تحتل القضية الفلسطينية مساحة كبيرة من الاهتمام السياسي عامة والعالم العربي خاصة، كونها القضية العربية المركزية، وساحة الصراع التاريخي الحاسم بين القوى الخارجية المُعادية والمُتآمرة على الأمة وبين قوى الحياة والعزة فيها.
وعلى الرغم من الاهتمام السياسي اليومي فإن الخطر الصهيوني لم ينل حقه من التفكير والتحليل العلمي، ولم يأخذ الجهد الفكري الجدّي عند المفكرين العرب، إلا من محاولات بسيطة، حيث كان الإحجام عن دراسة العقل والتفكير الصهيوني دراسة علمية شاملة تضيء الطريق أمام معرفة مخططات العدو ومطامعه وأساليبه وغاياته سلفاً في كل مجال وعلى كل صعيد.
يعتقد كثر أن العدوان الإسرائيلي هو مجرد كارثة حلّت بشعب فلسطين، وأن ما يضمره الكيان المؤقت من شر لا يتخطى المساحة الفلسطينية. وهذا اعتقاد جاهل لماهية الحركة الصهيونية وأهدافها ومخططاتها.
الحقيقة واضحة لكل متتبع لفكر العدو ودوافع أعماله ومخططاته المستقبلية، هي أن الصهيونية خطر وجودي، خطر مادي يهدد الدول المجاورة للكيان المؤقت بالغزو والعدوان والاحتلال. كما يهدد الدول الأخرى بأخطار شتى من خلال نزعته للسيطرة والهيمنة على المقدرات والطاقات.
إضاءة على جذور المطامع التوسعية الصهيونية وبذورها تجاه لبنان
بداية، شكّل البرنامج الذي وضعه المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، عقبةً شكلية لاقتصار المطامع الصهيونية على فلسطين بشكل واضح، لكن المؤتمرات الصهيونية عام 1901 في مختلف انحاء أوروبا (النمسا، ألمانيا، روسيا) تبّنت توسيع البرنامج الصهيوني لعام 1897، وفي مؤتمر الصهيونيين الألمان الذي عقد في 30 نيسان/أبريل 1901، قرر المؤتمرون ما يلي: “إن المؤتمر يرى أنه من واجب الصهيونيين الاهتمام بالأراضي المجاورة لفلسطين، والنضال من أجل توجيه الهجرة اليهودية إل تلك الأراضي".
وفي المؤتمر الصهيوني الخامس حاول ديفيد تريتش إدخال فكرة "فلسطين الكبرى" في البرنامج الرسمي، لكنه لم ينجح، ولم يرفض مبدأ امتداد رقعتها.
في 13 شباط/ فبراير 1917 نشرت نشرة "فلسطين"، الناطقة بلسان لجنة فلسطين البريطانية؛ وهي مؤسسة صهيونية، مقالاً بعنوان "حدود فلسطين"، وفيه: “إن الحدود التي نريد أن نتكلم عنها هي حدود فلسطين المستقبل، أن الأرض اللازمة تشمل إرث قبائل إسرائيل الاثنتي عشر أيام التوراة، بالإضافة الى الامتدادات الضرورية للحفاظ على وحدة الأرض وسلامتها.
الحد الغربي هو البحر الأبيض المتوسط
أما الحد الشرقي فهو حدود الأرض التي كانت تملكها قبائل إسرائيل الممتدة من الشاطئ في شمال صيدا بخط مستقيم الى نقطة تساقط شلالات نهر الاعوج في بحيرة الهيجانة الى الجنوب من جنوب شرق دمشق. ويمتد الحد الشرقي من هذه النقطة عبر وادي نهر الاعوج ثم ينحرف في انحناءة عريضة ليضرب شرقاً المنطقة الجبلية في جبال اللجا الى نقطة 32ᵒ 30︠ شمالاً. ومن هناك ينحرف في اتجاه غربي الى نهر اليرموك ومن هناك غرباً عبر النهر الى البحر الميت. ويمتد الحد الجنوبي من طرف البحر الميت الى وادي عربة الى 30ᵒ 30︠ ومن هناك غرباً حتى وادي العريش ممتداً مع هذا الوادي الى البحر.
ثم تنتقل المقالة الى معالجة مسألة الدفاع عن فلسطين "التي تتطلب حماية فعالة على الحدود"، فتقول: "إن الحد الاستراتيجي الطبيعي الوحيد هو القطاع الضيق الذي يقع في الشمال، من صيدا الى اقصى الحد الجنوبي للبنان، والحد الطبيعي الآخر هو وادي البقاع في حيازة الأطراف الجنوبية للبنان وجبل الشيخ وتحصينها بشكل يكفل السيطرة على المخرج الجنوبي لهذا الوادي".
وتضيف المقالة: "ان الاعتبارات الاقتصادية والاستراتيجية السالف ذكرها تشير الى الأهمية الحيوية الكامنة في السيطرة على جزء من الخط الحديدي الحجازي خصوصاً، وأن ميناء العقبة هو جزء من الأرض الفلسطينية. ان هذه الاعتبارات تفرض التعريف التالي لحدود فلسطين المستقبل:
"في الشمال، الاميال الخمسة الأولى من مجر نهر العوالي، ومن ثم اعتبار دمشق كحد شمالي، وإذا تعذر الحصول على دمشق – وفي ذلك خسارة فادحة تثير حقنا في التعويض في أماكن أخرى – يمتد الحد من الجنوب الشرقي من نهر العوالي حتى الحد الجنوبي لسلسلة جبال لبنان وجبل الشيخ الى نقطة تقع في درجة 36ᵒ شرقاً و33ᵒ و15︠ شمالاً، ثم يتجه الحد بخط مستقيم الى بصرى الشام (32ᵒ و 30︠ شمالاً). ومن هذه البلدة يتجه الحد جنوباً في خط متواز مع الخط الحديدي وعلى بعد مسافة تتراوح بين عشرة أميال وعشرين ميلاً شرقاً حتى يصل الى منخفض الجفر الذي يقع على بعد 20 ميلاً الى الشرق من معان. ومن هناك ينحرف الحد حتى يصل الى الشاطئ الشرقي لخليج العقبة على بعد بضعة اميال الى الجنوب من البلد".
أما بالنسبة للحدود مع مصر فقد أفردت الصحيفة بنداً خاصاً لها عبرت فيه الحركة الصهيونية عن تحفظاتها إزاء حيازة مصر لشبه جزيرة سيناء.
يبدو من المخطط الصهيوني أعلاه، الرغبة في السيطرة على مناطق تتعدى حدود فلسطين، وما زال تتكشف مع الأيام المزيد من الخطط والاطماع الصهيونية، وتستمر محاولات الكيان المؤقت لتنفيذ خططه التوسعية التي ترتدي عدة أقنعة، فتحاول استخدام القوة العسكرية، أو محاولات الدبلوماسية الموازي في سبيل تحقيق أطماعها التوسعية، لكن اليوم في لبنان قوة تصدي لأطماعها سواء العسكرية، أو بقوة الوعي والمعرفة. لبنان الذي سقطت فيه مقولة "قوة لبنان في ضعفه"...بل قوة لبنان في المقاومة بالسلاح والمعرفة والوعي.