تبدو لافتة المقالات الأجنبية التي تغازل إيران على أبرز المنصات الأمريكية. نشرنا أمس مقالًا لمعهد كوينسي يقول فيه إن إيران لم تكن تاريخيًا خطرًا حقيقيًا على الدول الخليجية خاصة لناحية الاجتياحات وشنّ الحروب وبالتالي لا مبرر لشرط الضمان الأمني الأمريكي في اتفاق التطبيع، واليوم تنشر مجلة فورين بوليسي مقالًا تحليليًا يرى فيه الكاتب أن طهران قد غيرت استراتيجيتها الكبرى بشكل جذري، إذ تحولت إلى استخدام الجزرة في المنطقة، والاحتفاظ بالعصي للولايات المتحدة.
على الرغم من المصطلحات الملقمة والمشحونة ضدّ إيران في وصف علاقة طهران مع دول الخليج، والتي يبدو أنها لازمة يجب ترديدها في كافة المقالات، إلا أن المقال أورد أمثلة على "التحول الإيراني" كما يصفه. على رأسها المصالحة مع السعودية التي رأى أنها تمنح الرياض في ظاهرها أكثر بكثير مما تحصل عليه طهران. وبالإضافة إلى العلاقات المستأنفة مع الإمارات التي وافقت على الانضمام إلى تحالف منافس للولايات المتحدة مع إيران. والأمر الذي وصفه الكاتب بأنه الأكثر إثارة للدهشة، هو أن "إيران اقترحت منتدى إقليميًا من دون الولايات المتحدة أو إسرائيل". ثم يورد الكاتب أن كل ذلك وعلى الرغم منه، لا يعني أن المشاحنات لا تقع بينها وبين دول الجوار، مثل المشاحنات مع الكويت حول حقل آرش / الدرة، ولإمارات حول الجزر الثلاث، ومع السعودية حول إمداد أنصار الله بالسلاح، ولكن تبقى إيران "الأكثر لطفًا" جذابة للدول العربية التي وصفها بـ"الخائفة" ويقصد الخوف من عدوانية إيران، وهو الأمر الذي يعرف الأمريكيون جيدًا أنه ليس أكثر من دعاية تشبه دعاية الغزو والخطر السوفياتي الأمريكية، ذلك أن إيران تاريخيًا – وكما أشار معهد كوينسي- لم تتصرف بأي عمل عدائي ابتداءً ضد جيرانها.
يُرجع الكاتب سبب الإقبال العربي على إيران إلى الانسحاب الأمريكي من المنطقة. وهو الأمر الذي سيغري إيران أكثر بأن مزيدًا من الهجمات على القوات الأمريكية ومصالحها في المنطقة سيساعد على تسريع رحيلها. أما بالنسبة للكيان المؤقت فإن تسخين الصراع هناك يساعد إيران على وضع الدول العربية أمام معضلة أكثر حدة: يمكنك إما الانضمام إلينا والحصول على السلام والتجارة، أو الانضمام إلى إسرائيل وخوض الحرب. خاصة مع وجود حكومة احتلال إسرائيلية يمينية متطرفة مصممة على العمل ضد الفلسطينيين بطرق بغيضة. لكنه يقول إن أكثر ما تخشاه إيران هو المصالحة بين الولايات المتحدة وحلفائها العرب، والمزيد من التقارب بينهم وبين إسرائيل. ويستنتج الكاتب أن هذا النهج الاستراتيجي الجديد يعني إلى أن إيران أدركت أخيرًا أنّ "تنمرها" يدفع أعداءها معًا، ومن هنا جاء التركيز الجديد على التقسيم من أجل الانتصار. وليس ما مفهومًا عن أي أحداث قصد الكاتب بالتنمّر.
يرى الكاتب أنه حتى الآن، كان الدافع الرئيسي لاتفاقيات إبراهيم وغيرها من التقارب بين الدول العربية وإسرائيل هو رغبتهما في الاتحاد معًا بدافع الخوف المشترك من إيران وحلفائها وأتباعها. وعليه فإن إدارة بايدن محقّة في أن المصالحة السعودية الإسرائيلية والتحالف النهائي، الرسمي أو غير الرسمي، سيشكلان خطرين على إيران ويحتمل أن يكونا مفيدين جدًا للولايات المتحدة. ويقول الكاتب إن الجمع بين أقوى جيش إقليمي وأقوى اقتصاد عربي من شأنه أن يشكل عقبة رهيبة أمام المزيد من "العدوان الإيراني". وهذا هو السبب في أن الإيرانيين يعملون بجد للتودد إلى السعوديين والدول العربية الأخرى وإبعادهم عن الإسرائيليين والولايات المتحدة. مع العلم أنه اعترف في بداية المقال أن الرياض كسبت من هذه المصالحة أكثر مما كسبت إيران.
وينهي الكاتب المقال بشكل متناقض، بأنه غالبًا ما بالغ الإسرائيليون والدول العربية في ردّ فعلها على التحركات الإيرانية بطرق كان من الممكن أن تنفجر لو لم تتدخّل واشنطن لتهدئة مخاوفهم. وأن غياب دور نشط للولايات المتحدة من شأنه أن يثير تصعيدًا من شأنه أن يكون كارثيَا على المنطقة يمكن أن يؤثر على تدفقات الطاقة في الشرق الأوسط. ولهذا السبب يجب أن ينظر إلى التحالف الإسرائيلي السعودي على أنه جزء من التزام الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، وليس بديلًا عنه. وبدا للكاتب أن إيران تعلمت حيلة جديدة. ويبقى أن يرى ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على ذلك أيضًا.
وهكذا، مرة أخرى، استطاع هذا المقال أن يظهر الولايات المتحدة كصانعة للسلام وحامية له حول العالم، في نهاية مقال ظاهره رسائل تهدئة مع إيران، وباطنه رسائل تطمين لإيران حول ملف التطبيع السعودي.
الكاتب: زينب عقيل