لعلّ قول العالم الاجتماعي الأمريكي "إريك هوفر"، بأن "السلطة لا تفسد الرجال، بل تكشفهم"، هو من أدّق ما يمكن الاستفادة منه لوصف سلوك أحمد الشرع الجولاني، الذي يقود السلطة الانتقالية في سوريا، تجاه ما يقوم به من خضوع للهيمنة الأمريكية على بلاده، وخاصةً في موضوع التطبيع مع إسرائيل ومواجهة حركات المقاومة وخاصة الفلسطينية، وغيرها من الأمور.
فالجولاني منذ أن كان في إدلب، ورغم وجوده على لائحة المطلوبين للقبض الأمريكية، حظي بحماية غير مباشرة من واشنطن إن لم يكن أكثر، وبعدما وصل الى دمشق بعد سقوط النظام، كانت الإدارة الأمريكية أول الوفود الدولية الزائرة له، لأنه التزم منذ ذلك الوقت بتحقيق مصالحها، وحادثة قتل زعيم تنظيم داعش الوهابي الإرهابي أبو بكر البغدادي خير دليل.
رسالة الخضوع لأمريكا
ووفقاً لتقرير حصري لوكالة رويترز، ردّت سلطة الجولاني كتابيًا على قائمة شروط أمريكية لرفع جزئي محتمل للعقوبات، قائلةً إنها طبقت معظمها، لكن بعضها الآخر يتطلب "تفاهمات متبادلة" مع واشنطن.
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد سلمت سوريا الشهر الماضي قائمة بـ 8 شروط تريد من الجولاني تنفيذها، بما في ذلك تدمير أي مخزونات متبقية من الأسلحة الكيميائية، وضمان عدم منح أجانب مناصب قيادية في الحكم. وجرى تسليم الرسالة عبر المسؤولة الأمريكية ناتاشا فرانشيسكي التي سلمت قائمة الشروط لوزير خارجية السلطة السورية الانتقالية أسعد الشيباني في اجتماع على هامش مؤتمر المانحين لسوريا في بروكسل في 18 آذار / مارس الماضي.
إلا أن أخطر ما جاء في الردّ السوري هو تعهد حكومة الجولاني بأن لا تصبح البلاد "مصدر خطر" لإسرائيل، حيث جاء في الرسالة "الموقف السائد هو أننا لن نسمح لسوريا بأن تصبح مصدر تهديد لأي طرف، بما في ذلك إسرائيل". وفي هذا السياق جاءت إجراءات الشرع الأخيرة ضد المقاومة الفلسطينية (الجهاد الإسلامي)، حيث ذكرت الرسالة أن الجولاني شكّل لجنة "لمراقبة أنشطة الفصائل الفلسطينية"، وأنه لن يُسمح للفصائل المسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة بدخول البلاد.
أمّا الثمن الذي يطمح له الجولاني للإجراءات المُتخذة، والتي وصفتها الرسالة بـ"الضمانات"، فليس إلا إعادة فتح السفارات ورفع العقوبات.
فماذا عن ثمن التطبيع؟
أما بالنسية لموضوع التطبيع مع الكيان المؤقت، فقد كشف موقع قناة "i24NEWS" الإسرائيلية، أن أحمد الشرع (الجولاني)، قد أكد خلال لقائه عضو الكونغرس الأميركي مارلين ستوتزمان في دمشق مؤخرًا استعداده للتطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي، والانضمام إلى ما يسمى بـ"اتفاقيات أبراهام".
وفي مقابلة خاصة مع المحلل الدبلوماسي للقناة، عميحاي شتاين، تم الكشف عن رسالة الجولاني لـ"السلام" ودعوته للتطبيع مع "إسرائيل"، "في ظل الظروف المناسبة".
وتحدث النائب الأميركي مارلين عن انطباعاته بعد المحادثة مع الشرع قائلًا: "كان هادئًا ومتأملًا.. يمكنك أن ترى أنه يعمل بجد منذ أخذه السلطة من بشار الأسد" وفق قوله.
ونقل الموقع عن مارلين الذي زار سوريا للمرة الأولى برفقة النائب كوري ميلز، طلبات الشرع مقابل التطبيع، وهي:
أولًا، وقف "إسرائيل" مهاجمة الأراضي السورية والمطالبة ببقاء سوريا موحدة.
ثانياً، التوصل إلى اتفاق بشأن وجود قوات الاحتلال الإسرائيلية في الأراضي السورية، وعلى جبل الشيخ من الجانب السوري، وفي مناطق أخرى مثل المناطق العازلة. وطالب الشرع الإدارة الأمريكية عبر ستوتزمان برفع العقوبات عن البلاد. لكن الأخير رد عليه بأن بلاده لديها شروط: "نريد احترام حقوق الإنسان والمرأة احترامًا كاملًا. ثانيًا، نرغب في أن تكون لهم علاقات جيدة مع "إسرائيل" ودول أخرى في الشرق الأوسط، وبالطبع معنا أيضًا" وفق قوله.