بعيداً عن الضجيج الذي يثيره المسؤولون في البيت الأبيض في تصريحاتهم النارية المتطرفة حول ضرورة تقديم الدعم "لإسرائيل"، يفرض واقع الكونغرس نفسه على طبيعة القرار السياسي الذي سيؤيّد أو يعارض، بالنتيجة، عملية برية إسرائيلية في قطاع غزة. اذ أن فشل الكونغرس في انتخاب رئيس له، طيلة الأسبوعين الماضيين، يحمل عدداً من المؤشرات تتعلق بجدية الجمهوريين في انتخاب رئيس للمجلس في الوقت القريب، وبالتالي، تمرير قرار حزمة المساعدات التي تبلغ قيمتها 100 مليار دولار.
لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة أقال مجلس النواب رئيسه. ولسوء حظ الرئيس جو بايدن، تبعت هذه المصادفة حرباً في المنطقة الأكثر تعقيداً لمختلف الرؤساء الأميركيين المتعاقبين: الشرق الأوسط. وللمفارقة، أن الانقسام الواضح بين جناحي الكونغرس، مرتبط بـ 3 مسارات. الأول الانتخابات الرئاسية التي كانت قد مهدت الأرضية منذ أشهر لخلاف طويل الأمد. الثاني، انتخاب رئيس لمجلس النواب. والثالث القرارات المتعلقة بحرب أوكرانيا وإسرائيل وهو الأمر الذي سيترتب عليه تكاليف سياسية تترك أثراً على المسارين الأولين.
الواقع، يمتلك بايدن اوراقاً لمساعدة إسرائيل، وهو يستخدمها بالفعل. من إرسال الأموال والأسلحة واستقدام حاملات الطائرات إلى مياه المتوسط، إلى الحشد الدولي للاصطفاف إلى جانب الكيان. لكن ماذا عن أكثر من ذلك؟
يحتاج قرار العملية البرية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة إلى موافقة أميركية صريحة ومباشرة، لما سيترتب على ذلك من مخاطر تعدد الجبهات ووضع القوات الأميركية المنتشرة في المنطقة، ضمن دائرة الاستهداف، وقد بدأ هذا السيناريو بالفعل. وهنا يمكن ذكر عدد من المحددات التي ترسم هوامش اتخاذ القرار، أميركياً:
-عدم جهوزية جيش الاحتلال بخوض المعركة منفرداً وهو ما سيتطلب تدخل أميركي مباشر وبشكل أكبر من الاكتفاء بالدور الاستشاري. خاصة وأن الواقع الميداني للقطاع يفرض حرباً معقدة تحتاج إلى خبرة قتالية تفتقدها القوات الإسرائيلية التي أثبتت فشلها في هذا النوع من المعارك. على العكس القوات الأميركية التي خبرت القتال الميداني، في عدد من دول المنطقة. وهو الأمر الذي يجمع كلا الحزبين، الديموقراطي والجمهوري على تجنبه.
-العملية البرية قد تفتح حرباً متعددة الجبهات، ما يضع المصالح الأميركية في المنطقة تحت الاستهداف. وهو آخر ما يريده بايدن في هذا التوقيت تحديداً.
-على ضوء شغور منصب رئيس الكونغرس، يبدو بايدن مكبّل اليدين، لعدم قدرته على تمرير أي بند يتعلق بالمساعدات. وهي الخطوة الأولى، فيما لو أرادت واشنطن إعطاء الضوء الأخضر لعملية برية. لكن، قراراً يصادق عليه مجلس الشيوخ، لن يكون ساري المفعول وفق القوانين مرعية الاجراء، إلا بمصادقة الكونغرس. وهو ما يضع بايدن في فخ الجمهوريين مجدداً.
يستحوذ الرئيس السابق دونالد ترامب، على كتلة من 22 نائباً في الكونغرس، وهم من المعارضين لأي قرار حرب، وفق عقيدتهم التي ينتهجونها. بالنسبة لترامب، فإن معارضته لهذا الأمر، مركبة. من ناحية، حافظ طيلة فترة ولايته على عدم التورط بأي عمل عسكري مفتوح. وثمة من يقول، أنه لو كان ترامب في سدة الرئاسة، كانت روسيا امتنعت عن شن عملية عسكرية في أوكرانيا. من ناحية أخرى، فإن لدى الأخير ثأر مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. وهو ما عبّر عنه في تجمع انتخابي في ويست بالم بيتش في فلوريدا: "لن أنسى أبدًا أن بيبي نتنياهو خذلنا. لقد كان ذلك شيئاً فظيعاً جداً. لقد شعرنا بخيبة أمل كبيرة". وهو ما رد عليه وزير الاتصالات شلومو كرعي، واصفاً ما قاله بأنه "من المخزي أن يقوم رجل مثل هذا، رئيس أمريكي سابق، بمساعدة الدعاية السياسية ونشر أشياء تجرح معنويات مقاتلي إسرائيل ومواطنيها... ليس علينا أن ننشغل به وبالهراء الذي ينشره". ثمة من يقول، ان تأخير ترامب لانتخاب رئيس للمجلس، هو لتأخير اقرار حزمة المساعدات، قدر المستطاع.
سيكون قرار العملية البرية، محاطاً بكثير من الألغام التي قد تنفجر بوجه بايدن أولاً ثم نتنياهو. لا يستطيع الديموقراطيون منفردون مباركة قرار كهذا، مع امساك الجمهوريين بالأغلبية الضيقة لمجلس النواب. ولعل أكثر ما يمثل رأي الجمهوريين لما يجري في فلسطين المحتلة، هو ما نشره النائب مات غيتز، (الذي ينتمي إلى مجموعة المتمردين المقربين من ترامب في الحزب الجمهوري الذي يتألف من 5 أجنحة)، معلقاً على الهجمات التي تتعرض لها القوات الأمريكية في سوريا: "إن قرار الكونغرس في ابقاء القوات في سوريا رغم استطاعة المسيرات الإيرانية الوصول إليهم هو قرار غير صائب. وفي خضم الصراع الأوسع، من المرجح أن يستمر استهداف هذه القوات...نخشى حدوث عواقب مأساوية لوجود هذه القوات في سوريا، وأن حياة الأمريكيين لن تكون على المحك لو لم تكن تعمل هذه القوات كحراس أمن لحقول النفط السورية".
للعملية البرية مؤشرات قوية تتلخص في حاجة إسرائيل لاستعادة صورة الردع ورغبة نتنياهو بتأخير دخوله إلى السجن. ومع عدم قدرة سلاح الجو على تحقيق أي هدف من الأهداف التي وضعتها حكومة الاحتلال، يبقى خيار الاجتياح البري هو الأمثل لدى الجانب السياسي. لكن حجم السيوف التي تنغرز بقرار المضي بعملية برية، يجعل من التنبؤ بما سيجري أمراً صعباً.