انتهت ولاية حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، ليكمل مسيرته في عدد من المحاكم الدولية على اثر اتهامات بقضايا فساد واختلاس مالي. وتقول مجلة ايكونوميست في هذا الصدد، ان "حسان دياب، رئيس الوزراء السابق، بصياغة خطة إنقاذ لائقة ولكن تم منعه من قبل المصرفيين والنواب". مشيرة إلى انه "من غير المرجح أن يكون تقاعد سلامة هادئاً. وتحقق السلطات في بلجيكا وفرنسا وألمانيا وليختنشتاين ولوكسمبورغ وسويسرا معه بتهمة الفساد. وهو متهم بسرقة ما يصل إلى 330 مليون دولار من البنك المركزي.
النص المترجم:
في معظم البلدان، سيكون انخفاض العملة بنسبة 95٪ بمثابة جريمة إقالة لمحافظ البنك المركزي. ليس في لبنان، الذي كان بحلول أواخر عام 2021 قد مر عامان على أزمة مالية طاحنة. وانخفضت الليرة، التي كانت مربوطة منذ فترة طويلة عند 1 مقابل الدولار، إلى 500. وسئل نجيب ميقاتي، رئيس الوزراء، عما إذا كان الوقت قد حان لاستبدال رئيس مصرف لبنان منذ فترة طويلة. كانت إجابته واضحة: "لا يغير المرء ضباطه أثناء الحرب".
لا تزال الحرب مستعرة – ولكن حتى السياسيين اللبنانيين، على ما يبدو، لديهم حدودهم. يتم تداول الليرة الآن عند 90 مقابل الدولار. انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 40% منذ عام 2018. بعد ثلاثة عقود من إدارة البنك المركزي، خسر رياض سلامة وظيفته أخيراً في 31 يوليو. لم يتم الإعلان عن بديل دائم. لكن ميقاتي رفض مع ذلك تمديد فترة ولايته.
وكان أنصاره قد وصفوا سلامة ذات مرة بأنه "الساحر" لأنه احتفظ بعملة مستقرة في بلد غير مستقر. ومثل كل الحيل السحرية، طالب "وهم" سلامة الجمهور بعدم النظر عن كثب: فقصته ليست فقط قصة فشل شخصي وعار، ولكن أيضا عن بلد يرفض فيه السياسيون تحمل المسؤولية.
تم تعيين سلامة في عام 1993 من قبل رفيق الحريري، أول رئيس وزراء في لبنان بعد الحرب الأهلية. فقد عملوا معا على بناء اقتصاد يعتمد على التدفقات الأجنبية الضخمة لتمويل العجز الهائل (بلغ عجز الحساب الجاري 26٪ من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014) ودعم ربط العملة. في ذروته، احتفظ القطاع المصرفي في البلاد بودائع بقيمة أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
بدأ المخطط في التعثر في عام 2015، حيث أدى عدم الاستقرار الإقليمي وانهيار أسعار النفط إلى الإضرار بالتدفقات. ولجذب ودائع جديدة، بدأ سلامة مخططا يعرف باسم "الهندسة المالية". دفع البنك المركزي أسعار فائدة أعلى من السوق لاقتراض الدولارات من البنوك التجارية، والتي بدورها قدمت أسعارا سخية للمودعين.
لبعض الوقت، كان الجميع سعداء: فقد حشى البنك المركزي احتياطاته الإجمالية، في حين تمتعت البنوك وعملاؤها بأرباح صحية. لم يطرح أحد في السلطة أسئلة. ويقول أحد مساعدي سلامة السابقين إن المحافظ لم يطرح أبدا "الهندسة المالية" أمام اللجنة المركزية للمكتب لإجراء مناقشة. كما لم يقم البرلمان بأي رقابة.
في عام 2018، حاول عدد قليل من المصرفيين والاقتصاديين دق ناقوس الخطر. وأعلن سلامة أن الليرة "بألف خير"، هي الليرة اللبنانية الفائقة. معظم البلاد أخذته في كلمته.
ولكن بعد مرور عام، بدأت ودائع البنوك التجارية في الانكماش. لم يعد هناك ما يكفي من الأموال الجديدة لسداد الالتزامات القديمة. وبحلول ديسمبر/كانون الأول 2019، لم يعد بوسع سلامة التظاهر. وكانت الليرة قد تراجعت من ربطها إلى 2 مقابل الدولار. وعندما سأله مراسل تلفزيوني أين سيتوقف، هز كتفيه: "لا أحد يعرف".
ومع ذلك لم يجرؤ أحد على إزالته. وكان سلامة قد أقام علاقات وثيقة مع النخب السياسية والتجارية والإعلامية في لبنان، ومع رعاة أجانب أقوياء مثل أمريكا وفرنسا. كان لديه العنان لإصدار سلسلة جنونية من المراسيم التي مولت الإعانات، وفرضت ضوابط على رأس المال وسعت إلى إدارة سعر الصرف. لقد أضرت بالمودعين، وانخفضت احتياطيات البلاد الأجنبية من 31 مليار دولار في عام 2018 إلى 10 مليارات دولار حتى مع انهيار العملة.
الخطأ السياسي الأكثر وضوحاً هو Sayrafa، وهي منصة إلكترونية للصرف الأجنبي تهدف إلى ترويض السوق السوداء المتنامية ووقف التقلبات الجامحة في الليرة. في الممارسة العملية، كان بمثابة هبة للبنوك والمستوردين والنخب الثرية الأخرى. يتخلف سعر الصيرفة باستمرار عن سعر السوق السوداء بنحو 20٪. يمكن لأي شخص لديه إمكانية الوصول إلى المنصة شراء الدولارات بسعر مخفض وإعادة بيعها في السوق الموازية. وقدر البنك الدولي في مايو/أيار أن مثل هذه المراجحة ذهاباً وإياباً قد ولدت أرباحاً بقيمة 2.5 مليار دولار (على حساب البنك المركزي الأمريكي).
لا يعني ذلك أن أي شخص آخر سعى وراء أفكار أفضل. قام حسان دياب، رئيس الوزراء السابق، بصياغة خطة إنقاذ لائقة ولكن تم منعه من قبل المصرفيين والنواب. وبعد ثلاث سنوات من محادثات الإنقاذ مع صندوق النقد الدولي، لم يقر البرلمان بعد خطة لإعادة هيكلة البنوك اللبنانية الزومبي. وحتى الأفكار السيئة، مثل بيع أصول الدولة بالنار لإعادة رسملة البنوك، لم تتقدم إلى ما هو أبعد من الكلام.
وللمحافظ أربعة نواب للمحافظ، وبموجب قواعد تقاسم السلطة الطائفية في لبنان، يتم اختيارهم من أربع طوائف مختلفة. وفي أوائل يوليو/تموز، هددوا بالاستقالة إذا انتهت ولاية سلامة دون بديل له. ومنذ ذلك الحين، تراجعوا وقدموا بعض المقترحات السياسية السليمة، من بينها إلغاء منصة صيرفة.
ومع ذلك، فإن الكثير مما يقترحونه يتطلب موافقة السياسيين الذين لا يستطيعون الاتفاق على أي شيء. ولم يكن للبنان رئيس، منذ أكتوبر/ تشرين الأول رغم 12 محاولة لاختيار رئيس في البرلمان. وأنهى عباس إبراهيم، رئيس المخابرات القوي، ولايته في آذار/مارس. هو أيضا لم يتم استبداله. ويلوح في الأفق منصب شاغر آخر في كانون الثاني/يناير، عندما يتقاعد جوزيف عون، قائد الجيش. البلد ينهار، ولا أحد هو المسؤول.
أما بالنسبة لسلامة، فمن غير المرجح أن يكون تقاعده هادئا. وتحقق السلطات في بلجيكا وفرنسا وألمانيا وليختنشتاين ولوكسمبورغ وسويسرا معه بتهمة الفساد. وهو متهم بسرقة ما يصل إلى 330 مليون دولار من البنك المركزي. ويزعم المحققون أن بعض الأموال انتهى بها المطاف في الحسابات المصرفية السويسرية لشقيقه وأن مبالغ أخرى استخدمت لشراء عقارات في جميع أنحاء أوروبا. (ينفي سلامة هذه الاتهامات، قائلا إنه ترك وظيفة سابقة في ميريل لينش في عام 1993 بمبلغ 23 مليون دولار واستثمرها بحكمة).
وفي مايو/أيار، أصدر قاض فرنسي مذكرة توقيف دولية بعد أن تخلف عن حضور جلسة استماع. كما قدمت ألمانيا نشرة حمراء إلى الإنتربول. ولا يشترط القانون اللبناني تسليمه، ويعتقد العديد من المراقبين أن القضاء في البلاد مسيس للغاية بحيث لا يمكن محاكمته في الداخل. ومع ذلك، كما يقول أحد الزملاء السابقين بصراحة، "إنه مكروه". بالنسبة لخدعته الأخيرة، قد يأمل الساحر ان ينفذ سحراً يختفي به.
المصدر: ايكونوميست