوم من "قنبلة" نووية أكثر من أي وقتٍ سبق.
خلفية هذا السجال هو حقيقة ان إيران طوّرت وحثّت في العامين الأخيرين إجراءات تخصيب اليورانيوم وجمعت مادة انشطارية (العنصر الأساسي في جهاز تفجير نووي) بمستويات تخصيبٍ مختلفة، بكميات تكفي لثلاثة رؤوسٍ حربية نووية.
الوكالة الدولية للطاقة النووية تفيد في هذه الأيام أن إيران لديها حوالي 4 أطنان من اليورانيوم المخصب بمستوى 4 – 5%، وحوالي 130 كغ من اليورانيوم المخصّب بمستوى 20% (رأس حربي نووي واحد يتطلب 250 كغ من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%)، وعدة عشرات كيلوغرامات من اليورانيوم الفلزي المخصب بنسبة 60%. جدير بالإشارة إلى أن كل هذه الكميات جمعتها إيران منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في أيار/مايو 2018.
والنتيجة هي أن إيران قريبة الآن جداً من موقف "دولة على عتبة النووي"، أي دولة قادرة على تركيب رأسٍ حربي نووي وتجربته في غضون أسابيع أو أشهر معدودة على الأكثر.
عملياً، الأمر الوحيد الذي يعيق إيران اليوم عن موقف دولة على عتبة النووي أو حتى عن السلاح النووي نفسه، هو جمع كمية إضافية غير كبيرة من اليورانيوم المخصّب بنسبة عالية وتصميم أداة التفجير النووي.
في هذا الشأن، أجهزة الاستخبارات الغربية تتلمس طريقها في الظلام، وحتى في "إسرائيل" يفترضون أن إيران لديها من الآن نموذج رأسٍ حربي نووي، لكنها لا تزال غير قادرة على تركيبه في رأس صاروخ. إيران لديها صواريخ باليستية وصواريخ كروز قادرة على حمل رؤوسٍ حربية نووية.
إذا واصل الإيرانيون جهودهم في الأشهر القريبة، سيكون بإمكانهم صنع القنبلة وتخصيب اليورانيوم في منشآت تحت الأرض، بواسطة عددٍ صغير من أجهزة الطرد المركزي وبسرعة أكبر. هذا يعني أن منشآت التطوير والإنتاج النووية ستكون أكثر حصانة من الماضي من تخريبات وهجمات.
خلاصة كل هذه التفاصيل التقنية، ظاهرياً، هي أن إيران يمكنها باحتمالية مرتفعة أن "تخترق" سريعاً نحو النووي، ربما في غضون أسابيع أو أشهرٍ معدودة – ووضع الغرب، وخصوصاً "إسرائيل" ودول المنطقة، أمام الحقيقة.
عملياً، الإيرانيون يحاولون تكرار إنجاز كوريا الشمالية التي طوّرت وجرّبت سلاحاً نووياً وصواريخ باليستية بعيدة المدى رغم العقوبات الأميركية، وهو إنجاز منح حصانة لنظام كيم جونغ أون أمام الولايات المتحدة.
خشية أن إيران "ستفعل بنا مثل كوريا الشمالية" فجأة – وربما حتى في القريب – تسلب النوم من عيون القادة وقيادة الجيش الإسرائيلي وخبراء مدنيين في موضوع النووي.
الخشية ليست فقط من أن إيران سيكون لديها فجأة سلاح نووي، بل في الأساس ألا نستطيع إحباط "اختراقٍ" كهذا، حتى لو علمنا به مسبقاً قبل أشهر أو أسابيع.
2012 مقابل 2021: الوضع أخطر بكثير
بين عامي 2010 و2021، خطط رئيس الحكومة حينها، نتنياهو، ووزير الأمن إيهود باراك ووزير الخارجية ليبرمان، لمهاجمة المنشآت النووية في إيران بهدف تدمير البرنامج. هذه النية استندت إلى فرضية أن الإيرانيين لن يعيدوا إعمار المنشآت التي ستُدمّر، الأمر الذي سيقود إلى التخلّي عن البرنامج. لو حصل هجوم، هكذا قدّروا حينها في "إسرائيل"، البرنامج النووي الإيراني كان سيتعرقل لخمس سنوات.
في الواقع، كانت هناك عدة فرص أراد فيها نتنياهو وباراك المهاجمة، لكن رؤساء الأركان ومسؤولي المؤسسة الأمنية عارضوا لأسبابٍ مختلفة. في نهاية المطاف الهجمات لم تخرج إلى حيز التنفيذ لأنه أيضاً الولايات المتحدة ومسؤولي المؤسسة الأمنية عارضوا.
مع هذا، التهديد الإسرائيلي، الذي كان عملياً وحقيقياً، حقق نتائج: إدارة الرئيس أوباما فرضت عقوبات اقتصادية قاسية على تصدير النفط الإيراني، والتي أوصلت آية الله إلى طاولة المفاوضات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين وروسيا. هكذا وُلد الاتفاق النووي الذي وُقّع في تموز 2015. الاتفاق، الذي كانت فيه ثقوب كثيرة، كان من المفترض أن يُبقي إيران على مسافة سنة من قدرة إنتاج سلاحٍ نووي لمدة 10 سنوات، أكثر بكثير مما كان يمكن تحقيقه بواسطة هجومٍ عسكري.
اليوم، السبب الأول، هو أن إيران في وضعٍ اليوم عليها فيه فقط أن تقرر كي تصبح "دولة على عتبة النووي" خلال 3 أشهر.
وعدا عن هذا، الإيرانيون وزّعوا المنشآت النووية والبنى التحتية المرتبطة بالنووي وبالصواريخ على مساحة واسعة جداً، من مئات بل وحتى آلاف الكيلومترات، في كل إيران، بصورة تفرض على الجهة المهاجمة ضرب عشرات الأهداف البعيدة عن بعضها خلال وقتٍ قصير وتدميرها. كما يجب على المهاجم أن يكون قادراً على العودة وفعل هذا، إذا لم تُرضه النتائج.
وسبب إضافي هو أن الإيرانيين حصّنوا ودعّموا بالإسمنت وأدخلوا منشآت النووي والصواريخ الأساسية داخل أرضٍ صخرية جبلية بعمق عشرات الأمتار، بحيث يمكنها الصمود من هجومٍ جوي ثقيل. على سبيل المثال، منشأة تخصيب اليورانيوم في فوردو، أجهزة الطرد المركزي موجودة على عمق 80 متراً تحت جبلٍ صخري قاسٍ. حتى أكبر قنبلة طوّرها الأميركيون، التي تزن 16 طناً، غير قادرة على اختراق هذا العمق.
السبب الرابع والأخير هو منظومات الدفاع الجوي الحديثة لدى إيران، القادرة على اعتراض طائرات وصواريخ بمسافة تزيد عن 100 كلم. الإيرانيون، مثلاً، يصنعون بطاريات اعتراض هي نسخة دقيقة وناجحة عن منظومتي S-300 وS-400 الروسيتين الحديثتين. وهذا ليس كل شيء. سوريا أيضاً، حليفة إيران، لديها دفاع جوي قوي جداً، وحتى حزب الله حصل من السوريين على بطاريات صواريخ SA-6 وSA-8 التي تُعتبر خفيفة ومتحركة وقادرة على المفاجأة وتعريض طائرات سلاح الجو في أجواء لبنان وسوريا لخطر.
بعبارة بسيطة: حرية العمل الجوي التي تمتعت بها "إسرائيل" بين 2010 و2012 في أجواء المنطقة، بما فيها إيران ولبنان، تقلّصت كثيراً. كل عمل جوي أو صاروخي هجومي في أجواء المنطقة اليوم يفرض مجهوداً كبيراً في منظومات الكترونية مرافقة وسايبر من أنواع مختلفة، من أجل ضمان نجاعته. المعلومات الاستخبارية لدى "إسرائيل" اليوم أفضل، لكن القدرة على تدمير الأهداف بصورة حركية نارية وبصورة تمنع وجودها، هي الآن أصعب مما كانت عليه في الماضي.
من هنا يمكن الاستنتاج أن المهمة التي ستكون على عاتق الجيش الإسرائيلي بشكلٍ أساسي في إيران ستحتاج إلى تفكيرٍ إبداعي، وأساليب هجوم مختلفة، ووسائل حديثة، بعضها على الأقل لا يزال على طاولة الرسم. كما يجب أن نتذكر أن هجوماً في إيران سيؤدي يقيناً إلى مهاجمة الجبهة الداخلية الإسرائيلية من قبل حزب الله في لبنان، وكذلك من العراق وسوريا، وحتى من اليمن. هذا أيضاً يجب الاستعداد له دفاعياً وهجومياً، وهذا يتطلب الكثير جداً من الموارد، سيما ميزانيات.
في المؤسسة الأمنية يقدّرون أن الأميركيين وإيران سيتفقون في نهاية المطاف على مسألة العودة إلى الاتفاق النووي الأصلي. لكن المعرفة وقدرة الإنتاج اللتين راكمتهما الجمهورية الإسلامية، لن يكون بالإمكان أخذهما منها. من هنا أيضاً، لو تم توقيع الاتفاق النووي المستجد في آب، إيران ستكون على مسافة أربع أشهر إلى نصف سنة، على أبعد تقدير، من قدرة نووية عسكرية أوّلية خلال السنوات الثلاث إلى الأربع القادمة. هذه السنوات، يقدّرون في "إسرائيل"، سيكون بالإمكان استغلالها لتحضيراتٍ سريعة واستعدادات في حال قررت إيران "الاختراق نحو القنبلة".
في كل الأحوال، شعور الإلحاحية في المؤسسة الأمنية في السياق الإيراني كبير ويتجلى في مداولات الميزانية الجارية خلف الأبواب المغلقة.
المصدر: يديعوت احرنوت
الكاتب: رون بن يشاي