ما يميّز صفقة التبادل التي جرت بين إيران والولايات المتحدة بوساطة قطرية، أنها للمرة الأولى تنجح الجمهورية الإسلامية الإيرانية في استعادة اموالها المجمّدة بالإرهاب الاقتصادي أو تحت عنوان ما يسمى العقوبات.. هي صفقة دبلوماسية وإنسانية حساسة جدًا، بدأت قبل عامين ونيّف وتعرقلت لأسباب أمريكية داخلية. و أُعيدت إلى الواجهة قبل أشهر لأسباب داخلية -انتخابية- أيضًا، ضمن مفاوضات وُصفت بالصعبة والدقيقة، والأهم، كان ثمة إرادة لتنفيذها، خاصة أن إخراج الأمريكيين من سجون الدول "المارقة" هو شعار انتخابي وتقليد يفعله الرؤساء الأمريكيون، ديموقراطيين كانوا أم جمهوريين للاستهلاك السياسي والانتخابات الداخلية.
يحرص الجمهوريون على عرقلة أي إنجاز للرئيس الديموقراطي. ويتبنى هؤلاء سياسة ترامب بأنّ "إيران ليست جاهزة بعد للتفاوض معها"، وأن "أصل التفاوض مع إيران هو أمر خاطئ". وفيما يتعلّق تحديدًا بهذه الصفقة، يعتبر الجمهوريون أن هذا الاتفاق سيحرّر أموال إيران، وأن تحرير الأموال هو تنفيس من ضغط العقوبات، عدا عن أنها يمكن أن تُصرف على أنشطة معادية للولايات المتحدة. فردّ مساعدو بايدن بالقول إنّ الأموال سيتمّ وضعها في حسابات مقيّدة لدى البنوك القطرية. وبإمكان الولايات المتحدة التدّخل في أي وقت لضبط موارد صرفها، التي ستُدفع على الغذاء والدواء والقضايا الإنسانية فقط. وعندما سئل رئيس الجمهورية الإيرانية السيد إيراهيم رئيسي عن هذا التقييد، قال إن "الحكومة الإيرانية هي من تقرر كيفية إنفاق الأموال المفرج عنها".
يمكن القول إن تصريحات مسؤول التواصل الاستراتيجي في مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي تأتي في إطار محاولة الظهور بشكل صارم تجاه إيران، وهي غالبًا في إطار الاستهلاك الإعلامي للتخفيف من حدة انتقادات الجمهوريين، في مؤتمره الصحفي بعد إتمام الصفقة، سألت إحدى الصحفيات (ذات اتجاه جمهوري) كيربي عن سبب إضافة المليارات الستة إلى صفقة التبادل التي يفترض أن تكون متوازية فقط بخمس أسرى أمريكيين مقابل خمسة إيرانيين. فأجاب، إن هذه الأموال تخصّ إيران وليست من الجيوب الأمريكية. على أنّ كيربي وغيره من المسؤولين الذين شاركوا في إتمام الصفقة، يصرون على أنها لا تعني فتح الآفاق مع إيران، ولا يعني انفراجًا في الاتفاق النووي الإيراني.
الواقع أنه وإن صحّت هذه المعلومات، وارتفع سقف التوقعات بشأن علاقات إيرانية أمريكية أكثر تقاربًا، خاصة في ظلّ التسويات الجديدة في المنطقة، إلا أنّ هذه الخطوة لا يمكن أن ترقى إلى مستوى إعادة إحياء الملف النووي الإيراني أو خلق اتفاق جديد، ولا تعني أن تنعكس إيجابًا على ملفات المنطقة الأكثر اشتعالًا. ويمكن ملاحظة أن الفترة التي كانت تجري فيها المفاوضات، كانت القوات الأمريكية تعيد انتشارها في المنطقة، وتعمل على استراتيجيات جديدة ضدّ إيران في شرق الفرات.
ربحت إيران وخسرت الولايات المتحدة. إنها سياسة إيران الخارجية التي نجحت في انتزاع حقوق الشعب الإيراني على الرغم من العلاقات الدبلوماسية المعقدة، والتي لا تعترف بالولايات المتحدة كطرف عادل يمكن التفاوض معه. كان ثمة إصرار إيراني على أن تتم الصفقة برعاية دولة ثالثة لأنها غير مستعدة للتعامل المباشر مع الأمريكي، وَمَن أفضلُ من قطر -راعية الصفقات بين الأطراف في المنطقة والولايات المتحدة- في الفترة الأخيرة؟. وحيث إنه في السياسة لا يمكن فصل الملفات عن بعضها، يمكن ملاحظة أن الولايات المتحدة على الرغم من حدة خطابها الإعلامي تجاه إيران، فإنها لم تتجرأ على الاستمرار في حظر تطوير إيران للأسلحة الباليستية، لأسباب متعددة، عنوانها العام بدء ضعف وأفول هيمنة الولايات المتحدة. لكن سياسة توزيع الأدوار، أَوكلت المهمة إلى الأوروبيين لكي يقوموا بحظرها. خاصة أنهم يشعرون بأن الكعكة مع إيران تمّ تقاسمها دون أن يحصلوا على شيء.
الكاتب: غرفة التحرير