وقفت الولايات المتحدة الأميركية خلال العقود الماضية بقوة خلف الكيان الاسرائيلي، ولا تزال تواصل تقديم كافة أنواع الدعم والمساندة، وهي متورطة وشريكة في حروبه ضد العرب والمسلمين لا سيما في العدوان الآن على غزة، لذا فإن الحديث عن خلاف جوهري بين واشنطن وتل أبيب حول أمن هذ الكيان هو ضرب من الوهم والخيال، ويحمل الكثير من المغالطات وسوء الفهم لأسس العلاقة بين الجانبين.
إن الخلاف القائم بين قيادة الاحتلال الحالية والإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن هي حول الأولويات المستجدة على الساحة العالمية، أي من هو العدو الأول لأمريكا و"إسرائيل"، هل هو الصين أم ايران؟ أمّا القول بأن الخلاف أو النقاش حول أمن الكيان وبقاء "الدولة" فهو لا يستند إلى أي أدلة او براهين أو حتى مؤشرات، لكن هل يصح السؤال الآن أن وظيفة الكيان في المنطقة قد انتهت، وانه أصبح فاقد الفعل والتأثير، وبات عبئاً ثقيلاً على أمريكا والغرب؟
في المبدء، ينبغي أن نعرف ما هي الوظائف التي أوكلها الغرب الى "اسرائيل"، وهل انتهى الدور الذي أنيط بها؟ وهل يمكن القبول بسهولة بأن الامبريالية العالمية ستتخلى عن السرطان الذي زرعته في المنطقة؟
ولكن ربما ينبغي طرح السؤال بصيغة مختلفة، هل أمريكا قادرة على إنهاء الوجود الإسرائيلي في فلسطين، أم أن صعود محور المقاومة وتعاظم قدراته وازدياد أوراق القوة لديه، وصمود الشعب الفلسطيني، وتضامن الشعوب العربية والاسلامية مع الاقصى وفلسطين، هي التي فرضت طرح مثل هذا السؤال، وجعلت نهاية هذا الكيان أقرب الى الواقع، لا سيما وان المشروع الامريكي قد أجبر على التراجع والانكفاء تدريجيا، وأرغمت الادارة الاميركية على تقديم التنازلات، ولم يعد أمام الدولة العميقة في واشنطن من خيار إلاّ القبول بالهزيمة، وربما لتخفيف وطأة سقوط وانهيار هيمنة الامبراطورية الأمريكية في العالم يصبح من الضروري زوال الكيان الإسرائيلي الذي يشكل عبئاً ثقيلا.
من هنا ندرك مغزى الحراك الدولي الذي يطالب بإنهاء القضية الفسطينية، عبر طرح حل الدولتين، دولة فلسطينية ودولة يهودية، والعودة الى القرارات الدولية عام 1947، وهذه خطوة ديبلوماسية من الغرب في مسعى لانقاذ المشروع الاسرائيلي المنهار، فهل سيقبل الفلسطينيون بأنصاف الحلول بعد كل ما راكموه من انتصارات وانجازات، ربما الأمر متعلق بمحاولة اعطاء اوكسجين لأتفاق اوسلو .
كل المؤشرات الدولية للحراك الديبلوماسي تصب في هذا الاطار، أي الاستثمار من اللحظة التاريخية لفرض صفقة القرن والتطبيع، التي بدأت مع الرئيس الاسبق باراك اوباما، وهذا ما يتناسب أيضاً مع عقيدة بايدن ومصلحة الولايات المتحدة بهدف التفرغ لمواجهة الامبراطورية الاقتصادية الصينية الزاحفة، وتعدد الاقطاب المتنامي.
إن نظرة تحليلية للمواقف الدولية سواء الروسية والصينية أو الاوروبية والعربية نرى أنها تتخذ من هذه المحورية قطب الرحى في سياساتها الخارجية، فالحراك الديبلوماسي لاغلب الدول يتناغم مع مشروع حل الدولتين، فتركيا طرحت قوات اسلامية، ووزراء خارجية الدول العربية كان حديثهم في هذا الاطار لمن يقرأ الكلام بمدلولاته، والروسي كان واضحًا وصريحاً في دعم فكرة الدولتين، فيما تبقى دولة وحيدة في العالم ترفض المشروع بل تدعو لمحو "اسرائيل" من الوجود هي الجمهورية الاسلامية الايرانية... فهل سيتحقق هذا الطرح؟
إن إزالة إسرائيل من الوجود مشروع واقعي ومنطقي ومطلب فلسطيني اولاً، واسلامي وعربي وجماهيري، وهي سنة تاريخية، فاسرائيل لا يمكن التعايش معها لا بدولة ولا بدولتين ولا بزاويتين، لذلك هل من الحكمة ان تطرح شخصيات سياسية مقايضة إنهاء وجود "اسرائيل" مقابل تفاهمات مع أمريكا؟
لا بد من الإشارة هنا إلى أن المجتمع الفلسطيني وقواه وفصائله وشبابه في الداخل، وبخاصة في اراضي ١٩٤٨ المحتلة عامل قوة تكفل إعادة خلط الأوراق من جديد، وفرض خروج "اسرائيل" من الصراع بدون أي تفاهم مع الامبراطورية الأميركية....لقد انسحبت قوات الاحتلال الاسرائيلي من جنوب لبنان وارض جبل عامل بدون قيد او شرط، فهل ستأتي اللحظة الاستراتيجية الحاسمة التي ستختفي فيها "اسرائيل" عن الخارطة العالمية.
لعل أهم انجازات المعركة الحالية هو استراتيجية تشابك الجبهات، وارتفاع منسوب الوعي الفلسطيني ضمن استراتيجية خلق البيئة الحاضنة للمقاومين، ما يجعل من زوال اسرائيل أمراً حتمياً وواقعياً، والقدس أقرب من أي وقت مضى لا سيما اذا استفدنا من ديبلوماسية القوة الميدان.
هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع
الكاتب: د. حسان الزين