استهدفت طائرات الاحتلال الاسرائيلي فروع جمعية القرض الحسن في مناطق مختلفة على امتداد الجغرافية اللبنانية في تصعيد ينتقل به الكيان إلى مرحلة أخرى من عدوانه، يريد بها، الضغط على رئيس مجلس النواب قبل لقائه المبعوث الاميركي، واستهداف المجتمع اللبناني بمختلف أطيافه، ذلك لأن الجمعية "مفتوحة أمام الجميع" من مختلف الطوائف والمرجعيات السياسية وليست حكراً على الطائفة الشيعية. في حين أن الهدف الذي أعلنه الناطق باسم جيش الاحتلال أي "ضرب الجمعية التي تشارك في تمويل النشاطات الارهابية" ما هو إلا ادعاءات غبية توقّعها مؤسسو الجمعية -ذلك لأنها ضربت عام 2006- وتم انقاذ كافة الودائع دون أن يكون للضربات اي مفاعيل، بحسب ما أكد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب إيهاب حمادة "نقول للمودعين في القرض الحسن إنكم لم تخسروا قرشاً واحداً".
لهذا العدوان سياق سياسي ملاصق للمخطط الأميركي الذي أرسل مبعوثه عاموس هوكشتاين للقاء دولة الرئيس نبيه بري، اذ يأتي ضمن إطار "الضغط بالنار" للدفع قدماً بالوصفة الاسرائيلية والتي تتضمن دون شك ضمان حرية العمل لآلة القتل الاسرائيلية ليس فقط بالجنوب بل في مختلف المناطق، اضافة لاقامة منطقة عازلة بعمق 5 كيلومتر داخل الاراضي اللبنانية على الحدود الفلسطينية المحتلة، "لضمان عدم عودة حزب الله إلى الحدود"، -بحسب التسريبات الأولية لما يحمله هوكشتاين. على الرغم من ادراك الولايات المتحدة سلفاً بأن المقاومة سترفضها جملة وتفصيلاً.
عاش الحزب هذا الواقع عام 2006 وتعايش معه واستفاد بطريقة واعية من كل الثغرات، واذا كان خلال حرب تموز كان بعض الشكوك حول استهداف مباني الجمعية، فهو اليوم متأكد من أنها هدف الاحتلال الذي لا يميز بين البنى المدنية والأصول الاجتماعية وتلك العسكرية. وفي والوقت الذي أكد فيه عدد من المستفيدين من القرض عام 2006 في تصريح لموقع "الخنادق"، أن الذهب المودع لدى القرض الحسن قد أعيد إليهم ولم يخسروا اي من ودائعهم المالية، يطمئن المودعون اليوم على أن ودائعهم بخير ولم تمس، بعد أن أفرغت كل الفروع من محتوياتها منذ بدء الحرب.
والقرض الحسن هو جمعية اجتماعية خيرية لا تهدف للربح وتسعى إلى "إحياء سنة القرض الحسن في المجتمع" وتعتمد مصادر تمويلها على "حسابات مساهمة وتبرعات وإيداعات مالية". وفي بيان توضيحي في 16 كانون الثاني/ يناير عام 2023، أكدت الجمعية أن "عملها ذو طابع خيري اجتماعي، وليست مصرفاً، وانما هي جمعية تستقطب المساهمات من أهل الخير وتعطيها قروضاً بدون فوائد لكل الناس المحتاجين ولآجال ميسرة". مشددة على أنها "تقدم القروض لكل اللبنانيين والمقيمين على الاراضي اللبنانية، دون تفرقة بسبب الدين أو المذهب أو الانتماء السياسي".
طيلة سنوات، لمس اللبنانيون هذا الأمر في تعاملاتهم مع الجمعية. حتى كان اللقاء الذي يجمع اللبنانيين من مختلف الطوائف في الفروع أمراً روتينياً عادياً. وللمفارقة، أنه تم العثور على اوراق ومستندات قريبة من بعض الفروع التي تم قصفها خلال العدوان الاسرائيلي الأخير، تحمل أسماء من مختلف الطوائف، وقد نشر بعضها على مواقع التواصل الاجتماعي.
يجتهد كيان الاحتلال في ايجاد سبلاً لزرع فتيل الفتنة بين البيئة الحاضنة والمقاومة من جهة، وبين أطياف المجتمع من جهة أخرى. غير أن هذه الجمعية تحديداً، أثبتت للمودعين خلال سنوات، أنها جديرة بالثقة. حتى باتت الملاذ الأخير للبنانيين بعد أن سرقت أموالهم من البنوك. في حين أن حزب الله، الذي يواجه حرباً بمختلف الوسائل –للدفاع عن لبنان، كل لبنان- لا يزال جديراً بالثقة. وسيكتشف الاحتلال وداعميه بعد فترة وجيزة بأنه أخطأ الحساب، اذ أن اعادة الاموال للمودعين –مثلاً- بعد انتهاء الحرب، رغم القصف الذي تعرضت له مؤسساته، سيولد فئة جامعة من مختلف اللبنانيين تؤيد خياره السياسي الداخلي أيضاً، ورؤيته لإدارة مؤسسات الدولة.