منذ عام 1967، تحتل "إسرائيل" منطقة مزارع شبعا الواقعة على الحدود الجنوبية الشرقية للبنان. وعلى الرغم من توفر الأدلة والوثائق التي تثبت بأن مزارع شبعا تابعة للبنان وهي جزء رسمي منه كما كانت قبل احتلالها. إلا أن الكيان يواصل الادعاء بأنها أراضٍ سورية، في محاولة لتبرير احتلالها الدائم. فما الحقيقة وهل يمكن أن تدعي سوريا عبر مستوياتها الرسمية ملكية مزارع شبعا؟ وهل هناك وثائق وأدلة قانونية تثبت لبنانية هذه الأرض؟
لماذا قد تدّعي سوريا أن مزارع شبعا أراضٍ سورية؟
لأجل صفقة التطبيع المتوقعة بين سوريا والكيان: قد يستخدم النظام الجديد هذا الادّعاء كبادرة حسن نية تجاه "إسرائيل"، ما يسلب الذريعة من حزب الله وفق نظرهم بأي مواجهة مع الاحتلال من شأنها أن تفضي إلى تحرير هذه الأرض على مبدأ "سد الذرائع". ولكن نشير إلى أن هذا الاعتراف ليس بكاف لأنه وإلى جانب مزارع شبعا يوجد نقاط أخرى تحتلها "إسرائيل" في لبنان مثل قرية الغجر الحدودية والنقاط الخمسة التي احتلها الكيان مؤخراً. ويكون هذا الادعاء والاعتراف هو من شروط الكيان لإتمام صفقة التطبيع مع سوريا إلى جانب شروط أخرى طبعاً. ودخول جيش الاحتلال إلى نقاط سورية جديدة والسيطرة عليها يدل على نيته التوسعية لذا من المرجح أن تكون هذه الخطة من ضمن ما يتفق عليه بين الاحتلال وسوريا. وكل هذا في سبيل تأمين اعتراف دولي بنظام الشرع المستعد لتقديم التنازلات كما يظهر مقابل تثبيت حكمه دولياً، كما تفعل الأنظمة العربية الأخرى لتوفير رضا أميركا و"إسرائيل".
الأدلة القانونية والتاريخية على لبنانية مزارع شبعا
الوثائق العقارية اللبنانية
كل أراضي مزارع شبعا مسجلة في الدوائر العقارية اللبنانية (سجلات مرجعيون) ومعظم العقارات في المزارع تحمل أرقاماً لبنانية، ومالكوها لبنانيون معروفون، وهذا مثبت في القيود العقارية الرسمية. كما كان الفلاحون في المزارع يدفعون الضرائب للبلديات اللبنانية وليس السورية.
الخرائط الفرنسية زمن الانتداب
خرائط تعود إلى عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي تُظهر مزارع شبعا ضمن الحدود اللبنانية. أبرزها خريطة عام 1933 التي رسمتها سلطة الانتداب الفرنسي، وتم اعتمادها لاحقاً في ترسيم الحدود.
موقف سوريا الرسمي
سوريا نفسها أعلنت -في عهد النظام السابق-، في أكثر من مناسبة، أن مزارع شبعا لبنانية. في عام 2001، سلّمت سوريا إلى الأمم المتحدة رسالة خطية تؤكد لبنانية مزارع شبعا، لكن كانت الذريعة حينها غياب الترسيم الرسمي بين البلدين.
رسائل لبنان إلى الأمم المتحدة
قدم لبنان عشرات المذكرات الرسمية إلى مجلس الأمن، تثبت بالأدلة أن المزارع أراضٍ لبنانية محتلة، وتطالب بإدراجها ضمن القرار 425.
مزارع شبعا لبنانية
تشير الشهادات التاريخية والوثائق القانونية إلى أن مزارع شبعا هي أراضٍ لبنانية خالصة، كما يوضح الدكتور عصام خليفة وهو مؤرخ لبناني، الذي استند إلى وثائق عثمانية وفرنسية وسجلات رسمية لبنانية لإثبات هذه الحقيقة. فالمزارع كانت تاريخياً تابعة لقضاء حاصبيا ضمن ولاية بيروت العثمانية، وهو ما ينسجم مع خرائط الانتداب الفرنسي التي أُودعت لدى عصبة الأمم وتُدرج شبعا ضمن حدود لبنان الكبير منذ عام 1920. كما أن السجلات العقارية في مرجعيون وحاصبيا تؤكد ملكية العائلات اللبنانية لتلك الأراضي، إضافة إلى أن الدولة اللبنانية كانت، حتى ما قبل الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، تجبي الضرائب من أصحاب الأراضي وتدير شؤونها بالكامل، دون أي تدخل سوري. هذه المعطيات تُسقط أي محاولة لطمس هوية مزارع شبعا، وتؤكد أنها جزء لا يتجزأ من السيادة اللبنانية، بغض النظر عن الحسابات الإقليمية أو مشاريع التطبيع المقبلة.
لماذا تصرّ "إسرائيل" على أن المزارع سورية؟
-لتفادي تطبيق القرار 425 بالانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية.
-لاستمرار الاحتلال و"تأمين جبهة الجنوب اللبناني" لصالح الكيان والحفاظ على نقاط تواجد داخل الأراضي اللبنانية تحسباً لأي تطور.
-لمراقبة التغيرات مقابل المستوطنات الشمالية ورصد أي حركة للمقاومة.
كيف يمكن مواجهة هذا السيناريو؟
-يجب أن تتحرك الحكومة اللبنانية بشكل رسمي لإعادة تثبيت لبنانية شبعا بالأدلة والوثائق وتحيي هذه القضية من جديد ولا تسمح لأي ادعاء غير رسمي وغير موثق بأن يكون في الواجهة.
-إعادة إبراز أرشيف السجلات العقارية من مرجعيون وحاصبيا التي تبيّن ملكية الأراضي لأهالي لبنانيين لإبطال الادعاءات وتثبيت الحق اللبناني بمزارع شبعا.
-مطالبة الأمم المتحدة بموقف واضح من أي تغيير سياسي في موقف سوريا.
-الاستعداد لـ حملة إعلامية–قانونية دولية لفضح أي محاولة لشرعنة الاحتلال في سبيل التطبيع مع كيان الاحتلال.
أين تقع مزارع شبعا؟
مزارع شبعا تقع في أقصى جنوب شرق لبنان، عند المثلث الحدودي اللبناني – السوري – الفلسطيني المحتل. تمتد على مساحة 25 كلم² تقريباً، وتضم عشرات المزارع التي كانت مأهولة باللبنانيين حتى احتلالها في حزيران/يونيو 1967.
رغم كل محاولات طمس هوية مزارع شبعا التي تتعمدها "إسرائيل"، تبقى مزارع شبعا أرضاً لبنانية موثقة بالأدلة العقارية والتاريخية والسياسية. واستمرار احتلال هذه الارض ما هو إلا انتهاك من انتهاكات الكيان المستمرة للقانون الدولي الذي يتغافل عن التصرفات العدوانية التي تمارسها "إسرائيل" بحق الدول ضمن مشروعها التوسعي الذي يهدف للسيطرة على المنطقة والتحكم بها وبمواردها.
الكاتب: غرفة التحرير