الثلاثاء 07 كانون الثاني , 2025 07:19

اليوم الحادي والستون؛ المقاومة والاستراتيجية اليمنية

إن متابعة التطورات الميدانية منذ سريان وقف إطلاق النار في الجبهة الشمالية لمدة شهرين وحتى الآن، تشير إلى انتهاكه مراراً وتكراراً من قبل نظام الاحتلال (أكثر من 1200 خرق)، واستمرار الاعتداءات على المدنيين، والتي أدّت إلى استشهاد وجرح نحو 90 من سكان المناطق الجنوبية؛ والاحتلال العسكري لبعض قرى الحافة الأمامية في جنوب لبنان؛ وتدمير المنازل والطرق، وعدم الانسحاب من نصف القرى التي دخلها الاحتلال. فيما تصريحات المسؤولين الصهاينة العسكريين والسياسيين، تشير إلى احتمال عودة التوتر في هذه المنطقة لا سيما إذا تجاوز الاحتلال مهلة ال60 يوما ولم يكمل انسحابه من الأراضي اللبنانية المحتلة.

خلال هذه الفترة كانت الهدنة هشة، وقوبلت ذات مرة برد عسكري من قبل المقاومة، فيما شهدت أوضاع الأطراف الأخرى في محور المقاومة تغيرات جوهرية؛ سوريا هي النموذج المثالي. فبعد يوم واحد من إعلان وقف إطلاق النار، دخلت سوريا في أزمة عميقة، وخلال عشرة أيام فقط، حدث الانهيار السياسي ودخول المجموعات المسلحة إلى دمشق دون أي مقاومة من جيش النظام الذي فقد الحافز للقتال. وكانت نهاية حكم عائلة الأسد لهذا البلد.

كانت سوريا قناة دعم رئيسية للمقاومة وإحدى طرق إمدادها بالسلاح، ما سيترك تأثيره على مسارات دعمها وتقليصها.

وفي العراق، اضطرت المقاومة الإسلامية إلى وقف هجماتها الصاروخية والطائرات المسيرة ضد الكيان الإسرائيلي، إثر ضغوط خارجية وبخاصة من الولايات المتحدة الأميركية، وبعد اتفاق سياسي بين الولايات المتحدة والدولة العراقية، فيما اتفقت الحكومة وقوات الحشد الشعبي، أن أي عمل عسكري يجب أن يتم بالتنسيق مع القيادة العامة للقوات المسلحة لهذا البلد.

بدورها، الجمهوریة الإسلامیة التي تواجه أزمة ارتفاع سعر الدولار الأميركي واختلال توازن الطاقة وقضايا داخلية، وتستعد لمواجهة الضغوط القصوى من قبل الإدارة الأميركية المقبلة، والتي سترافقها أوروبا أيضًا، تركز على خيار المفاوضات السياسية المحتملة غير المباشرة مع الولايات المتحدة، وقد ضعت خيار الدبلوماسية كأولوية لها، وبدأت نشاطها الدبلوماسي مع الصين وروسيا والهند من أجل خلق نوع من التوازن في مجال السياسة الخارجية بين الشرق والغرب، ونظراً للتغيرات السريعة والجذرية التي شهدتها المنطقة لا سيما في سوريا، فلا يتوقع  أن تكون لدى طهران هامش أو مروحة واسعة من الحركة، وهي تتخذ موقفاً دفاعياً تتحضر فيه لأي عدوان إسرائيلي بمساعدة أمريكية على أراضيها.

أما اليمن کان استثناءً، حيث واصل الجيش وأنصار الله، استهداف المنشآت الأمنية والعسكرية والبنية التحتية في الكيان، بالصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة لدرجة أنه حتى بعد الهجمات الأخيرة التي شنتها المقاتلات الإسرائيلية على ميناء الحديدة ومنشآت الطاقة الكهربائية، زادت الهجمات من زخمها وأطلقت صواريخ هایبرسونیک، وما زالت ثابتة في المسار الذي بدأته في دعم وإسناد المظلومین في غزة.

إن مواكبة المجتمع والناس لإرادة الحكام كانت أحد أسرار نجاح أنصار الله في جبهة الإسناد ودعم غزة والثبات في المواجهة مع الكيان، حيث يحتشد ملايين اليمنيين كل يوم جمعة منذ 15 شهرا دعما للجيش ونصرة لغزة وفلسطين.

وبالنظر إلى احتمال تجدد المواجهات بين جيش الاحتلال والمقاومة الإسلامية في لبنان، يبدو أن القيادة السياسية والعسكرية في حزب الله قد أعدّت العدة لأي تطور على الساحة الجنوبية، ووفق الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، فإن هناك مؤشرات واضحة على جاهزية المقاومة للدخول في مرحلة جديدة من الحرب. لا سيما في اليوم التالي (الحادي والستين) أي بعد انقضاء الهدنة المقررة.

انطلاقاً من ذلك، ونظراً للجمود الجيوسياسي الذي حصل إثر التطورات الأخيرة في سوريا وتأثيرها على حزب الله، قد يلجأ الحزب الى استراتيجية جديدة مستفيداً من النموذج اليمني الذي هو بمثابة استراتيجية ناجحة تمكنت من إنشاء نوع من التوازن والردع لممارسات العدو واعتداءاته. لقد انتصر اليمن وتصدى للعدو من خلال استراتيجية هجومية، كما يبدو أن مستوى ونوعية نشاط سائر قوى المقاومة الأخرى قد يختلف باختلاف ظروف الحرب والتطورات الإقليمية والدولية.

خلال الحرب الأخيرة، وعلى الرغم من أن الكيان الصهيوني، اعتمد على التفوق الجوي المطلق واستخدم أنظمة دفاع باهظة الثمن، نجح في إلحاق قدر كبير من الضرر في لبنان وغزة، وقام باغتيال قادة بارزين في المقاومة، لكن الحرب الميدانية والبرية أظهرت عدم كفاءة الكيان وضعفه، حيث قتل وجرح أكثر من 1000 ضابط وجندي إسرائيلي في الشهر الأول من المواجهة البرية مع لبنان، هذا ما سمحت بنشره الرقابة العسكرية الإسرائيلية، وثمة شكوك جدية حول هذه الأعداد التي قد تصل الى أضعافها على أقل تقدير. هذا النوع من الأخبار، إلى جانب الأدلة الأخرى المتوفرة، مثل استمرار الضربات القاتلة التي يشنها مجاهدو المقاومة في شمال غزة على تجمعات القوات الاسرائيلية والمنشآت العسكرية. تشير الى ضعف واضح وعدم فعالية هذا الجيش في الحروب البرية مع المقاومة.

وبناء على ما ورد في وصف الوضع الميداني في أي مواجهة جديدة ومحتملة، فمن المتوقع أن نشهد تكرار النمط اليمني في الجبهة الجنوبية للبنان، أو في حال ردت المقاومة على الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة لاتفاق وقف اطلاق النار؛ لذا وفي حال تجدد التوتر، فإن خيار المقاومة سيركز على الاستخدام الذكي لأسلحتها الاستراتيجية لخلق توازن الرعب، بالتزامن مع تكثيف الضغوط من قبل أنصار الله اليمينة، وارتفاع وتيرة عمليات المقاومة في غزة، وستكون تكلفة أي مغامرة جديدة لكيان الاحتلال بخرق الاتفاق ورفض قبول شروط وقف إطلاق النار كبيرة وستزداد بشكل مضطرد.

 بطبيعة الحال فإن منطق المقاومة ليس التصعيد أو تأجيج الصراع فهي في موضع الدفاع عن النفس، لكن طبيعة إسرائيل العدوانية والإجرامية والعنصرية لا يمكن احتواؤها إلا بمنطق القوة، وقوة المقاومة.

 بحسب التاريخ، لم يدخل الكيان الصهيوني إلى طاولة المفاوضات السياسية، ولم يقدم تنازلات الا بفعل القوة وصمود المقاومة. لهذا تبقى المقاومة والقوة هي الخيار الذي يمكن أن يردع إسرائيل ويمنع شرها عن المنطقة.


الكاتب:

محمد محمودي كيا

كاتب وباحث سياسي من إيران.
عضو الهيئة الأكاديمية لمعهد الإمام الخميني (رض) والثورة الإسلامية.




روزنامة المحور