الجمعة 22 آب , 2025 03:49

قتيبة الإدلبي: وجه استسلامي للسياسة السورية

قتيبة الإدلبي مسؤول الملف الأميركي في الخارجية السورية

استلم قتيبة الإدلبي منذ أيار/مايو 2025 إدارة الشؤون الأميركية في وزارة الخارجية السورية، بعد تولي أحمد الشرع (الجولاني) السلطة. وكان الإدلبي فيما مضى مسجوناً بتهمة "الإساءة لبلاده". وحين خرج من السجن تابع دراسته وحصل على إجازة في العلوم السياسية من جامعة كولومبيا عام 2020. قضى الإدلبي عدة سنوات في الولايات المتحدة. وعمل زميلاً في المركز الدولي للعدالة الانتقالية، وانخرط في مشاريع بحثية ممولة من مؤسسات أميركية مثل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وقيادة العمليات الخاصة الأميركية كما شارك في تأسيس منظمة "الشعب يريد التغيير" التي أدارت برامج في سوريا تحت شعارات "السلام" و"الحوكمة."

ارتباطه بالولايات المتحدة

بعد تعيينه في منصبه الجديد، غرّد الإدلبي كاشفاً عن لقاء جمعه مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، حيث طرح أولوياته: رفع العقوبات عن سوريا عبر أطر قانونية تسمح بالاستثمار الغربي، إعادة افتتاح السفارة الأميركية في دمشق، رسم خريطة طريق دستورية بإشراف دولي، ودعم آليات العدالة الانتقالية. هذه البنود الذي قال الإدلبي أنها من أولوياته تكشف رؤيته لأميركا وأنه يرغب في أن يكون لها إشراف وعمل مباشر في سوريا. كما يكشف حجم أعماله السابقة ارتباطه الوثيق بعدة منظمات وجهات أميركية وكذلك تغريداته.

الموقف من "إسرائيل"

الأكثر إشكالية هو موقف الإدلبي من اللقاء العلني الذي جرى في باريس بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر. حيث قدّم الإدلبي اللقاء باعتباره خطوة لتجنّب التصعيد مع "إسرائيل". بكلمات أخرى، هو يرى أنّ من الحكمة القبول بالاحتلال، والتغاضي عن جرائمه، فقط حتى "لا نخسر أكثر لأنه لا يمكن لسوريا مواجهة سياسة إسرائيل".

هذا المنطق ليس جديداً؛ هو نفسه الذي بُنيت عليه اتفاقيات "كامب ديفيد" و"أوسلو": "إسرائيل أمر واقع، والواجب هو التعايش معها لا مواجهتها". لكن التجارب أثبتت أنّ التطبيع لم يجلب لا أمناً ولا استقراراً، على عكس ما يطمح إليه الإدلبي بل زاد التبعية وأضعف الموقف العربي. فهل يُعقل أن يُبنى مستقبل سوريا على المعادلة نفسها؟

تناقض مع الشارع

الاستطلاعات الداخلية في سوريا أوضحت أنّ 77% من السوريين يعتبرون "إسرائيل" الخطر الأكبر على بلادهم. هذه النسبة تكفي لتظهر حجم الفجوة بين خطاب الإدلبي والشارع السوري. فبينما يرى العالم جرائم الاحتلال في قطاع غزة ويسمع السوريون القصف المتكرر على دمشق، يخرج "ديبلوماسي" ليبرر اللقاءات مع الإسرائيليين على أنّها "خطوات واقعية".

يُسوَّق الإدلبي على أنه دبلوماسي بوجه مدني وأكاديمي، قادر على مخاطبة الغرب بلغة يفهمها. لكن في العمق، ما يطرحه لا يتجاوز كونه ترديداً لشروط واشنطن وضمانات أمن "إسرائيل". العدالة الانتقالية التي يتحدث عنها تتحوّل إلى غطاء لإعادة ترتيب السلطة بما يتوافق مع مصالح الخارج، والتطبيع يُقدَّم كضرورة لتفادي الحروب، بينما تُهمَّش القضايا الجوهرية وتباع أراضي الجولان للاحتلال وكذلك القضية الفلسطينية.

يقود الإدلبي خطاب التكيّف مع الضغوط الأميركية والإسرائيلية. وإذا ما استمرت هذه المقاربة، فإنها ستقود سوريا إلى فقدان هويتها وتحويلها إلى ساحة تابعة ضمن نظام إقليمي ترعاه تل أبيب. إن الدول وفي طور بناءها -كما يدعي حاشية الشرع- لا يمكن أن تُبنى على الاستسلام ولا على قبول الاحتلال، بل على الدفاع عن السيادة، وهو ما يتناقض جذرياً مع ما يطرحه الإدلبي وما يطرحه غيره في السلطة السورية الجديدة.


الكاتب: غرفة التحرير




روزنامة المحور