الثلاثاء 10 حزيران , 2025 03:45

أزمة المهاجرين في كاليفورنيا تتصاعد: هل تنفجر أميركا من داخلها؟

ترامب واحتجاجات لوس أنجلس

شهدت مدينة لوس أنجلوس في ولاية كاليفورنيا تصعيداً، بدأ بعمليات مداهمة واعتقال نفذتها السلطات الفدرالية ضد مهاجرين، وتطورت إلى مواجهات عنيفة بين المحتجين والشرطة. بمشاركة آلاف المهاجرين والمواطنين ممن رفضوا سياسة الترحيل والاعتقال والمداهمات التي بدأها الرئيس الأميركي.

وتطورت الأوضاع بشكل خطير عندما انضم الكثير من الشباب المهاجر إلى الاحتجاجات معبرين عن غضبهم. وقد حوّل هذا التصعيد المظاهرات من احتجاجات سلمية إلى مظاهرات عنفية وأعمال شغب واسعة شملت حرق سيارات الشرطة، والاعتداء على المحال التجارية، مما دفع السلطات المحلية لفرض حظر التجمع وسط المدينة.

تعكس هذه التطورات الميدانية، إستراتيجية الرئيس ترامب في التعامل مع المهاجرين، التي أتت تصحيحاً لمسار إدارة سلفه جو بايدن، بفتح الحدود على مصراعيها أمام المهاجرين.

الصراع الشخصي بين ترامب وكاليفورنيا

تطورت العلاقة بين ترامب وكاليفورنيا متجاورةً الخلافات السياسية لتصل إلى مستوى الصراع الشخصي. حيث يعتبر مراقبون بأن ترامب لديه عقدة تجاه كاليفورنيا والولايات التي يحكمها من ينتمون إلى الحزب الديمقراطي. فتمثل كاليفورنيا تحدياً خاصاً لترامب لعدة أسباب موضوعية، فهي أهم وأكبر ولاية في الدخل القومي، حيث تساهم بالضرائب الفدرالية للحكومة بـ50 مليار دولار.

وأكثر من ذلك، أن أكثر من ثلث عدد سكانها لم يولدوا داخل الولاية، كما أن نسبة كبيرة من السكان يتحدثون في منازلهم اللغة الإسبانية، مما يجعلها رمزاً لأميركا متعددة الثقافات التي تتناقض مع عقيدة ترامب.

في هذا الإطار، تتميز العلاقة بين ترامب وكاليفورنيا بالتوتر وبخلافات حول مختلف القضايا، وتعد "سياسات الهجرة" و"الملاذات الآمنة" من القضايا الساخنة في المواجهة بين الطرفين، حيث توفر قوانين الولاية الملاذ الآمن لملايين المهاجرين غير النظاميين، في الوقت الذي تضغط فيه إدارة ترامب كي تتعاون شرطة الولاية مع سلطات الهجرة بالتشديد وتطبيق القوانين.

ترامب يضرب القوانين الأميركية عرض الحائط

في ظل هذا الصراع الشخصي والأيديولوجي، يضرب ترامب القيود الدستورية عرض الحائط، إذ يمثل التصعيد الحالي بين الرئيس الأميركي وولاية كاليفورنيا أزمة دستورية تهدد أسس النظام الفدرالي، وغير مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة. وتثير نقاشات جدية حول حدود السلطة الرئاسية والحقوق الدستورية للولايات.

استند الرئيس الأميركي في إرسال قوات فدرالية إلى لوس أنجلوس إلى قانون عام 1807، الذي يسمح للرئيس بأن يرسل قوات فدرالية لمساعدة الولاية إذا احتاجت إلى ضبط الأمن ومواجهة من يهددون السلم والأمن. لكن الدستور يفصّل في التعديل العاشر صلاحيات للولاية لا يحق للحكومة الفدرالية أن تتجاوزها دستورياً. بمعنى أن تفعيل تدخل الجيش داخلياً يخضع لقوانين صارمة، على رأسها "قانون بوسي كوميتاتوس" الذي يمنع استخدام القوات المسلحة في مهام إنفاذ القانون المدني، وبذلك فتح ترامب مواجهة قانونية ودستورية، مخالفاً جوهر النظام الفدرالي.

وفي ظل هذا التصعيد يرى مراقبون بحسب مجلة إيكونوميست أن إرسال الحرس الوطني إلى لوس أنجلوس لا يهدف فقط إلى السيطرة على الاحتجاجات، بل يحمل رسالة سياسية واضحة هو أن المدن التي تتحدى سياسات إدارة ترامب، خصوصاً تلك التي تتبنى "سياسات الملاذ الآمن" للمهاجرين، ستدفع الثمن.

تُبرز أحداث لوس أنجلس رؤية ترامب الأيديولوجية اليمينية متمثّلة بـ"أميركا العظيمة" بمعنى أميركا البيضاء التي تتحدث اللغة الإنكليزية ويتواجد فيها عدد قليل جداً من المهاجرين. وتفتح التداعيات طويلة المدى لهذا الصراع الباب على كارثة في النظام السياسي الأميركي الداخلي، قد يتطور إلى نشوء حركات انفصالية، واحتجاجات متواصلة عنفية، في ظل القبضة الحديدية الشوفينية التي يمارسها ترامب في الداخل الأميركي ومصادرة حقوق الولاية وحاكمها، وصرّح (ترامب) بشكل واضح وصريح بأنه سيكون "أمرا رائعا" إذا ما تم توقيف الحاكم الديمقراطي لكاليفورنيا غافين نيوسوم. وردّ الأخير بحدة في منشور على إكس جاء فيه "رئيس الولايات المتحدة دعا للتو إلى توقيف حاكم في منصبه... هذا خط لا يمكن تجاوزه" مندداً بما اعتبره "خطوة لا يمكن إنكارها نحو الاستبداد".

فهل ستخرج الولايات المتحدة من الأزمة الحالية بأقل الخسائر، أم أن أحداث لوس أنجلس ستشعل شرارة داخلية لا يمكن احتواؤها؟


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور