منذ سقوط نظام بشار الأسد، دخلت سوريا مرحلة انتقالية حرجة، مع تولي أحمد الشرع (الجولاني) السلطة، ما أعاد ترتيب الأولويات في محيط سوريا خصوصاً لدى "إسرائيل" وتركيا. وتصدّر الصراع الإسرائيلي التركي المشهد من جديد والذي لم يكن يوماً مرتبطاً بالقضية الفلسطينية، بل ارتبط دوماً بالمطامع الاستراتيجية لكل طرف، وهي مصالح برزت بشكل واضح في سوريا بعد انهيار الدولة وسقوط النظام، وتولّي الشرع السلطة، ما شكل نقطة تحوّل في حسابات اللاعبين الإقليميين.
تاريخ الصراع التركي الإسرائيلي وأهدافه
شهدت العلاقات التركية الإسرائيلية توترات متكررة على مدى عقود، متذبذبة بين تعاون مرحلي وعداء متبادل، لكن الهدف الاستراتيجي لكل طرف كان دائماً تأمين مصالحه الخاصة في المنطقة. حيث سعت تركيا تاريخياً إلى منع نشوء أي كيان كردي مستقل على حدودها، في حين ركزت "إسرائيل" على تعزيز نفوذها عبر أدوات محلية وأقليات دينية، مثل الدروز في الجنوب، لتأمين خطوط استراتيجية ممتدة من الجنوب السوري وحتى قلب دمشق.
مع سقوط النظام، بدا الصراع أكثر وضوحاً. حاولت تركيا توسيع نفوذها إلى دمشق عبر الشرع، بالمقابل، بدأت "إسرائيل" بدعم مجموعات محلية، مثل الشيخ حكمت الهجري في السويداء، لضمان امتلاك أوراق ضغط واستغلال أي نزاع داخلي لصالحها.
الأطماع الإسرائيلية قبل وبعد سقوط النظام
قبل سقوط النظام، كانت "إسرائيل" تعتمد على سياسة "ترقب المصالح مع التزام الحذر"، دون التدخل المباشر في الشؤون الداخلية. ومع تولي الشرع، بدأت الأطماع الإسرائيلية تتجسّد عملياً، عبر تدخلات مباشرة ادعت "إسرائيل" أنها "لفض النزاعات المحلية"، خاصة في أحداث السويداء، حيث دعمت الزعيم الدرزي حكمت الهجري ضد البدو، وقصفت مقر هيئة الأركان العامة في دمشق، وتواصل تدميرها لمخازن الأسلحة والقدرات والمنشآت العسكرية والحيوية في هذا البلد.
تهدف "إسرائيل" من هذه التدخلات إلى تنفيذ مشروع "ممر داود"، وهو مشروع استراتيجي يضمن وجود تحالفات محلية يمكن استثمارها لضمان "أمنها القومي"، ولإبقاء الدولة السورية ضعيفة، مما يسهّل السيطرة على الموارد والمواقع الحساسة، ويحول دون أي إعادة انتشار للسلطة الجديدة على كامل الأراضي السورية مع احتلال لأراضي الجولان، ونزع السلاح لمحافظات أخرى في الجنوب السوري كالقنيطرة ودرعا.
الأطماع التركية والخطوات العملية
تركيا، بدورها، كانت تخطط منذ سقوط النظام لعملية عسكرية ضد "قسد"، لضمان عدم استقلال الأكراد على حدودها. كما حرصت على توسيع نفوذها من خلال دعم حكم الشرع، مع الحفاظ على خط متوازن في مناطق النفوذ الأخرى. تركيا استخدمت كل أدواتها، من القوة الناعمة، إلى القوة الصلبة عبر دعم فصائل مسلحة في شمال سوريا، لضمان امتلاك الحضور و ورقة ضغط مستدامة في العملية السياسية السورية.
بعد أحداث السويداء أظهر الموقف التركي تخوّفاً من تنامي النفوذ الإسرائيلي في الجنوب السوري. فقد اعتبرت تركيا أن أي ترتيبات سياسية أو عسكرية قد تسمح ل "إسرائيل" بتوسيع حضورها، يشكل تهديداً مباشراً لمصالحها الاستراتيجية في سوريا، خاصة فيما يتعلق بموازين القوى الإقليمية وحدود نفوذها في الشمال. لذلك، جاء خطابها التحذيري أقل تعبيراً عن رفض التقسيم وأكثر ميلاً إلى رغبتها في مواجهة الدور الإسرائيلي بشكل غير مباشر الذي قد يحد من قدرتها على المناورة داخل الملف السوري.
الدولة السورية بين الأطماع وغياب الردع
مع هذا الكم من التدخلات، أصبحت سوريا مسرحاً مفتوحاً للطموحات الإقليمية، خصوصاً مع ضعف السلطة المركزية، التي باتت تحت رحمة الأطراف الخارجية. "إسرائيل" وتركيا تتنافسان بشكل مباشر، و"قسد" تميل جزئياً إلى "إسرائيل".
هذا الواقع يطرح تحدياً كبيراً: كيف يمكن لسوريا الصمود أمام التفكيك والتقسيم والاحتلال وهي تحت نفوذ سلطة ضعيفة تبيع مصالحها إلى الخارج؟ التجربة تشير إلى أن سوريا اليوم محاصرة بين قوتين نافذتين، كل منهما يسعى لاستثمار أي ضعف لصالحه. "إسرائيل" تعمل على تقسيم مناطق محددة، وتعزيز حكم محلي يدعم أمنها ويساعدها في سياستها التوسعية. بالاضافة الى النفوذ السعودي والإماراتي ومعهما الاحتلال الأمريكي.
الكاتب: غرفة التحرير