الثلاثاء 08 تموز , 2025 04:28

هكذا فشلت الحلقات الخمس الإسرائيلية الأمريكية مع إيران!!

اعتمد الكيان المؤقت في عدوانه الأخير ضد إيران، والذي أطلق عليه اسم "عملية الأسد الصاعد"، على نظرية الحلقات الخمس للعقيد الأميركي "جون واردن الثالث" (مُنظّر القوة الجوية)، التي تُقسّم الدولة إلى خمس دوائر متداخلة: القيادة، الأنظمة الأساسية، البنية التحتية، السكان، والقوات الميدانية.

وتقوم نظرية واردن على مبدأ ضرب المركز أولًا – تحديدًا القيادة والنظم الحيوية – لإحداث شلل يمنع العدو من تنظيم رد فعّال. لذلك بدأت العملية الإسرائيلية باستهداف مراكز القرار وشل القيادة، ثم انتقلت الى استهداف البرنامجين النووي والباليستي، يليها استهداف الاقتصاد والطاقة والاتصالات، وصولًا إلى زعزعة الداخل وشل قدرات القوات المسلّحة للجمهورية الإسلامية في إيران.

الدوافع الأمريكية والإسرائيلية

فمع التطور الكبير الذي شهدته الجمهورية الإسلامية على صعيد التقدم العلمي في المجال النووي وصولاً لتصنيفها دولة عتبة نووية، وهو ما يعزز صورتها كدولة إقليمية عظمى لها تأثيرها الدولي. ومع استمرار العدوان على قطاع غزة ووصول البرنامج الأمريكي – الإسرائيلي في المنطقة لطريق مسدود خاصةً بعد الحرب التي شنت على لبنان والاشتباك الأمريكي مع اليمن بحيث تبين عدم تحقق الهدف المطلوب من ذلك المسار، وعلى ما يبدو أن مسار المفاوضات غير المباشرة (الأمريكية – الإيرانية) قد قرأته إدارة ترامب أنه لن يفضي إلاّ الى حشر الأمريكيين في الزاوية والقبول بالمسار النووي الذي تسير به الجمهورية الإسلامية، لذلك مع مجموع العوامل والدوافع التي تبينت لدى الإدارة الأمريكية بأن التراجع المطلوب من الجمهورية الإسلامية غير وارد. قامت إدارة دونالد ترامب بإعطاء الضوء الأخضر لحكومة نتنياهو للمباشرة بعمل عسكري ضد الجمهورية الإسلامية في محاولة لتقويض الحكم فيها وسلبها قدراتها النووية والعسكرية، فأطلق كيان الاحتلال الإسرائيلي "عملية الأسد الصاعد".

الأسد الصاعد ونظرية الحلقات الخمس

وبحسب نظرية الحلقات الخمس للعقيد الأمريكي "واردن"، فإن الضرب الفعال لا يبدأ من الأطراف بل من المركز إذ يؤدي استهداف الحلقات الداخلية – القيادة والنظم الحيوية – إلى شلل شامل يمنع العدو من تنظيم رد فعّال.

ومن خلال تحليل التخطيط المرحلي لـ "عملية الأسد الصاعد"، عبر تفكيك مراحل العدوان الإسرائيلي الأمريكي، يظهر بأن تل أبيب عمدت في البداية الى استهداف مراكز القرار الإيراني وشل القيادة العسكرية، تلاها توجيه ضربات دقيقة ضد البرنامج النووي والباليستي، ثم ضرب مفاصل الاقتصاد والطاقة والاتصالات، لتصل في النهاية إلى زعزعة الداخل الإيراني وحرمان الجيش وحرس الثورة الإسلامية من القدرة على المناورة أو الرد.

إن ما يميز هذا النهج أنه لا يستهدف إحداث دمار شامل، بل يهدف إلى ضرب مكامن الفاعلية في الجمهورية الإسلامية بطريقة مركزة وممنهجة، وبما يحقق أهدافًا استراتيجية بأقل كلفة ممكنة، ويساعد على منح إسرائيل أفضلية تكتيكية في صراع مع خصم أكبر حجمًا وأكثر انتشارًا.

فما هي نظرية الدوائر الخمس لـ "واردن"؟

_هي نموذج استراتيجي يفترض أن أي دولة أو كيان عدو يتكوّن من خمس دوائر مترابطة، وكلما اقتربت من المركز، زاد تأثير الضربة عليه.

_الهدف منها: شلّ قدرة العدو على القتال عبر ضربات مركّزة، وليس عبر التدمير الشامل له.

_ خلال عملية الأسد كانت الحلقات على الشكل التالي:

1)القيادة (المركز السياسي والعسكري).

2)الأنظمة الأساسية (المنشآت النووية والاستراتيجية).

3)البنية التحتية (الطاقة، الاتصالات، النقل).

4)السكان (الإرادة الشعبية والدعم للنظام).

5)القوات الميدانية (الجيش وحرس الثورة الإسلامية).

مراحل الهجوم الإسرائيلي وفق النظرية

المرحلة الأولى: استهداف القيادة (الحلقة المركزية)

الهدف: شل قدرة الجمهورية الإسلامية على اتخاذ القرار عبر تنفيذ ضربات جوية ودقيقة على مقرات القيادة العليا، بما في ذلك:

أ)مكتب القائد الأعلى.

ب)المقر العام لحرس الثورة الإسلامية وقادة القوات المسلحة وقادة قوة القدس.

ج)مراكز الاتصالات الأمنية (مثل غرفة العمليات المركزية).

د)هجمات إلكترونية لتعطيل أنظمة القيادة والسيطرة.

ه)اغتيالات مستهدفة لقادة عسكريين وسياسيين عبر عمليات خاصة.

وقد جرت العديد من عمليات الاغتيال لكبار القادة العسكريين في إيران في الساعات الأولى من العدوان، وكان قائد الثورة الإسلامية الإمام السيد علي الخامنئي على لائحة الأهداف لكن إسرائيل وأمريكا فشلتا في الوصول إليه.

التأثير المتوقع: ارتباك في السلسلة القيادية، مما يُعطّل ردود الفعل المنظمة، ويشتّت صنع القرار بين أركان القيادة السياسية والعسكرية في الجمهورية الإسلامية.

المرحلة الثانية: تدمير الأنظمة الأساسية (المنشآت النووية والاستراتيجية)

الهدف: حرمان إيران من أي قدرة نووية أو صاروخية عبر تنفيذ غارات جوية مكثفة على:

1)مفاعل نطنز وفوردو لتخصيب اليورانيوم.

2)منشآت تطوير الصواريخ الباليستية.

كما جرى الاستعانة بالعملاء لتنفيذ عمليات تخريبية داخلية.

التأثير المتوقع:

أ)تأخير البرنامج النووي الإيراني 5-10 سنوات على الأقل.

ب)تقليص الترسانة الصاروخية الإيرانية.

المرحلة الثالثة: شل البنية التحتية (الحلقة الثالثة)

الهدف تقويض النظام وقدرته على الصمود عبر: ضرب محطات الكهرباء الرئيسية، وتعطيل شبكات الاتصالات والإنترنت هجمات إلكترونية على البنى التحتية، وتدمير منشآت النفط والغاز ومنشآت التصدير.

التأثير المتوقع:

أ)شلل جزئي في الحياة اليومية، مما يزيد السخط الشعبي.

ب)أزمة اقتصادية حادة انخفاض إيرادات النفط، تضخم، بطالة.

المرحلة الرابعة: الضغط على السكان (الحلقة الرابعة)

والهدف تقويض شرعية النظام الإسلامي عبر تنظيم حملات إعلامية ونفسية تُظهر عجز الحكومة عن الحماية، وتعطيل خدمات أساسية (مياه، كهرباء) في المدن الكبرى لتحريض الناس على الاحتجاجات، ودعم المنظمات الإرهابية الإنفصالية (منافقي خلق وغيرهم) لنشر الفوضى الداخلية.

التأثير المتوقع:

أ)تصاعد الاحتجاجات وأعمال الشغب كما حصل عامي 2019 و2022.

ب)تآكل الدعم الشعبي للقوات المسلحة الإيرانية.

المرحلة الخامسة: عزل القوات الميدانية (الحلقة الخارجية)

والهدف هو منع القوات المسلحة الإيرانية من الرد عبر: توجيه ضربات جوية على قواعد حرس الثورة الإسلامية، وإغراق شبكات الدفاع الجوي باستخدام طائرات "F-35" الشبحية، وتدمير مخازن الصواريخ الباليستية قبل إطلاقها.

التأثير المتوقع:

أ)تقليص قدرة إيران على الرد الصاروخي ضد إسرائيل.

ب)إرغام إيران على الدخول في مفاوضات لتجنب الانهيار الكامل.

آليات التنفيذ والتكتيكات المستخدمة

1)الضربات الجوية الدقيقة:

أ)استخدام طائرات F-35 لتجنب الرادارات الإيرانية.

ب)استخدام صواريخ "جيريكوالباليستية لضرب المنشآت تحت الأرض.

2)الحرب الإلكترونية: تعطيل أنظمة الدفاع الجوي الإيراني قبل الضربات.

3)العمليات السرية: قام عملاء الموساد بالتجسس وتنفيذ عمليات داخلية (اغتيال، استهداف منشآت حساسة، منظومات دفاع جوي، رادارات)، واستخدموا بشكل كبير وواسع طائرات الدرون الصغيرة (FPV).

فشل الحلقات الخمس مع إيران

لكن بعد 12 يوماً من بدء العدوان الإسرائيلي الأمريكي على إيران، وبعد قيام الولايات المتحدة الأمريكية بالمشاركة المباشرة فيه، عبر قصف منشأة فوردو النووية. انتهت العملية التي كان يُراد منها إسقاط النظام الإسلامي في إيران، أو أقله بالحد الأدنى إجبار الجمهورية الإسلامية على التراجع أو القبول بشروط تفاوضية، بالفشل الذريع والاستراتيجي الذي انعكست نتائجه على كل منطقة غربي آسيا.

خاصةً مع قيام الجمهورية الإسلامية في إيران لوحدها، ودون استخدام الكثير من الأوراق القوة، ودون تدخل أي حليف لها في المنطقة، من توجيه ضربات إستراتيجية نحو عمق الكيان وتدمير وضرب أهداف استراتيجية هامة لإسرائيل وما يضاف عليها من تأثيرات نفسية على حكومة الإحتلال والمستوطنين. كما استطاعت إيران وللمرة الثانية تحدّي الغطرسة الأمريكية بشكل مباشر وغير مسبوق (على صعيد كل دول العالم)، من خلال تنفيذ ردّ صاروخي قوي على العدوان الأمريكي باستهداف قاعدة العديد في قطر. كل هذه التطوّرات دفعت الإدارة الأمريكية الى الإعلان عن وقف إطلاق نار، كانت الجولات الأخيرة للصراع فيه من تنفيذ إيران.





روزنامة المحور