أحدث مسلسل "معاوية بن أبي سفيان" جدلًا واسعًا قبل عرضه المقرر في شهر رمضان المبارك، والذي يأتي في توقيت مشبوه، بعد التطورات الأخيرة التي شهدتها المنطقة بشكل عام والساحة الفلسطينية بشكل خاص، حيث توحدت حركات المقاومة، السنية والشيعية في معركة "طوفان الأقصى" ضد العدو الإسرائيلي وإختلطت دماء الشهداء في جبهات المقاومة، من فلسطين الى لبنان فسوريا والعراق، وصولا الى إيران ومروراً باليمن. هذا الحدث التاريخي شكّل نموذجًا فريدا للوحدة الإسلامية، حيث قاتل المقاومون من مختلف التوجهات الدينية جنبًا إلى جنب، في رسالة واضحة بأن القضية الفلسطينية فوق أي انقسامات مذهبية أو طائفية.
لكن في المقابل، يأتي هذا المسلسل ليعيد إحياء الخلافات الطائفية، مما يثير تساؤلات حول توقيت عرضه ودوافع إنتاجه. فبينما تسعى الشعوب المسلمة إلى تجاوز الصراعات الداخلية والتركيز على القضايا الكبرى، يظهر عمل درامي يتناول مرحلة حساسة من التاريخ الإسلامي قد تؤدي إلى تأجيج الفتنة وإعادة الشرخ بين السنة والشيعة والذي نجح طوفان الأقصى في تفكيكه.
يواجه المسلسل اعتراضات واسعة من المؤسسات الدينية، وعلى رأسهم الأزهر الذي أعلن موقفًا صارمًا ضد عرضه، مؤكدًا أن تجسيد شخصيات الصحابة غير جائز شرعًا، لما قد يترتب عليه من إساءة لصورتهم أو تأويلات خاطئة حول سيرتهم. كما دعا عدد من العلماء والمفكرين إلى مقاطعته، محذرين من أنه قد يعزز الانقسامات بدلاً من تقديم قراءة موضوعية للتاريخ.
فيما يرى ناقدون أن إنتاج مثل هذه الأعمال في هذه الفترة يعكس رغبة في توجيه الاهتمام بعيدًا عن وحدة الصف الإسلامي التي تجلت في معركة "طوفان الأقصى"، واستبدالها بإحياء خلافات تاريخية تُستخدم كأداة لإضعاف الأمة. فبدلًا من استثمار الفن والدراما في توحيد الشعوب وتعزيز الوعي، يتم إنتاج أعمال قد تؤدي إلى إذكاء نيران الطائفية، وهو ما يخدم مصالح أطراف تسعى إلى إبقاء المسلمين منقسمين.
ومن غير المستغرب أن تكون المملكة العربية السعودية هي الجهة التي تقف خلف إنتاج هذا المسلسل، فهي لطالما لعبت دورًا بارزًا في إثارة الشبهات وإذكاء الخلافات بين السنة والشيعة، سواء عبر الإعلام أو الخطاب الديني الرسمي. فلطالما استخدمت الرياض منصاتها الإعلامية الكبرى، وصحفها الناطقة بالإنجليزية، في تقديم خطاب يُركز على الانقسامات الطائفية داخل العالم الإسلامي، مستهدفة بذلك إيران وحلفاءها، وتصوير كل تقارب بين السنة والشيعة على أنه تهديد لمصالحها. مما أسهم في تعزيز الكراهية والانقسام داخل المجتمعات الإسلامية. وبالتالي، فإن إنتاج مسلسل معاوية، بتمويل سعودي ضخم، لا يمكن فصله عن هذا السياق، خاصة أنه يأتي في وقت تشهد فيه المنطقة تطورات حساسة، أبرزها تقارب القوى السنية والشيعية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما لا يتناسب مع الأجندة السعودية التي طالما سعت للحفاظ على حالة العداء بين الطرفين.
في حين أن توقيت إنتاج وعرض هذا المسلسل لا يبدو عشوائيًا، بل يخدم أجندات محددة ومعدة مسبقاً، تهدف إلى:
- تحويل الأنظار عن وحدة المسلمين التي برزت في طوفان الأقصى، وإعادة توجيه النقاش نحو صراعات مذهبية قديمة.
-خلق شرخ جديد بين السنة والشيعة في وقت تحاول فيه بعض القوى الإقليمية توحيد الصفوف لمواجهة المخاطر المشتركة.
-خدمة مشاريع التطبيع مع الكيان الصهيوني، عبر تفكيك الجبهة الإسلامية وإشغال المسلمين بصراعات داخلية.
ختاماً، إن التحدي الأكبر الذي يواجه الأمة الإسلامية اليوم ليس خلافات الماضي، بل المخططات التي تهدف إلى تمزيقها وإشغالها بصراعات داخلية تصرف الأنظار عن العدو الحقيقي. لقد أثبتت معركة طوفان الأقصى أن وحدة المسلمين ممكنة وضرورية، وأن السنة والشيعة قادرون على تجاوز خلافاتهم التاريخية عندما يكون الهدف أسمى وأعظم، وهو مواجهة الاحتلال الإسرائيلي والدفاع عن مقدسات الأمة.
لذلك، فإن الوعي هو السلاح الأهم في هذه المرحلة، فلا يجب السماح لأي جهة أن تستغل التاريخ لإحياء الفتنة، أو أن تفرق بين المسلمين في وقت هم أحوج فيه إلى الوحدة والتكاتف. إن مواجهة إسرائيل تتطلب صفًا واحدًا،، وإرادة صلبة، ولن تتحقق هذه الوحدة إلا إذا أدرك المسلمون أن قوتهم في تلاحمهم، لا في خلافاتهم.
الكاتب: غرفة التحرير