دخلت حرب اليمن عامها السابع، ولا جديد يقدمه التحالف الدولي بقيادة واشنطن وأداته الأولى -الرياض- سوى الامعان أكثر في اطباق الحصار والضغط بالملف الإنساني، بعد فشله في تغيير شيء يذكر على أرض الميدان، بالمقابل فإن حركة وساطات دولية ودبلوماسية نشطة بين الطرفين للتوصل إلى اتفاق ينهي هذه الحرب. ولكن ما هي العوامل المساعدة لتسريع الوصول إلى هذا الاتفاق؟ وما هي العقبات؟
احتمالية توقف الحرب تعتمد في المقام الأول على إرادة الدول التي أطلقتها في العام 2015 وعلى رأسها الولايات المتحدة. حيث لا يبدو أن لدى المليشيات الممولة من دول العدوان وعلى رأسها حكومة هادي إرادة مؤثرة خارج هامش المناورة السياسية المتاحة لها من قبل رعاتها الإقليميين والدوليين.
مقدمة
تحتاج الولايات المتحدة لإقفال ملف الحرب على اليمن ولكنها تصطدم بثبات حكومة صنعاء على موقفها الرافض للتنازل عن المصالح الوطنية العليا وكذلك إصرارها على عدم إيقاف الحملة العسكرية التي تشنها لتحرير مأرب إضافة الى هذا الواقع هو مسألة الانابة الخارجية عن الأطراف اليمنية التابعة لحكومة عدن في المفاوضات، سواء كانت هذه الانابة اقليمية أو دولية. ما جعل المسألة أكثر تعقيدا لأن هذه الأطراف الخارجية تسعى لتحقيق أجندتها حتى على حساب أدواتها في الداخل اليمني.
انطلقت الولايات المتحدة من رؤيتها أن العمل لإحلال السلام يجب أن يجري من منظور يمن موحد تديره حكومة مركزية - يمكننا تسميتها بالخطة (أ). ولهذا المعطى أسبابه المعتبرة. كون الاستراتيجية المدمجة لوزارة الخارجية الامريكية تهدف الى اختراق البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى الثقافية والقيمية للدولة اليمنية.
ولكن بعد أن رأت الولايات المتحدة أنه لا يمكن إيقاف الحرب في نفس الوقت الذي لا تستطيع فيه فتح أي منفذ لحكومة صنعاء برفع الحصار كي لا تلتقط أنفاسها يبدو أن الولايات المتحدة سوف تعتمد مقاربة سياسية تكتيكية جديدة بخصوص الملف اليمني كجزء من استراتيجية جديدة يمكن أن نطلق عليها الخطة (ب)، تبتدئ بدعم حوار يمني - يمني بين حكومة صنعاء وحكومة عدن أو بالأحرى حكومات جنوب اليمن ضمن توجه سياسي لتقسيم اليمن بدون أن يكون واضحا هل هو تقسيم الى دولتين شمال وجنوب، أو تحويل نظامها السياسي الى فيدرالية من إقليمين أو أكثر. شمالي وجنوبي أو شمالي وإقليم جنوبي منقسم حسب خريطة نفوذ الدول الإقليمية في الجغرافيا اليمنية.
ولكن في متابعة لمراكز الفكر الأمريكية. هذه الخطة (ب) سوف تعتمد تطبيق البرامج الاستراتيجية المدمجة لوزارة الخارجية الامريكية بشكل موسع في الإقليم الجنوبي بالتحديد. وبنسبة أدنى في شمال اليمن الخاضع لحكومة صنعاء بما يخدم استراتيجيتهم بخلق مراكز قوى سياسية واقتصادية وجماهيرية موازية يمكن دمجها لاحقا بهدف خلق اضطرابات واحتجاجات تضعف السلطات في الشمال تمهيدا لإسقاطها.
تعرض هذه الورقة العوامل الكابحة: إضافة الى العوامل المساعدة على إيقاف الحرب على اليمن حتى يتمكن صانع القرار اليمني من التعرف على الاهداف الأساسية والدوافع الحقيقية خلف مطالب دول العدوان بتوقف الحرب على اليمن وحدود مناوراتهم الديبلوماسية إن كانت في مجال الضغوط أو المرونة، بالإضافة الى توضيح الكوابح التي تضطرهم الى تأخير إيقاف الحرب ولكن ليس الى وقت طويل، فالضغوط الشديدة التي تمارسها اللجان في الكونغرس بالإضافة الى الكثير من النواب الأمريكيين، ومراكز الفكر التي يقف خلفها جميعهم تقف مجموعات ضغط (لوبي) لشركات ومصالح اقتصادية كبرى تدفعهم لمطالبة الإدارة الامريكية وبإلحاح بإيجاد المخارج المناسبة لهذه الحرب.
أولا العوامل المساعدة:
1. العوامل الدولية:
-رغبة الإدارة الامريكية الملحة بإيقاف الحرب نظرا لحاجتها لتجميد ملفات المنطقة أو القبول بحل جزئي للخلافات القائمة فيها إن لم تستطع إنهائها لصالحها لاستكمال انتقال مواردها الى جنوب شرق آسيا.
-تعزيز أمن حوض البحر الأحمر، وإعادة انتشار القوات الامريكية في دول الخليج باتجاه قواعد جديدة على الساحل الغربي للسعودية بعيدا عن خطوط الصدع مع إيران على سواحل الخليج الفارسي.
-أطماع كارتيل النفط الأميركي في استخراج النفط من اليمن وسهولة تصديره عبر خليج عدن.
-تخطط المصارف الامريكية الكبرى لتمويل بمئات مليارات الدولارات (في كلا الاتجاهين للشركات الامريكية وحكومات المنطقة) لتحديث البنية التحتية في دول الخليج العربية بالتعاون مع شركات المقاولات والتكنولوجيا الامريكية في هذا العقد، بهدف نقل هذه الدول الى عصر ما بعد النفط بحلول العام 2030 وتسبب الحرب على اليمن بتقليص موازنات دول العدوان على وجه الخصوص وتعطيل هذه الاستثمارات. ما يجعل الاحتمالات الاقتصادية المستقبلية قاتمة لهذه الدول وقد يتسبب بانعدام استقرار حكم العائلات الملكية في دول الخليج العربية.
-ظهور احتياطات نفطية وغازية كبيرة في سواحل المتوسط الشرقية وشمال أفريقيا ما يمكّن دول الاتحاد الأوروبي من تقليص وارداتها من النفط المستخرج من دول الخليج الفارسي. الذي سوف يتسبب بانخفاض مداخيلها بشكل كبير. وحدوث اضطرابات شعبية واهتزاز شرعية دولة الرعاية المعتمدة على النفط ما يدق ناقوس الخطر في الولايات المتحدة وإسرائيل منذ الآن، لأن لهما مصلحة في بقاء هذه الأنظمة، لا سيما في المملكة العربية السعودية التي قد تقترب أهميتها كوكيل من مكانة "إسرائيل" بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية.
العوامل الإقليمية:
-الحاجة الإسرائيلية لتوحيد جهود الدول العربية المطبعة لا سيما الخليجية منها وخلق جبهة متكاملة في مواجهة إيران وحلفائها في غرب آسيا.
-انشاء بنية تحتية للمواصلات والنقل التجاري بين "إسرائيل" ودول الخليج العربية (ربط الموانئ الإسرائيلية بدول الخليج عبر إنشاء طرق وخطوط سكة حديدية حديثة) وجعل "إسرائيل" مركزا لكابلات الانترنت البحرية، وربط دول المنطقة وعلى رأسها دول الخليج بها بالإضافة لتشكيل بنية عسكرية موحدة بين "إسرائيل" والدول المطبعة لا سيما دول الخليج العربية ومع أن الحرب لا تمنع تشكيلها إلا أنها تتسبب في إبطاء تنفيذها بسبب قلة الموارد، والتركيز المتزايد على الحرب في اليمن وتعتبر المخاطر المتأتية عن الحرب على المشاريع المذكورة بسبب الصواريخ اليمنية، والخشية من تطورها لتصبح صواريخ نقطوية كما أن استمرار الحرب يعطل ويؤخر بشكل كبير تنفيذ جميع هذه المشاريع.
-الانهاك والاستنزاف الذي تعرضت له دول العدوان على كافة الصعد بسبب طول الحرب على اليمن.
-الحد من الدور الإقليمي لدول العدوان بسبب انشغالهم في حرب اليمن.
-انشغال دول العدوان في اليمن ترك وما زال فراغا أمنيا وسياسيا لإيران وحلفائها في العراق وبلاد الشام، ومنحهم هامشا واسعا للتحرك بحريّة وتمكين نفوذهم وتعزيز شبكات التواصل والتنسيق فيما بينهم.
العوامل المحلية:
-ثبات حكومة صنعاء على مواقفها الوطنية.
-الاستقرار الأمني في المناطق التابعة لحكومة صنعاء.
-قوة الجيش واللجان الشعبية وانتصاراتهم العسكرية الباهرة.
-عامل الزمن غير المؤاتي لمعسكر القوى المحلية المناهضة لحكومة صنعاء، والتي قد تجد نفسها بعد سنوات قليلة لا تتخطى أصابع اليد الواحدة قد خسرت المحافظات التي تسيطر عليها اليوم.
-كثرة الخلافات والقتال بين القوى اليمنية المتعاونة مع دول العدوان.
ثانيا العوامل الكابحة:
-عدم وجود تأثير خارجي على القرار السياسي لحكومة صنعاء. حتى من محور المقاومة مما يعزز استقلالية قرارها ويعطيها هامشا أوسع للمناورة حسب معطيات الوضع العسكري واللوجستي والسياسي والاجتماعي وغيرها ويمنع هذا العامل من ربط ملفات المنطقة ببعضها عند التفاوض وممارسة الضغوط كما أن هذه الاستقلالية تفيد باقي أطراف محور المقاومة بشكل غير مباشر بانشغال الولايات المتحدة ووكلائها الخليجيين المستمر باليمن كملف مستقل.
-إصرار حكومة صنعاء على استكمال تحرير مأرب.
-إصرار حكومة صنعاء على رفع الحصار ووقف الحرب على اليمن للقبول بإنهاء الحرب.
-عدم قبول حكومة صنعاء للشروط الإقليمية والأمريكية لإنهاء الحرب.
-عدم قدرة دول العدوان على حسم المعركة لصالحهم.
-عدم وجود أوراق قوة (حتى الآن) بيد الولايات المتحدة للضغط على حكومة صنعاء. وإرغامها على وقف القتال والاستسلام لإرادتها.
الاستنتاج
إن أوراق القوة لدى حكومة صنعاء قوية ومتعددة. وهذه الأوراق متعددة الطبقات دوليا وإقليميا ومحليا قوية التأثير على دول العدوان في حال أحسنت حكومة صنعاء استغلالها ضمن لوغاريتم يعمل على التنقل في الضغوط بين هذه الأوراق باحتراف ومرونة وقوة. إن ثبات موقف حكومة صنعاء أمام الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها مهم للغاية وينبغي الالتفات الى حدود القوة لديها وعدم دفع الولايات المتحدة الى تغيير المعادلة العسكرية على الأرض بتدخل مباشر منها (على الأرجح سيكون تدخلا موضعيا ولكن مؤلما) إلا في حال وجود نية لاستدراج الولايات المتحدة للغرق في مستنقع جديد. رغم صعوبة تورطها مجددا على مستوى واسع في غرب آسيا.
التوصيات
-إن إبقاء الحصار المفروض على المناطق التي تسيطر عليها حكومة صنعاء مستمر في حال تقسيم اليمن لذلك يجب ألا تسمح صنعاء بتطبيق الاستراتيجية المدمجة الامريكية في اليمن الجنوبي الذي سوف ينتعش ظاهريا ويقع بعد عدة سنوات في الفخ اللبناني، لأن تطبيق هذه الاستراتيجية سوف يجعل من البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحتى المدنية والأهلية حصان طروادة لإشعال الاحتجاجات والقلاقل في شمال اليمن الذي تعمل دول العدوان على جعله دولة أو إقليما منبوذا ومحاصرا في غرب آسيا وحوض البحر الأحمر.
-العمل على وضع المصالح الاقتصادية العالمية والإقليمية وعلى رأسها الاسرائيلية الواردة في العوامل المساعدة ضمن الأهداف العسكرية للقوة الصاروخية اليمنية. هذه الخطوة لا يمكن أن تتفرد فيها حكومة صنعاء وحدها كونها تهدد عصب فلسفة ومصالح استراتيجية للقوى النافذة في الولايات المتحدة، والتي قد تقدم على مواجهة مباشرة وكبيرة ضد صنعاء في حال استهدافها هذه المصالح.
-ملاحظة: نود لفت النظر، الى أن هذه الخطوة على مستوى عال من الأهمية والضرورة لمستقبل المنطقة، ومستقبل العائلات الحاكمة في الخليج بشكل خاص وهي ذات ابعاد استراتيجية لليمن وقوى محور المقاومة، لذا ينبغي اعتماد استراتيجية ربط ساحات في كامل الجغرافيا السياسية لغرب آسيا بين اليمن والقوى الأساسية في محور المقاومة (الحرس الثوري - حزب الله – أنصار الله) وعدم بقاء اليمن لمدة زمنية طويلة خارج القرار الموحد لهذا المحور، لما له من آثار سلبية مستقبلا على أطرافه بما فيهم اليمن وأن يتم ذلك بشكل تدريجي ومدروس.
-العمل بالأسلوب الدبلوماسي الأميركي في المفاوضات العصا والجزرة. وتقديم الحوافز والتشدد في نفس الوقت.
-التنسيق مع الجانب الإيراني ومحور المقاومة ووضعهم في صورة إمكان إقدام الولايات المتحدة على تغير المعادلة العسكرية على الأرض وتنسيق الجهود العسكرية لوضع خطط مضادة للردع والتهديد.
-إفهام الجانب الأميركي بالتنسيق مع دول محور المقاومة أن أي اعتداء مباشر منها سوف لن ينهي الحرب في اليمن بل سوف يطيلها ويوسع مساحتها الجغرافية على مستوى الإقليم.
المصدر: مركز دراسات غرب آسيا