يستعرض هذا المقال الذي نشرته صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية وترجمه موقع الخنادق، مسار العلاقة بين النظام الملكي الأردني والكيان المؤقت، على إثر عمليتين لمقاومين أردنيين، التي في الأولى منها صُدم الملك ما جعله "يسجد أمام عائلات الضحايا"، بينما حصلت العملية الثانية - أي عملية معبر الكرامة - في ظل "المحاولات الإيرانية لاختراق الأردن والسيطرة عليه"، وبينما ينادي أعضاء البرلمان والحشود في الشوارع بتدمير إسرائيل، وهو ما يحاول الملك عبد الله المشي بين عقباته. ويضيف المقال بأن التحدي الإسرائيلي الحالي، هو في كيفية محافظة إسرائيل على علاقاتها مع من "المملكة الضعيفة".
النص المترجم:
قبل شهرين، صعد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي ــ الذي يشغل أيضاً منصب نائب رئيس الوزراء ــ على متن طائرة هبطت به في طهران. وهذه زيارة غير عادية للغاية، حيث لم يقم أي مسؤول أردني بزيارة إيران، منذ ما لا يقل عن عشرين عاماً. والصفدي، وهو من أقرب المقربين إلى الملك عبد الله الثاني، وهو أيضاً الوزير الأقدم سناً في الحكومة، ليس معروفاً بأنه من محبي إسرائيل. ولم يفوت قط فرصة لمهاجمة إسرائيل ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وهذه المرة أُرسل للقاء نظيره الإيراني عباس عراقجي، ليعلن بالكلمات وبطريقة واضحة لا لبس فيها أن "الأردن لن يتسامح مع النشاط العسكري الإيراني داخل حدود المملكة".
كانت خلفية اللقاء هي الهجوم الليلي الذي شنته إيران في إبريل/نيسان. وكان الهدف هو الوصول إلى إسرائيل وإسقاط قنابل ثقيلة، مما يؤدي إلى مقتل مئات المدنيين. لكن الطائرات الأميركية والسعودية والإسرائيلية والبريطانية والأردنية أحبطت المؤامرة. واضطر الإيرانيون إلى الفرار، وفشل الهجوم.
ولكن إيران لا تنوي أن تتخلى عن ذلك. ويصر فريق التحقيق الأردني الذي تم تشكيله فور وقوع الهجوم القاتل على جسر اللنبي، الذي قتل فيه ثلاثة إسرائيليين على يد سائق شاحنة أردني إرهابي، على التحقق من وجود علامات على تورط إيران. ويشتبه الآن في أن السائق، وهو عضو في قبيلة بدوية كبيرة في منطقة عمان، قد وُعد بمبالغ كبيرة من المال من قبل فيلق القدس الإيراني.
المصلحة الإيرانية
الأردن وجهة مرغوبة للغاية بالنسبة للإيرانيين، بسبب موقعه والحدود الطويلة (308 كم) مع إسرائيل. وإذا نجحت إيران في إخضاع الأردن والسيطرة عليه، فإن دائرة الإرهاب حول إسرائيل سوف تُغلق - العراق وسوريا والحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان.
الموضوع مطروح هذه الأيام في المحادثات الأمنية بين الأردن وإسرائيل، وحقيقة أن الهجوم على جسر اللنبي نفذه بدوي من قبيلة حويطات القديمة في الأردن، تهز القصر الملكي وأعلى أجهزة الأمن والاستخبارات.
كان هناك من ينتظر في إسرائيل أن يعرب الملك عبد الله عن تعازيه لأسر الضحايا، أو يدين الهجوم علناً. وحتى يومنا هذا، لا ننسى زيارة التعزية التي قام بها والده الملك حسين لآباء الطالبات السبع اللواتي قُتلن في نهريم.
إن وضع الملك عبد الله، الذي خيم عليه الصمت بعد جريمة القتل البشعة، يختلف تماما عن وضع والده آنذاك. الملك اليوم متورط بين المظاهرات الحاشدة في الشوارع ضد إسرائيل، وأعضاء البرلمان الذين دعموا القاتل، حتى أنهم وزعوا الحلوى، وقوات الأمن الأردنية التي تواصل العمل بالتعاون مع إسرائيل.
إضافة إلى ذلك، لا يقتصر الأمر على أن الأردن غارق في أزمة اقتصادية عميقة، بل إن البصمة الإيرانية على أراضيه تزداد قوة. ولا عجب أن نتنياهو تجنب الكلمات القاسية من العائلة المالكة، وتجنب الحديث عن فشل فريق التفتيش في المعابر الأردنية. اختار نتنياهو التأكيد، ليس للمرة الأولى، وليس بالصدفة، على الخطر الإيراني.
في إسرائيل، تعمل "عصابة الأردن" سرا، ولكن بنشاط - الجنرال عاموس جلعاد، الرئيس السابق للموساد إفرايم هاليفي، العميد باروخ شبيغل، الوزير السابق إفرايم سينا وغيرهم من كبار المسؤولين السابقين، يحذرون ويؤكدون مرارا وتكرارا على مدى أهمية العلاقات بين الأردن وإسرائيل. كما أصر نفتالي بينيت ويائير لابيد على أهمية العلاقة، وأوليا اهتماماً خاصاً للقضية الأردنية، كما فعل غانتس وآيزنكوت، ومنذ البداية تقريباً بدأت الشقوق تظهر في العلاقة المعقدة. وفي إحدى المناسبات، قال الملك عبد الله في إحدى الصحف البريطانية: "إن أصعب الأيام تمر بي أمام نتنياهو".
"الشر لا يزال أمامنا"
صحيح، ليس كل شيء هو خطأنا. فالنخبة الأردنية تدير أيضاً حسابات معقدة مع إسرائيل. وكما ذكرنا، فإن وزير الخارجية الصفدي لا يفوت أي فرصة لتجاهل ابنه، كما أن الملكة رانيا ملكة الأردن تبدي تعاطفها فقط مع الجانب الفلسطيني، وتتجاهل مذبحة السابع من أكتوبر/تشرين الأول. فهي لم تسمع، كما شهدت في مقابلة مع شبكة سي إن إن، عن الفظائع التي ارتكبتها حماس في كيبوتسات أوتاف.
وكما ذكرنا، فإن وزير الخارجية الصفدي لا يفوت الفرص للوشاية علينا، كما أن الملكة رانيا ملكة الأردن تتعاطف فقط مع الجانب الفلسطيني، وتتجاهل مجزرة 7 تشرين الأول/أكتوبر. ولم تسمع، كما أدلت بشهادتها في مقابلة مع شبكة سي إن إن، عن الفظائع التي ارتكبتها حماس في كيبوتسات عطيف.
ومن المدهش أن نكتشف مدى تأثير اليأس الاقتصادي في المملكة على المزاج السياسي. ما لا يقل عن 21٪ من مواطني المملكة البالغ عددهم 11.3 مليون نسمة، هم عاطلون عن العمل. وتوقفت السياحة التي كانت تدعم العديد من العائلات. وقرار التصدير هو الذي جلب الإيرادات. ولقد انخفضت رواتب المعلمين في المدارس الابتدائية والثانوية بشكل كبير، وقد خرجوا بالفعل للتظاهر. وفي الوقت نفسه، احتل اللاجئون من العراق والفارون من سوريا، أحياء بأكملها في العاصمة عمان، لذا هم هنا على استعداد للعمل مقابل ثلث المبلغ.
وتجرى اليوم انتخابات مجلس النواب الأردني. في ظاهر الأمر، هو مؤسسة غير مهمة تنتج الكثير من الدراما اللفظية. لكن - هذه هي المرة الأولى في تاريخ الانتخابات، التي يصوت فيها الأردنيون لأحزاب سياسية.
أحد أصدقائي القدامى في المملكة، الذي لم يكن في عجلة من أمره لقطع العلاقات مع "الإسرائيليين"، يكرر ويحذر من أن "الأسوأ لا يزال أمامنا". هل يعني محاولة هجوم أخرى، تخطط وتبادر لها إيران؟ هل يحذر من محاولات الانقلاب على حكم الملك عبد الله؟ أم أنه يلمح إلى نوايا إلغاء أو تجميد اتفاقيات السلام؟
إن "المجموعة الأردنية" الإسرائيلية تدرك المخاوف، وهي منتبهة للأشياء الصعبة التي تُقال على الجانب الآخر. وتوصيتهم الآن بتوسيع التعاون الاقتصادي، رغم صعوبته، والاستثمار في مستقبل العلاقات وحماية التعاون مع قوات الأمن والجيش. والأهم من ذلك كله: لا تتوقفوا عن التفكير في الكابوس الرهيب الذي قد ينشأ إذا قرر الأردن - أو تم جره - الانتقال إلى المعسكر الآخر.
المصدر: يديعوت أحرونوت
الكاتب: غرفة التحرير