في خطوة أربكت المشهد السياسي الأميركي، أعلن الملياردير إيلون ماسك عن تأسيس حزب سياسي جديد حمل اسم "حزب أميركا"، مدعياً أنه يسعى لكسر احتكار الحزبين الجمهوري والديمقراطي وتقديم بديل "واقعي وابتكاري" للناخب الأميركي. هذه الخطوة أثارت جدلاً واسعاً، وخصوصاً في بلد كأميركا لا يقبل عادةً بأي حزب ثالث ما جعل التساؤلات حول جدية هذه الخطوة ومدى نجاحها المتوقع وبالتالي تأثيرها لاحقاً في حال أحرز الحزب الجديد تقدماً في الشارع الأميركي الذي يبحث عن التغيير.
صفعة لترامب؟
لا يخفي ماسك استهدافه الضمني لترامب، رغم إنكاره العلني لذلك. فالحزب الجديد يستهدف بشكل واضح القاعدة الانتخابية المحافظة التي يستند إليها ترامب، خصوصاً فئة "اليمين التكنولوجي" و"الليبرتاريين الجدد" الذين لا ينسجمون تماماً مع نزعة ترامب القومية المتشددة أو تورطه في الحروب والصراعات الدولية.
وقد رد ترامب سريعاً بوصفه هذه الخطوة بـ "السخيفة"، معتبراً أن ماسك يحاول "تشتيت الصف الوطني في وقت حساس"، لا سيما مع الحروب التي تخوضها أميركا إلى جانب الكيان من خلال دعمه مالياً وعسكرياً وأخيراً دعمه لوجستياً في العدوان على إيران.
التحدي السياسي: ما الذي يريده ماسك؟
بحسب ما نشر في تقرير لقناة "بي بي سي"، فإن ماسك يسعى إلى: إصلاح النظام الضريبي والبيروقراطي. إلى جانب دعم حرية التعبير المطلقة، وفرض "واقعية اقتصادية" في التعامل مع تغير المناخ. وتقليص دور الدولة الفيدرالية لصالح الولايات. هذه الطروحات قد تجد صدى عند شرائح الشباب ورواد الأعمال والتقنيين، لكنها تصطدم مع برامج كل من ترامب والحزب الديمقراطي، ما يجعل الحزب الجديد مؤهلاً ولو نسبياً لحصد الأصوات في الانتخابات المقبلة.
التأثير على السياسة الخارجية
إذا نجح حزب ماسك في التأثير السياسي، حتى لو لم يصل إلى الحكم، فإن رؤيته للسياسة الخارجية تحمل نزعة انعزالية غير تقليدية، ورفضاً للتورط العسكري الخارجي، لكن خطورته تكمن في أنه لا يمتلك تجربة دبلوماسية منظمة، لأن عمله الأساسي منصب على ريادة الأعمال والاقتصاد بشكل عام "عقلية وادي السيليكون"، ما يهدد بتحويل السياسة الخارجية إلى حقل للتجربة بالنسبة لماسك. لا شك أن إيلون ماسك يحاول تكرار تجربة دونالد ترامب بأسلوب جديد: ملياردير، من خارج المؤسسة، ويطرح نفسه كرجل سياسة سيكون بمثابة "المنقذ" لأميركا. لكنه في الوقت نفسه يفتقر إلى الأرضية السياسية الصلبة، والحزب الذي أسّسه لا يملك بعد هيكلاً إدارياً واضحاً أو قاعدة جماهيرية راسخة.
استغلال الانقسام الداخلي
إعلان ماسك عن تأسيس "حزب أميركا" جاء استغلالاً للحظة مفصلية شهدها الداخل الأميركي وتعزز فيها مشهد الانقسام، والتي تمثلت بالإجراءات الصدامية التي اتخذها الرئيس ترامب، وعلى رأسها نشر آلاف من عناصر الحرس الوطني في مدينة لوس أنجلوس لقمع احتجاجات مناهضة لترحيل بعض المواطنين الأميركيين من أصول مهاجرة. هذه الخطوة غير المسبوقة، التي دفعت بقوات أمنية مدرّبة -بنظر الأميركيين أُعدت لمواجهة تهديدات خارجية- إلى شوارع المدن في وجه المواطنين، وُصفت بأنها تجاوز صارخ "للديمقراطية الأميركية" المزعومة في حين يرى البعض بأنها مثلت وأظهرت الوجه الحقيقي لأميركا. وأثارت استياءً واسعاً داخل الأوساط الليبرالية وحتى لدى بعض المحافظين المعتدلين.
من سيشكل قاعدة حزب "أميركا"؟
من المتوقع أن يستقطب حزب "أميركا" الذي أعلنه إيلون ماسك قاعدة شعبية غير تقليدية، تتكوّن بالدرجة الأولى من الشباب الأميركيين (18–35 عاماً) الذين يشعرون بتآكل الثقة في الحزبين التقليديين، ويبحثون عن بديل عصري يمثل تطلعاتهم في عالم التكنولوجيا والحرية الرقمية. حيث سيرون بأن ماسك يمثل نوع من "التجديد" في السياسة الأميركية.
إلى جانبهم، من المرجّح أن يتوافد إلى الحزب روّاد التكنولوجيا، والمستثمرون، والعاملون في قطاع الأعمال. كما سيستقطب الحزب شريحة من اليمين المستقل، أي المحافظين المعتدلين الذين يرفضون خطاب ترامب لكنهم لا يجدون أنفسهم في الليبرالية الديمقراطية الحالية.
ويُعتقد أن يكون توجّه هذا الحزب غريباً نوعاً ما، بالأخص إذا ركز بشكل خاص على التكنولوجيا واعتبر أن التفوق التكنولوجي هو المعيار لنجاح الدول. بالتأكيد، هذه التأثيرات والتحولات لن تظهر الآن ولا على المدى القريب حتى، لأن أي تغيير كهذا يتطلب وقتاً ليأخذ حيّزاً، وخصوصاً في حال وجود حزبين آخرين لهما باعٌ طويل في السياسة وتجربة مع الداخل الأميركي والخارج.
الكاتب: غرفة التحرير