أمرَ "المندوب السامي الأميركي" لبنان في جولة سابقة، وعبر ما سُمّي بـ (ورقة برّاك)، تنفيذ ترتيبات وفقاً لما يتماشى مع المطالب الإسرائيلية، من دون أي ضمانات في مقابل ذلك يتعهد بها الجانب الإسرائيلي لجهة وقف عدوانه على لبنان، ووقف استباحته له وخروقاته لوقف إطلاق النار منذ 27 تشرين الثاني 2024: تدميراً وقتلاً واحتلالاً، وخروقات برية وبحرية وجوية، وقيامه بالاغتيالات ومنع عودة الأهالي، ومنع الإعمار واحتفاظه بأسرى من دون وجه حق.
كل ذلك التعدي الوقح والوحشي على سيادة لبنان وأمنه وشعبه، في ظل صمت ذليل لدولة لبنان وفي ظل اعتمادها سياسة التغاضي والتماشي مع حق "إسرائيل" في حرية الحركة وتحميل المقاومة مسؤولية ما يحصل، بل وأن عليها (المقاومة) مراعاة استسلام الدولة للإملاءات الإسرائيلية التي تحملها السعودية ويحملها برّاك، الذي تارة يهدد لبنان باجتياح سوري لأراضيه، وطوراً يهدده بإطلاق يد إسرائيل في اعتداءاتها عليه. ولكن أكثر ما يهدد به الدولة ذات الدبلوماسية العكسية ضد مصلحة لبنان، هو حرمان لبنان من الازدهار وتدفق الاستثمارات. وهي دولة اعتاد مسؤوليها على النهب والسرقة وعلى كونهم مافيات تبيع وتشتري على حساب الكرامة والاستقلال، كل ما هو رخيص وتقول عنه غالي.
حصيلة الاعتداءات الإسرائيلية:
آخر حصيلة رسمية للخروقات الصهيونية منذ اعلان وقف إطلاق النار مع لبنان فجر 27 - 11 - 2024 وحتى صباح 5 - 8 - 2025، كانت على الشكل التالي:
خرق بري 1918
خرق جوي 2203
خرق بحري 126
المجموع: 4247 خرقًا وعدوانًا
عدد الشهداء 230
عدد الجرحى 477
ووفق (الدولية للمعلومات) فإن عدد الخروقات الإسرائيلية منذ قرار الحكومة بـ"حصر السلاح" في 6 آب و حتى 17 منه، بلغ:
-85 خرقًا
أسفر عن 11 شهـيداً و20 جريحاً.
الرد الإسرائيلي على المطالبات اتجاهها:
الموقف الإسرائيلي الرسمي الذي عبر عنه رئيس حكومتها نتنياهو هو إعلانه عن عزمه تحقيق خريطة "إسرائيل الكبرى" المزعومة التي تُقسّم المنطقة لتضم:
٥٠٪ من مصر
٩٠٪ من سوريا
كامل الأردن
كامل لبنان
جنوب تركيا
نصف العراق
كامل الكويت
نصف المملكة العربية السعودية
هذا ليس "أمنًا". إنه مخطط للتوسع الإمبراطوري، وإعلان صريح عن نية محو الحدود والسيادة والدول.
تصريحات دس السم في العسل:
1- تحميل حزب الله المسؤولية وعليه أن يتنازل، وأن يساوم على الحقوق والسيادة والكرامة الوطنية، تحمل عنوان: عليه أن يعطي ليأخذ. كأن القضايا الوطنية والمصيرية والحقوقية لا حصانة لها، وبمنطق السلام بالقوة هي خاضعة للمساومة والتنازل.
2- التسويق لفكرة أن مصلحة الشيعة لا تتناقض مع مصلحة إسرائيل في التخلّص من ورقة قوة لبنان تجاه المشروع الإسرائيلي. وهي محاولة لدق إسفين فتنة شيعية داخلية.
3- اعترافه بأن نزع سلاح حزب الله له امتداد إقليمي، وإن كان المقصود زج إيران كلاعب يجب رفضه من الدولة اللبنانية بقوة وبشكل عملي. إلا أنه يُظهر أن إيران هي حامية حقوق لبنان ومستقبله من دون أن يقصد ذلك.
4- الترويج لإطلاق حوار من نوع مختلف للبنان مع كل جيرانه، وعلى رأسهم إسرائيل، في تأكيد غير مباشر أن المطلوب هو اتفاق سياسي وتطبيع مع إسرائيل، وليس فقط تنفيذ القرار 1701 بعيداً عن العدائية والمواجهة.
5- إعادة ربط الإعمار بنزع السلاح، وإشارته إلى مصلحة الشيعة في ذلك وإلا فلا إعمار.
6- دعوته للصدام الداخلي تحقيقاً لمطالب إسرائيل وأمنها، والمطالب بآلية واضحة وجدول زمني وصرّح بأنه سيكون هناك مؤازرة دولية. التي قد تُفهم بأنها قوات متعددة الجنسيات جديدة، أو ضغوطات دولية جديدة دافعة للتصادم.
7- اعتماده سياسة وأسلوب القضم التدريجي لحقوق لبنان وتنازلاته عبر حديثه عن التقدم عبر الخطوات.
8- تحميل لبنان وشعبه أحلام وأمنيات واهية في حياة أفضل وازدهار وأن لبنان سيعود لؤلؤة الشرق في دغدغة لأحلامهم. ولكنه لم يقل لؤلؤة لمن.
9- العمل على تقليص دور الأمم المتحدة في لبنان عبر تقليص عديدها وموازنتها ومداها الزمني.
10- أن عمله هو عمل إرشادي توجيهي كما كانت عادة المندوبين الساميين في لبنان، الممنوع تجاوز توجيهاتهم وإلا سيتعرض الكيان اللبناني للعقاب.
المشروع الأميركي - الإسرائيلي الحقيقي:
تُشارك الولايات المتحدة وإسرائيل بنشاط في إستراتيجية شاملة وطموحة لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، وتشمل مكونات رئيسية:
1-شراكة عسكرية واستخباراتية ثنائية عميقة بشكل استثنائي.
2-إنشاء ممرات اقتصادية تحويلية.
3-توسيع التطبيع الدبلوماسي من خلال مبادرات مثل الاتفاقيات الإبراهيمية.
4-تقويض القضية الفلسطينية. وغالباً ما تتناقض هذه الإجراءات مع المعايير الدولية المعمول بها.
وتشمل الأمثلة تأطير إسرائيل كـ "منتج أمني" أو وصف الحدود القائمة في الشرق الأوسط بأنها "وهمية". هذه السرديات ليست مجرد وصفية؛ بل هي توجيهية، تهدف إلى إعادة تعريف المشهد الإقليمي أيديولوجياً قبل أو بالتوازي مع التغييرات المادية. وتستهدف فيما تستهدف أولويات منها:
-القضاء على التهديدات الوجودية ضد إسرائيل (المقاومة الفلسطينية، حزب الله، الفصائل العراقية المقاومة، اليمن، سوريا، إيران).
-منح إسرائيل صلاحية التوسع لتحقيق دولة إسرائيل الكبرى.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع
الكاتب: إبراهيم شمس الدين