تواجه الإدارة السورية الجديدة ضغوطاً خارجية متواصلة للتأثير في تموضعها السياسي وإدارة منظومة علاقاتها الإقليمية والدولية، وفي التعامل مع ملفات داخلية ضاغطة، في المقدمة منها، الأقليات الدينية والإثنية والطائفية والمرأة ومناهج التعليم. حيث رهنت الأطراف الخارجية موقفها من النظام السياسي الجديد ومدى انفتاحها عليه سياسياً واقتصادياً بخياراته وتوجهاته في التعامل مع تلك الملفات، وبمدى استجابته لشروطها ومطالبها. وبدا واضحاً أن موقف القيادة السورية الجديدة من إدارة العلاقة مع الكيان الصهيوني واستعدادها للانفتاح عليه، يشكّل محور ارتكاز مهم في حسابات الإدارة الأمريكية والعديد من الأطراف الأوروبية، لتحديد خياراتها المستقبلية في التعامل مع الواقع الجديد في سورية.
تناقش الدراسة من إصدار مركز الزيتونة للدراسات، المرفقة أدناه، كيفية إدارة القيادة السورية الجديدة لعلاقتها مع إسرائيل وسط مزيج من الضغوط والمحفزات السياسية والاقتصادية والأمنية.
بعد سقوط النظام السابق، واجهت سوريا انفتاحًا دبلوماسيًا ملحوظًا من دول عربية وغربية، إلى جانب خطوات تحفيزية مثل رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية، شطب "هيئة تحرير الشام" من قوائم الإرهاب، وتوقيع اتفاقيات اقتصادية بمليارات الدولارات مع السعودية والإمارات. في المقابل، واصلت إسرائيل عملياتها العسكرية داخل سوريا، مبررة تدخلها بحماية الأقليات، خصوصًا الطائفة الدرزية.
استجابات دمشق جاءت حذرة، إذ بدأت بقنوات اتصال خلفية مع إسرائيل ثم تحولت إلى لقاءات أمنية مباشرة وعلنية، هدفها احتواء التصعيد وتجنب مواجهة عسكرية، مع تجنب الخوض في ملفات سياسية أو اقتصادية. هذا الانفتاح الأمني ترافق مع إدراك دولي وإقليمي بأن الموقف السوري من إسرائيل هو مفتاح لانفتاح الغرب على دمشق.
تطرح الورقة أربعة سيناريوهات أمام صانع القرار السوري:
- قلب الطاولة ورفض الضغوط مع التمسك بالثوابت الوطنية.
- التكيّف الإيجابي والممانعة المحسوبة مع تفعيل عناصر القوة الذاتية.
- الانفتاح المتدرج على إسرائيل لتجاوز الأزمات السياسية والاقتصادية.
- التطبيع الواسع والالتحاق بالاتفاقيات الإبراهيمية.
ترجّح الدراسة بقاء السياسة السورية بين الخيارين الثاني والثالث، مع استبعاد التطبيع الشامل أو الرفض المطلق، نظرًا للمحفزات والعوائق المحيطة. من أبرز العوامل الدافعة للانفتاح: البحث عن شرعية دولية، تجاوز التحديات الأمنية الداخلية، رفع العقوبات، الموقف التركي والعربي المشجع، والحاجة للدعم المالي. أما العوائق فتشمل الرفض الشعبي العارم للتطبيع، الخلفية السياسية الإسلامية للنظام، السلوك العدواني الإسرائيلي، وتجارب الدول العربية السابقة التي لم تستفد من التطبيع.
في التوصيات، تدعو الورقة القيادة السورية إلى التمسك بالممانعة المحسوبة، استثمار التأييد الشعبي لفلسطين كخط أحمر ضد التطبيع، وتوظيف عناصر القوة السياسية والأمنية لتفادي الانجرار وراء الضغوط الخارجية، مع التحذير من أن الاستجابة الكاملة لهذه الضغوط لن توقفها بل ستزيدها، وأن الموقف الصلب يمكن أن يحقق نتائج أفضل ويحافظ على مكانة سوريا ودورها الإقليمي.
لتحميل الدراسة من هنا
المصدر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات
الكاتب: أ. عاطف الجولاني