شهدت الحقبة التي تلت أحداث درعا بعد 18آذار/ مايو 2011 إرتفاعاً كبيراً وملحوظاً في حجم التدخل الاسرائيلي في سوريا والذي بدأ سرياً وخجولاً في الاعوام الثلاثة الاولى، وافرج عن وجهه الحقيقي بعد شهر كانون الثاني عام 2014 عندما بدأ كيان الاحتلال بدعم عملاءه في محافظات الجنوب وخصوصاً في القنيطرة ودرعا والجولان المحررة وجنوب غرب محافظة ريف دمشق...
بما أن البرنامج الاسرائيلي المباشر في جنوب سوريا قد تم تجميده 6 سنوات منذ العام 2018 وحتى العام 2024، حيث عاود النشاط بكثافة في الاشهر الثلاثة الماضية عندما أعادت إسرائيل بث الروح فيه من جديد بعد عملية طوفان الاقصى مباشرة. فإن تحليل البرنامج الاستخباري في جنوب سوريا وفي سوريا عموماً يبقى موضوعًا حساسًا ومعقدًا، نظرًا لطبيعته السرية وتضارب المعلومات المتاحة بشأنه. ومع ذلك، وبناءً على المعلومات العلنية المتوفرة، يمكن بأسلوب تحليل المضمون استخلاص معطيات مهمة ودقيقة حول العمل الاسرائيلي في سوريا، وتحديدًا في الجنوب.
الأهداف الرئيسية للاستخبارات الإسرائيلية في سوريا:
يعتبر جمع المعلومات الاستخبارية حول تحركات ونشاطات إيران وحزب الله في سوريا، وتحديد مواقع وجودهم ونشاطاتهم العسكرية، ورصد عمليات نقل الأسلحة وتطويرها، وفهم استراتيجيتهم في المنطقة، من ضمن الاهداف الرئيسية للعمليات الاستخبارية الاسرائيلية في الجنوب السوري خصوصاً ومعظم سوريا عموماً. إلا أن العمل في الجنوب يتميز بعناصر خاصة بسبب التماس بين الجنوب السوري ومنطقة الجولان السورية المحتلة، والذي يعتبره العدو ثغرة ونقطة ضعف في المنطقة التي تعتبرها إسرائيل من أهم مناطق التجسس الاسرائيلية ومركز شبكات الانذار المبكر الاكثر تطوراً وحساسية في شمال فلسطين المحتلة.
لذا فإنها أولت عناية خاصة بعد بداية الاحداث لرصد تطور وجود الايراني ووجود حزب الله في تلك المنطقة وتعاملت معه بقلق وسخرت له ما يمكنها من تكنولوجيا ومن عناصر استخبارية لابقائه تحت المجهر. إضافة إلى هذه المخاوف تعتبر اسرائيل أن منطقة الجنوب هي منطقة رئيسية للاعمال التي تساعد منظومة أمن العدو على اكتشاف وتحديد التهديدات المحتملة لأمن إسرائيل من قبل هذه الجهات الفاعلة، وتقييم قدراتهم العسكرية ونواياهم، وتوقع تحركاتهم المستقبلية. وثمة أهداف أخرى يمكن تحديدها للعمل الامني الاستخباراتي الصهيوني في المنطقة وهي:
-تحديد الأهداف: تحديد الأهداف المحتملة للضربات الجوية الإسرائيلية، وتوفير معلومات دقيقة حول مواقع الأسلحة والمنشآت العسكرية التابعة لإيران وحزب الله.
-بناء شبكات محلية: تجنيد وتدريب عملاء محليين داخل سوريا لتوفير معلومات استخباراتية من الأرض، ورصد الأوضاع على الحدود، وتنفيذ عمليات محددة.
-دعم جماعات معارضة مختارة: تقديم الدعم المالي واللوجستي وحتى العسكري لمجموعات معارضة معينة، بهدف خلق منطقة عازلة على طول الحدود، وجمع معلومات استخباراتية، وعرقلة تقدم قوات النظام والميليشيات الشيعية.
الدوافع الإسرائيلية:
لطالما كان الهدف الرئيسي لإسرائيل منذ العام 2011 هو منع إيران وحزب الله من ترسيخ وجودهما على طول حدودها مع سوريا. الذي ترى فيه تهديدًا أمنيًا رئيسيًا ومستمراً. لذا فهي سعت رغم المخاطر إلى إنشاء منطقة نفوذ على طول حدودها مع سوريا تتحكم فيها جماعات متمردة مسلحة، بهدف ضمان أمن حدودها ومنع تسلل المقاتلين أو إطلاق الصواريخ.
وترى إسرائيل أن النفاذ إلى الحياة الاجتماعية لأهل المنطقة عبر المساعدات فرصة لتحسين صورتها وتغيير النظرة السلبية تجاهها مما يسهل لها فرص التخاطب مع الأهالي وبالتالي تجنيد من تراه مناسباً منهم، ويمكن تصنيف المعلومات المتعلقة بالتعاون الإسرائيلي مع بعض السكان في جنوب سوريا (القنيطرة، درعا، الجولان) على النحو التالي:
أسلوب العمل الإسرائيلي في تلك المنطقة:
-استغلال الفوضى: استغلال حالة الحرب والفراغ الأمني لخلق نفوذ وتجنيد عملاء.
-اللعب على التناقضات: دعم فصائل مختلفة، حتى تلك المتناحرة، للحفاظ على حالة الاقتتال الداخلي ومنع أي طرف من السيطرة الكاملة.
-التركيز على المناطق الحدودية: خلق منطقة عازلة على طول الحدود مع الجولان المحتل، والعمل على إبعاد الجيش السوري وإيران وحزب الله.
-استخدام الواجهات الإنسانية: تقديم المساعدات الإنسانية كغطاء للنشاطات الأخرى، ولتحسين صورة إسرائيل لدى السكان المحليين.
-التنسيق مع قوى إقليمية ودولية: التعاون مع الولايات المتحدة والأردن وروسيا في بعض الملفات.
-العمل من خلال وسطاء: استخدام ضباط ارتباط وعملاء محليين لإدارة العمليات وتجنيد المسلحين