الخميس 25 أيلول , 2025 03:00

الحرب الحرجة: هل خدعت "إسرائيل" حزب الله؟

عناصر من حزب الله وجندي إسرائيلي

تعايش الكيان الاسرائيلي مع سقف "عتبة الحرب الشاملة" مع حزب الله لسنوات طويلة، ضمن قواعد اشتباك تضبط مستوى التصعيد. كان الأمين العام لحزب الله الراحل السيد حسن نصر الله قد كرر في خطاباته أن حزب الله نجح في ردع اسرائيل عن الأعمال العدائية الموسعة في لبنان، في حين كثر الحديث لدى العدو أن حزب الله نجح في فرض مفهومه للحرب على إسرائيل، ونتيجةً لهذا الظرف، اضطرت إسرائيل لتبني أساليبه في القتال، مثل المعركة بين الحروب، والعمل تحت عتبة الحرب والانضباط المحسوب في التصعيد.

مثّل ملف النفط والغاز في شرق المتوسط ذروة ساحات اختبار الردع بين حزب الله واسرائيل خلال السنوات الأخيرة، دخل حزب الله على خط التوازن بمعادلة واضحة وهي منع اسرائيل من استخراج الغاز قبل ضمان حقوق لبنان، وذلك عبر تهديدات مباشرة من الأمين العام السابق لحزب الله السيد حسن نصر الله وإرسال مسيرات فوق حقل كاريش عام 2022 في رسالة مزدوجة: القدرة على الوصول، والقرار بعدم التصعيد ما دام التفاوض قائمًا. في معادلة الغاز، اكتسب الردع صورة جديدة أعادت تعريفه ليشمل مضافاً إلى منع الحرب، فرض شروط في التفاوض على موارد استراتيجية، وبدأ الحديث عن بداية مرحلة يصبح فيها الاقتصاد والطاقة جزءً لا يتجزأ من معادلة الردع. في تلك المرحة كان السيد نصر الله يهدد بتجاوز قواعد الاشتباك إذ أعلن بتاريخ 29 اكتوبر تشرين الأول 2022، أنه "عندما تقتضي المصالح الوطنية الكبرى أن نتجاوز قواعد الاشتباك فلن نتردد في ذلك، ولو بلغ ما بلغ، ولو كان الذهاب إلى الحرب، فليحفظ العدوّ هذه القاعدة وهذه المعادلة، وهي ما عاشه بالتجربة الحقيقية خلال الأشهر القليلة الماضية".

حتى 3 تشرين الأول اكتوبر من العام 2023، أي قبل أيام من طوفان الأقصى، كان المسؤولون الإسرائيليون يؤكدون أن اسرائيل غير معنية بمواجهات عسكرية ولا حتى محدودة. إذ صرّح يومها مستشار نتنياهو السابق لشؤون الأمن القومي، مئير بن شبات "إن اسرائيل مهتمة بتجنب التصعيد ما لم يكن ضروريًا"، وكان وزير الأمن يؤاف غالانت في 28 أيلول سبتمبر 2023 قد صرّح "أننا لا نريد التصعيد ولا نطمح إلى الحرب"، وذلك في إطار حديثه عن مواجهة المقاومة في قطاع غزة. من جهته، حمّل نتنياهو -كعادته- في خطاباته الإعلامية مسؤولية تآكل الردع لحكومة بينيت ولابيد على خلفية توقيع اتفاق الغاز مع حزب الله. وتصريحات أخرى كثيرة وصفت حالة الردع في ربيع وصيف 2023.

هذا المشهد من تآكل الردع كما عبر عنه العدو، كان قد سبقه أيضًا عملية مجيدو في آذار 2023، ونصب الخيمتين في مزارع شبعا في حزيران يونيو 2023. وفي تلك الفترة ظهر مصطلح "وحدة الساحات" بشكل مكثّف، وبدأ العمل على تعزيز غرفة العمليات المشتركة في غزة. وعلى إثر ذلك، بدأ الحديث في القنوات العبرية عن احتمالية نشوب جولة قتالية متعددة الجبهات.

يمكن ملاحظة أنه قبل طوفان الأقصى بحوالي ثلاث سنوات كانت ذروة تطور المواجهة بين كيان العدوّ ومحور المقاومة. أوجد ذلك تداولًا جديدًا من الجانبين حول قضايا الردع. وهو تداول يعكس مدى التحول في موازين القوى وعناصر البيئة الاستراتيجية، وظهرت مفردات في توصيف حالة الردع جاءت على الشكل التالي: تآكل، تأرجح، تلاشي، تضرر، محدود، ضعف، تصدّع، تراجع، فقدان، وغيرها. ظهرت هذه المفردات في تصريحات القادة والناشطين في المستويين الإعلامي والسياسي، والأهم لدى المسؤولين الاستخباريين والقادة العسكريين في الكيان.

نتيجة لهذه الوقائع الميدانية وردود فعل العدو المتواضعة أمامها، والتي دعمتها التصريحات الاسرائيلية والحملات الإعلامية الخاصة بقضية الردع الإسرائيلي، أصبح لدى محور المقاومة تصورًا حول تردد العدو عن الدخول في معركة متعددة الساحات، وأن العدو خسر الحرية والمرونة في قرار الحرب وأنه عاجز عن شن الحرب الخاطفة، خاصة في ضوء انقلاب نتنياهو على القضاء الاسرائيلي والانقسامات الداخلية التي بلغت ذروتها في تلك الفترة.

 في المقابل، ظهرت إعلانات عن نوايا العدو للخطوات التي يمكن أن ينتهجها كردة فعل على التطورات التي فرضتها قوى المقاومة على الجبهات المتعددة، تمت قراءتها بشكل متواصل لدى أصحاب القرار السياسي في المحور، وظهرت في العديد من التقارير والأبحاث الصادرة عن المؤسسات البحثية التي تدور في فلك المحور منها على سبيل المثال لا الحصر ما ورد في "تقرير الردع" بتاريخ 12 تموز 2023، الصادر عن مركز الاتحاد للأبحاث والتطوير، أي قبل الطوفان بعدة أشهر، حول احتمالية إقدام العدو على تعزيز سياسة الاغتيالات والعمليات الأمنية سواء في الداخل الاسرائيلي أو في إحدى دول المحور، وكان احتمال الانجرار لجولة قتالية مع حزب الله لتصدير الأزمة الداخلية هو السيناريو الأكثر ترجيحًا، خاصة في ظل فشل القنوات الدبلوماسية في إزالة الخيمتين على الحدود، وبالتالي اندلاع مواجهة على الجبهة الشمالية بهدف استعادة صورة الردع الاسرائيلي.

في ظل هذا المشهد السياسي والميداني، حصلت عملية طوفان الأقصى في 7 اكتوبر 2023، التي دعا إثرها القائد العسكري لحركة حماس محمد الضيف المحور لدخول "حرب شاملة". صحيح أن السيد حسن نصرالله لطالما هدد العدو في خطاباته أن المحور في حالة جهوزية لـ "حرب كبرى"، لكنها غالبًا كانت مقترنة بحماية قواعد الإشتباك، والحال أنه كان يهدد بكسر قواعد الاشتباك لحماية قواعد الاشتباك، وهذا بمعنى خوض الحرب في حال فرضت على المقاومة. بتاريخ 3 يناير كانون الأول من عام 2023، في الذكرى السنوية لاغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، أعلن السيد نصر الله عن موقفه الواضح من ممارسات الحكومة اليمينية المتطرفة فيما يتعلق بالتعرض للمقدسات التي من شأنها أن "تفجر المنطقة" على حد تعبيره، وقال: "إذا كنتم لا تريدون حرباً ثانية في المنطقة أمام ما يجري في الحرب الروسية الأوكرانية فعليكم أن تكبحوا جماح هؤلاء المجانين، المتطرفين، المتشددين، في موضوع قواعد الاشتباك مع الحكومة الجديدة نحن نقول لهم نحن مستيقظون وحاضرون وحذرون ولن نسمح بأي تغيير لقواعد الاشتباك وموازين الرّدع مع لبنان بأي شكل من الأشكال... وهم على كُل حال شاهدونا قبل أشهر عندما كنا مستعدين في معركة الحدود البحرية والنفط والغاز أن نذهب إلى أبعد مكان، إلى أبعد مدى في المواجهة مع هذا العدو وهم كانوا يعلمون علم اليقين أننا كنا جاهزين وحاضرين لِذلك، لِذلك لن نتسامح مع أي تغيير في قواعد الاشتباك أو أي مسّ بما هو وضعٌ قائِمٌ على مستوى الحماية لِلبنان لِمقدراته وأمنه وسيادته".

ولم يكن متصوّرًا أن يخاطب العدو الذي ظهر ضعفه، بأقل من تهديده بوحدة الساحات، على أن وحدة الساحات هذه، ليس بالضرورة أن وظيفتها محصورة بالتزامن العملياتي المشترك للحرب الكبرى كما بدا للرأي العام، وليس من المتوقع أن العدو افترض أن تفعل ذلك المقاومة ابتداءً. فالتزامن العملياتي المشترك هو بمثابة خروج عن استراتيجية الحرب بالنقاط لدى المقاومة، التي تراهن على الزمن الطويل والتراكم، والتي كانت كافية إلى حدّ ما  أن تجعله يتخلى عن استراتيجيته فيما يسمية "الحروب الحاسمة" منذ حرب تموز 2006. والتي لم يكن ممكنًا أن يقوم بها، قبل تعطيل قدرة حزب الله على استخدام ترسانته الضخمة.

وانسجامًا مع استراتيجيته، دخل حزب الله حرب الإسناد ولكن ضمن قواعد اشتباك شكلت انحرافاً حاداً عن قواعد الردع السابقة. وخلال حوالي 11 شهرًا ظهر نمط جديد لدى العدو من الضربات الاستباقية المباغتة، ضمن تصعيد بطيء ومحدود النطاق. بدأ العدو بكسر معادلات الردع، وفي نفس الوقت كان يرسل تطمينات بإبقاء الصراع تحت العتبة، كي يبقي الحزب تحت وطأة الهجوم المفاجئ بحلول منتصف أيلول مع تنفيذ عملية تفجير أجهزة النداء البيجر. وقبل أن يلتقط الحزب أنفاسه، قام باغتيال قائد ركن العمليات في حزب الله ومؤسس قوة الرضوان إبراهيم عقيل مع مجموعة من قادة القوة، بدأت الحرب في 23 أيلول عندما دعت اسرائيل سكان الجنوب بإخلاء القرى والمناطق، وقامت بموجة من 1400 غارة جوية استهدفت قدرات المقاومة. وبعدها قامت باغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.

يمكنكم الاطلاع على الدراسة بالكامل من هنا


الكاتب:

زينب عقيل

- ماستر بحثي في علوم الإعلام والاتصال.

- دبلوم صحافة.

- دبلوم علوم اجتماعية. 




روزنامة المحور