وصل وزير الأمن الإسرائيلي بني غانتس إلى واشنطن، في زيارة قال إنه "سيبحث خلالها مع كل من وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، ومستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، زيادة التعاون الأمني ومعالجة التحديات الإقليمية وعلى رأسها إيران". وجاء هذا التصريح بعيد كلمة كان قد شن فيها هجوماً على إيران في كلمة له أمس أمام مركز الدراسات الاستراتيجية والسياسية التابع لجامعة رويخمان (مركز هرتسليا سابقا)، مدعيا أن أسابيع معدودة تفصل إيران عن امتلاك كميات كافية من اليورانيوم المخصب بدرجة عالية لبناء قنبلة نووية.
صحيفة هآرتس أشارت في مقال لها إلى ان " غانتس ألقى خطاباً في مؤتمر قبل سفره إلى الولايات المتحدة، حيث التقى هناك شخصيات كبيرة في إدارة بايدن. إسرائيل محبطة من الوضع. فإدارة أوباما وإدارة ترامب حافظتا، كل بطريقتها، على شكل ظاهري من التهديد الإيراني، أما الإدارة الحالية فلا تكلف نفسها عناء القيام بذلك".
النص المترجم:
من المفضل كبح ضجيج طبول الحرب قليلاً. رغم التصريحات الحربية في منتصف الأسبوع، والعناوين الصاخبة في وسائل الإعلام، والتقارير عن مناورة إسرائيلية غير مسبوقة لمسار هجوم في إيران، إلا أن إسرائيل وإيران غير قريبتين من الحرب أكثر من أي وقت. تنبع المنشورات من الضغط على الحكومة، في الجبهة الداخلية والدولية، واستهدفت إرسال رسالة للولايات المتحدة، لكن حسب معرفتنا، لا تعكس تطورات غير مألوفة وخفية عن عيون الجمهور.
تقدم إيران نحو القنبلة أمر مقلق، ولكن لا جديد. طهران تقترب من هدفها بحذر نسبي، ومن الجدير ألا تختلط الأمور ولا نفرق بين الهدف القريب (تجميع يورانيوم مخصب بمستوى عال وبكمية تكفي لإنتاج قنبلة نووية واحدة) والهدف النهائي، الأكثر بعداً (ملاءمة القنبلة مع الرأس النووي المتفجر الذي يمكن تركيبه على صواريخ بالستية). لا دلائل على استعداد طهران للمخاطرة الآن بتطوير رأس متفجر مع الرد العالمي الذي سيكون مقروناً بذلك.
أُعطي سيل التصريحات الثلاثاء، ووجد أذناً مصغية لدى محرري النشرات الإخبارية، في غياب مؤقت لاستقالات جديدة من الائتلاف أو عمليات في الساحة الفلسطينية. وزير الدفاع، بني غانتس، في خطاب ألقاه في مؤتمر في جامعة رايخمان، ذكر كشفاً استخبارياً مقلقاً من الفترة الأخيرة، وهو أن إيران تبني موقع تخصيب آخر تحت الأرض، يتم فيه تركيب أجهزة طرد مركزي متطورة. كرر غانتس القول بأن إيران على بعد بضعة أسابيع من مراكمة يورانيوم مخصب بكمية تكفي لإنتاج قنبلة واحدة، ودعا المجتمع الدولي للعمل الآن لوقفها. مدير مكتبه، قائد سلاح الجو السابق أمير ايشل، أضاف بأن "القدرة على العمل في إيران موجودة، وخصصت في فترة الحكومة الحالية موارد لبناء قوة أكثر كثافة لهذا الهدف". في حين أن الجيش قدم، في إحاطة له، بأنه في مناورة "مركبات النار"، التي يتدرب الجيش في الوقت الحالي طوال شهر على حرب متعددة الساحات، بما في ذلك أيضاً محاكاة لهجوم جوي واسع في إيران.
قبل إعداد الملاجئ يجدر أن نذكر السياق: غانتس يجلس في حكومة وإن لم يحدد موعد إقالتها بعد فإن نهايتها واضحة، ورؤساء الائتلاف متخاصمون فيما بينهم ويستعدون جميعاً للجولة القادمة. السبت، هاجم وزير العدل، جدعون ساعر، قرار غانتس العودة والسماح بدخول العمال الفلسطينيين من قطاع غزة. في اليوم التالي انفجر غانتس غضباً على رئيس الحكومة نفتالي بينيت بذريعة أن الأخير لا يعطيه ما يكفي من الاعتماد في وسائل الإعلام. وطوال الوقت يواصل رئيس المعارضة، بنيامين نتنياهو، مهاجمة الحكومة، التي حسب قوله تهمل معالجة تهديد إيران. وزير الدفاع، مثل زملائه في الحكومة، يبحث عن بروز إعلامي في ظروف غير سهلة.
ألقى غانتس خطاباً في مؤتمر قبل سفره إلى الولايات المتحدة، حيث التقى هناك شخصيات كبيرة في إدارة بايدن. إسرائيل محبطة من الوضع. فإدارة أوباما وإدارة ترامب حافظتا، كل بطريقتها، على شكل ظاهري من التهديد الإيراني، أما الإدارة الحالية فلا تكلف نفسها عناء القيام بذلك. في المقابل، هي لا تحث الخطى نحو عقد اتفاق نووي جديد مع طهران مثلما قدر كثيرون في البداية. الاتصالات بين إيران والدول العظمى في فيينا عالقة ورفض أمريكا لإخراج حرس الثورة من قائمة المنظمات التي فرضت عليها عقوبات اقتصادية شديدة، تبدو كعائق رئيسي أمام التوقيع على اتفاق جديد.
تصريحات غانتس والجيش هي بصعوبة ربع حملة. والإعلانات تدل على الضغط، من الداخل والخارج، واستهدفت بث وجود عمل في السياق الإيراني، ربما من خلال أمل ضئيل لإقناع الأمريكيين بإظهار خط حازم أكثر. الغائب في هذه التصريحات هو تهديد حقيقي أو فوري لإيران. عملياً، كما يمكن أن يفهم من أقوال ايشل، فإن استعداد الجيش لهجوم محتمل على المنشآت النووية تم إهماله طوال سنين. في 2018 انسحب دونالد ترامب من الاتفاق النووي عقب جهود إقناع كبيرة وظفها نتنياهو. بعد سنة، بدأ الإيرانيون يخرقون الاتفاق كرد فعل، وإعادة تحريك التخصيب الذي ارتفع إلى مستويات عالية في 2021. ولكن نتنياهو لم يوجه الجيش بناء على ذلك لإعادة الاستعداد لاحتمالية هجوم مستقل على إيران. عاد بينيت إلى الانشغال بالاستعدادات، لكن فجوة بضع سنوات لا تغلق في غضون شهرين ولا حتى سنتين.
في الأسابيع القريبة المقبلة سينشر الجيش الإسرائيلي صوراً من الطلعات الجوية الكبيرة التي يمكن الافتراض بأنها ستتجه غرباً، مع خلق نوع من صورة طبق الأصل للخطوط العريضة المطلوبة لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية. سيكون هناك إسرائيليون تملأ هذه الصور قلوبهم بالتفاخر، وآخرون سيشعرون بقلق كبير. فعلياً، هذا السيناريو بعيد عن التحقق، رغم الإعلانات المتواترة لسياسيين وجنرالات. بسبب وضع الحكومة المتهالك، هناك أخطار أخرى، مثل القيام بخطوات غير متزنة في غزة والضفة الغربية.
الشاشة المقسومة
هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي تعمل مؤخراً كنوع من الشاشة المقسومة؛ فهي من جهة، تنفذ مناورة واسعة ترسم في الواقع حرباً متعددة الساحات، لكن الساحة الرئيسية فيها هي لبنان، ضد حزب الله. ومن جهة أخرى، الحياة نفسها التي تواجه فيها إسرائيل موجة الإرهاب الأكثر خطورة منذ نحو سبع سنوات.
"شهر الحرب" الذي خطط لأيار السنة الماضية، توقف في اللحظة الأخيرة عندما أطلقت حماس (في الواقع)، في اليوم التالي للمناورة، صواريخ من غزة نحو القدس. هذه المرة كان رئيس الأركان افيف كوخافي مصمماً على تجنب إعادة إطلاق. استمرت المناورة كالمعتاد.
في المناورة، تجد إسرائيل نفسها في مواجهة قاسية مع حزب الله، التي يكتنفها إطلاق ثقيل لصواريخ على الجبهة الداخلية، نسبة الخسائر العالية في أوساط المدنيين تخلق ضغطاً متزايداً على الحكومة والجيش للرد بصورة أشد من الجو، وبعد ذلك إرسال قوة برية لعملية عسكرية داخل الأراضي اللبنانية على أمل وقف إطلاق الصواريخ. ليس سراً أن حزب الله في الـ 16 سنة التي انقضت منذ حرب لبنان الثانية، قام ببناء منظومة هجومية ودفاعية لم تكن لتخجل دولة متوسطة. في المناورة سيكون مطلوباً من الجيش الإسرائيلي معالجة ذلك بقوة.
المعنى سيكون مساً شديداً بأهداف عسكرية، المنتشرة بصورة متعمدة داخل وأحياناً تحت التجمعات السكانية المدنية في لبنان. في الخلفية، تم مؤخراً إضافة النموذج الروسي الذي لا يسهل على إسرائيل. روسيا تهاجم أوكرانيا دون تمييز، وتضر بمواطنين كثيرين، لكنها تستخدم في دفاعها عن نفسها ادعاءات تذكر بالادعاء الإسرائيلي. في نظر المجتمع الدولي، بدت إسرائيل تظهر مثل روسيا أخرى، رغم أنها حذرة أكثر في استخدام القوة وتعمل فقط إزاء وجود خطر حقيقي يهدد حياة مواطنيها.
ثمة علامة استفهام أخرى تتعلق بتأثير الهجمات الإسرائيلية على حزب الله؛ ففي 2006 أراد الجيش الإسرائيلي زيادة تأثيرها بواسطة هجوم متعمد على بنى تحتية استراتيجية مدنية في لبنان، مثل شبكة الكهرباء والجسور ومفترقات الطرق ومطار بيروت. وطلبت الإدارة الأمريكية من إسرائيل تجنب ذلك، ووافق رئيس الحكومة في حينه، إيهود أولمرت، على ذلك. الآن، هيئة الأركان على قناعة بأن الأمر مفروض إزاء حجم الضرر في الجبهة الداخلية الإسرائيلية. ولكن القرار ليس بيده، بل في يد الكابينت. وربما يكون هناك ضغط أمريكي مضاد هذه المرة، لأن تدمير البنى التحتية يعتبر وسيلة ضغط على حكومة لبنان، لكن له -عملياً- تأثيراً قليلاً على عمليات حزب الله. في السنوات الأخيرة، ازداد ضعف لبنان على خلفية أزمة اقتصادية وسياسية غير مسبوقة. يدور النقاش حول مسألة: أهذه "دولة فاشلة" أم وهمية؟
المصدر: هآرتس
الكاتب: عاموس هرئيل