أثارت كلمة نتنياهو في الكونجرس الأميركي موجة من الانتقادات والسخط من عدة جهات دولية وفلسطينية وإسرائيلية. خطاب استعراضي مثير للجدل وسط تصفيق غير مسبوق في مشهد بدى وكأنه تفويض أميركي كامل لنتنياهو ومن الدعم اللامحدود من أمريكا لإسرائيل، وان أمريكا و"إسرائيل"، وجهان لحقيقة واحدة. نتنياهو استّغل اللحظة وركّز في خطابه على تصوير إسرائيل كضحية للإرهاب والبربرية. مشبهاً يوم 7 أكتوبر بأحداث 11 سبتمبر، وادعى أن إسرائيل تحارب "البربرية" وتحمي "الحضارة". مضيفاً أن جيشه استعاد 7 أسرى بعمليات خاصة ونحو 130 أسيراً عبر مفاوضات مع المقاومة في غزة.
دعا نتنياهو الولايات المتحدة لمواصلة تقديم الدعم العسكري والمالي لإسرائيل، على أن تسريع المساعدات الأمريكية سيسرع من إنهاء الحرب وتحقيق النصر. موجهاً انتقادات مبطنة لإدارة بايدن لعدم إرسال بعض شحنات القنابل العملاقة التي يحتاجها الكيان، في محاولة للضغط على الإدارة الأمريكية لتقديم المزيد من الأسلحة والذخائر. وسعى نتنياهو لتجنيد أمريكا ضد إيران، مستخدماً مصطلحات استشراقية حول الصراع بين الحضارة والبربرية. مشيطناً إيران وحماس وحزب الله، قائلاً إنها مصدر الشر في المنطقة والعالم.
التصادم الايراني الاسرائيلي
تناول نتنياهو التهديد الذي تشكله إيران على بلاده، والتي تتصادم معها إسرائيل منذ عقود. كما صوّر إيران كعدو خطير للولايات المتحدة وشدد على الدور الذي لعبته إسرائيل كأقوى حليف لأمريكا في الشرق الأوسط. وقال: "عندما نحارب إيران، نحن نحارب الخصم الأكثر تطرفًا وخطورة على أمريكا"، مضيفًا، "نحن لا نحمي أنفسنا فقط، بل نحميكم أيضًا". منذ الثورة الإسلامية عام 1979 التي "حوّلت إيران إلى ثيوقراطية شيعية، تعيش إيران في عزلة وتعتبر الولايات المتحدة وإسرائيل أعداءها الأكبر، وتسعى لتثبيت نفسها كأقوى دولة في منطقة الخليج... بالنسبة لإسرائيل، فإن التهديد الإيراني أكثر إلحاحًا بسبب استخدام إيران لوكلاء مثل حماس وحزب الله لضرب المصالح الإسرائيلية، كما أنها شنّت هجمات مباشرة على قادة إيرانيين وأهداف إيرانية". كما اتهم المتظاهرين في أوروبا وامريكا والعالم ضد العدوان الإسرائيلي على غزة بأنهم "أصبحوا لعبة في يد إيران" ويريدون تدمير الولايات المتحدة أيضاً.
تبرير العدوان على غزة
وفي محاولته لتبرير العدوان، ادعى نتنياهو أن عدد الضحايا في حرب غزة هو الأقل في تاريخ حروب المدن، مشيراً إلى أن حماس تشوه سمعة "إسرائيل" للضغط عليها لإنهاء الحرب قبل تحقيق النصر، وأن تصوير الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل على أنه ضروري للحفاظ على الأمن الأمريكي. محاولاً بذلك تحويل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني إلى قضية أمريكية داخلية. وداعياً إلى تشكيل تحالف جديد في الشرق الأوسط على غرار اتفاقات أبراهام، مشيراً إلى ضرورة دعوة كافة الدول التي تصنع "السلام" مع "إسرائيل" للانضمام إلى هذا التحالف.
استغلال الأحداث التاريخية
أشار نتنياهو في خطابه إلى هجمات 11 سبتمبر وضرب مرفأ بيرل هاربر، محاولاً بذلك تحفيز الذاكرة الجماعية الأمريكية واستمالة مشاعرهم لدعم إسرائيل. هذه المقارنات التاريخية تهدف إلى تعزيز فكرة أن إسرائيل تحارب نفس الأعداء الذين هاجموا أمريكا، وبالتالي تستحق كل الدعم الممكن.
التعامل مع الإبادة الجماعية
تجاهل نتنياهو في خطابه بشكل صارخ المجازر التي يرتكبها جيشه في قطاع غزة، حيث قتل عشرات الآلاف من المدنيين، بما في ذلك النساء والأطفال، ودمّر الأحياء السكنية بالكامل. بدلاً من ذلك، حاول تصوير إسرائيل كضحية، في حين أن الفلسطينيين هم "الذئب" الذي يهدد الوجود الإسرائيلي. هذه المحاولة لقلب الحقائق لم تلقَ قبولاً لدى العديد من المراقبين والمعلّقين الذين أكدوا على الطبيعة الوحشية واللاإنسانية للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. وكان عشرت آلاف الأميركيين يتظاهرون أمام الكونغرس اثناء كلمته اعتراضا على سياساته وعملية الإبادة المستمرة في غزة منذ نحو 10 أشهر.
الجنائية الدولية ومزاعم نتنياهو
كما هاجم نتنياهو المحكمة الجنائية الدولية التي سبق أن أكدت أن إسرائيل تجوع الفلسطينيين بغزة متهمًا إياها بـ “الهراء والتلفيق". وزعم أن "أكاذيب محكمة الجنايات الدولية تحاول تقييد يد إسرائيل ومنعنا من الدفاع عن أنفسنا". وسبق أن طلب مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، لمسؤوليتهما عن "جرائم حرب" و"جرائم ضد الإنسانية" في غزة. وتواصل تل أبيب حربها على غزة متجاهلة قراري مجلس الأمن الدولي بوقفها فورًا، وأوامر محكمة العدل الدولية بإنهاء اجتياح مدينة رفح جنوب غزة، واتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، وتحسين الوضع الإنساني المزري بالقطاع.
تضليل وقلب للحقائق
كما كان متوقعاً، جاءت كلمة نتنياهو مليئة بالتضليل وقلب الحقائق والشعبوية، مطعمةً بمصطلحات دينية توراتية تتماشى مع رؤى الإنجيليين (البيض) الباحثين عن الخلاص. وعلى الرغم من محاولته تحسين صورته وصورة إسرائيل، إلا أنه لم يحقق أهدافاً حقيقية كبيرة. حيث استخدم لغة خطاب دعائية وأدائية لافتة، لكنه لم ينجح في التغطية على الفجوة الواسعة بين كلماته البراقة والواقع الصعب على الأرض.
منتقدو الزيارة وخطاب نتنياهو أمام الكونجرس
إذن، أثارت كلمة نتنياهو استياءً واسعاً من قبل السياسيين والإعلاميين الأمريكيين والإسرائيليين على حد سواء. وصفوا خطابه بأنه مليء بالتضليل والأكاذيب، ومحاولة يائسة لتبرير العدوان على غزة. وأكدوا أن الدعم الأمريكي لإسرائيل في هذه الحرب يعزز استمرار العدوان والانتهاكات ضد المدنيين الفلسطينيين.
نستعرض بعض هذه المواقف من مختلف الاتجاهات:
أثبتت كلمة نتنياهو في الكونغرس أنها لم تكن سوى محاولة يائسة لتبرير سياساته العدوانية في غزة وتصوير إسرائيل كضحية، في حين أن العالم أصبح أكثر وعيًا بالطبيعة الوحشية للاحتلال الإسرائيلي. الانتقادات الواسعة التي واجهها من السياسيين والإعلاميين تعكس الرفض العميق لخطابه المضلل وتأكيدهم على ضرورة تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني ووقف العدوان الإسرائيلي. تبرز هذه الانتقادات الفجوة بين الكلمات البراقة التي ألقاها نتنياهو والواقع الصعب الذي يواجهه الفلسطينيون على الأرض، مما يفضح محاولاته لتضليل الرأي العام وتحقيق أهدافه السياسية على حساب حقوق الإنسان والعدالة. كما كشف تصفيق أعضاء الكونغرس اللافت لنتنياهو حجم النفاق والمعايير المزدوجة التي تتبناها الولايات المتحدة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية وقضايا المنطقة والعالم.
هذا المقال يعبّر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع.
الكاتب: د. أكرم شمص