الأربعاء 15 تشرين أول , 2025 04:06

الأسطورة اللبنانية في الميدان: تحليل المعركة البرية في أولي البأس

مقاومون في حزب الله وجنود جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوبي لبنان

تميز المقاوم اللبناني في "معركة أولي البأس" بأداء استثنائي يجمع بين الكفاءة التكتيكية والمرونة العملياتية والقدرة على الابتكار في بيئة قتالية معقدة. فقد أثبت قدرة فائقة على تطبيق مبادئ الحرب اللامتناظرة، معتمداً على استغلال التضاريس المتنوعة ونصب كمائن معقدة أدت إلى إحباط محاولات الجنود الإسرائيليين المتكررة للتقدم. كما أظهر المقاوم مهارات استثنائية في استخدام الأسلحة المتنوعة، بما في ذلك الصواريخ المضادة للدروع والعبوات الناسفة والطائرات المسيرة، ضمن تنسيق محكم بين المشاة والمدفعية والهندسة، مما عزز فعالية العمليات الهجومية والدفاعية على حد سواء.

كما برزت صفاته الشخصية والذهنية، حيث جمعت بين الشجاعة والإقدام والصبر والتحمل الفريد من نوعه والذي يقلّ مثيله في العالم(خاصةً بعد مسار من المفاجآت التكتيكية والاستراتيجية بدءاً بهجوم البيجر وأجهزة الاتصالات مروراً بالقصف الشامل والمركز واستهداف القادة الجهاديين وصولاً الى اغتيال سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله وما تبعه من اغتيال لخليفته السيد الهاشمي السيد هاشم صفي الدين)، إضافة إلى الانضباط وروح الاستشهاد العالية، مع وعي دائم بالميدان وقدرة على اتخاذ القرارات السريعة في مواجهة المواقف الحرجة. كل هذه الأمور، جعلت من المقاوم في لبنان، عنصرًا حاسماً في تحديد نتائج المواجهات البرية، وبالتالي أدّت على المستوى الإستراتيجي الى منع الكيان المؤقت من تحقيق أي هدف لعدوانه وخاصةً هدف سحق حزب الله.

ووفقاً لمزاعم جيش الاحتلال الإسرائيلي خلال معركة أولي البأس، فإنه نفّذ المناورة البرّية مستخدماً 5 فرق عسكرية في أكثر من 30 قرية في جنوبي لبنان، وخاض خلالها عشرات الاشتباكات مع المقاومة، التي استطاع مقاتلان منها بحسب اعتراف الإسرائيليين أنفسهم محاصرة 20 جنديا إسرائيليا في كمين عيترون على سبيل الذكر لا الحصر.

فالمقاوم أظهر قدرات قتالية متقدمة انعكست في مواجهة وحدة إيغوز الإسرائيلية في "كمين المحافر" وبقية المعارك. ويمكن تلخيص خصائصه في ثلاثة محاور:

1)الكفاءات القتالية:

_إتقان حرب العصابات والقتال اللامتناظر والهجين، بما في ذلك نصب الكمائن المعقدة، القتال التصادمي، والاستفادة من التضاريس المختلفة.

_التعامل الكفء مع الأسلحة المتنوعة: صواريخ مضادة للدروع، عبوات ناسفة، مدفعية، وطائرات مسيرة، مع تكامل فعال بين المشاة والهندسة والمدفعية.

_قيادة وتنسيق العمليات بفعالية، مع قدرة على التخطيط الاستراتيجي والاستجابة السريعة لتطورات الميدان.

_جمع المعلومات الاستخباراتية واستثمارها في عمليات هجومية ودفاعية دقيقة.

2)المميزات القتالية:

_المبادأة وفرض إيقاع المعركة.

_المرونة في تغيير التكتيكات والتكيف مع الموقف.

_استغلال نقاط ضعف العدو ومعرفة متعمقة بالميدان.

_القدرة على الصمود والقتال المستمر، والتفوق في القتال الليلي والظروف الجوية الصعبة.

3)الصفات الخاصة:

العقيدة والروح المعنوية العالية، الشجاعة والجرأة، الذكاء والحنكة التكتيكية، الصبر والتحمل، الانضباط والعمل الجماعي، والوعي الدائم بالميدان.

الجندي الإسرائيلي والحرب البرية: صعوبة كبيرة
في المقابل، واجه عناصر جيش الاحتلال الإسرائيلي صعوبات كبيرة بسبب عدم التأقلم مع حرب العصابات والبيئة اللبنانية المعقدة، رغم التدريب المكثف.

وأبرز نقاط الضعف والقصور كانت:

_فهم محدود لطبيعة الخصم وأساليبه، والاعتماد على تكتيكات الحرب النظامية غير الفعالة.

_صعوبات في القتال في التضاريس المعقدة، وفشل في تحقيق اختراقات حاسمة.

_اعتماد مفرط على القوة النارية الجوية والمدفعية دون نتائج ملموسة.

_فقدان المبادأة والجمود التكتيكي، التردد في اتخاذ القرارات، ضعف القدرة على استغلال التفوق التكنولوجي.

_الخوف من الاشتباك المباشر في الكثير من الحالات.

أبرز كمائن المقاومة

_كمين المحافر في العديسة: نجحت المقاومة في إفشال محاولة وحدة إيغوز، بتكتيكات كمائن معقدة واستهداف الدبابات، مع الحفاظ على روح معنوية عالية، بينما تكبد العدو خسائر كبيرة وانسحب بعد سبعة أيام.

_معركة مثلث الموت: استخدمت المقاومة الدفاع الثابت ثم المتحرك، واستهداف خطوط الإمداد، ما أدى إلى فشل هجمات الفرق 91 و98 الإسرائيلية وتكبيدها خسائر فادحة.

_معارك الخيام وبنت جبيل وشمع–البياضة: أظهرت قدرة المقاومة على كشف خداع العدو، صد الهجمات المدرعة والمشاة، وتطبيق خطة دفاعية متكاملة بالكمائن والقتال من نقطة الصفر، مع الحفاظ على المبادأة والسيطرة.

_كمين عيترون: كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن كواليس معركة برية خيضت في قرية "عيترون" جنوبي لبنان، والتي جرى خلال تصدي مقاومين فقط في حزب الله لتسلل قوة من الجيش الإسرائيلي مؤلفة من 20 عنصراً، بعد أن تحصنت داخل مبنى مدمر في القرية، حيث تمت محاصرتها والاشتباكات معها في معركة ضارية استمرت حوالي 14 ساعة.

وبحسب المراسل العسكري للصحيفة يوآف زيتون، الذي التقى أحد الجنود الإسرائيليين الذي شارك بالمعركة وأصيب بالاشتباكات، فإن الحديث يدور عن المعركة الأطول والأكثر دموية، والتي خاضها جيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوبي لبنان، والتي أسفرت عن مقتل 6 جنود وإصابة 14 آخرين بجروح متفاوتة.

ملحمة بطولية

إذا لم تكن معركة أولي البأس مجرد حرب تقليدية، بل كانت ملحمة بطولية كشفت عن قدرات نوعية وتخطيط استراتيجي متفوق لرجال المقاومة في مقارعة آلة الحرب الصهيونية المدعومة بأحدث التكنولوجيا. وقد أظهر رجال المقاومة أداءً أسطوريًا قلب الكثير من المعادلات وأثر على حسابات العدو الاستراتيجية. وبعدما دخلت إسرائيل الحرب مع حزب الله بسقف تصريحات عالٍ، يصل إلى حد تدمير مقدّرات الحزب العسكرية وفرض منطقة خالية من السكان شمال حدود فلسطين المحتلة، تراجعت الأهداف تدريجيا حتى صرّح رئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هاليفي قبل أسابيع من نهاية الحرب، بأن ما تحقيق من اغتيال للقيادات العليا للحزب يُعدّ كافيا لوقف العدوان!!


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور