كانت، القدس والضفة الغربية، والمناطق المحتلّة عام 1948 وغزّة، ساحةً واحدة عند ساعات فجر اليوم التي شهدت اعتداءات من شرطة الاحتلال على المسجد الأقصى ومحاولة إفراغه من المرابطين. ميزة المسجد الأقصى، التي تنبع من مكانته الدينية وارتباطه بالعقيدة الإسلامية، أنّ حمايته ومنع المساس به من الثوابت الوطنية المقدّسة، التي يُجمع عليها الكّل الفلسطيني ويضعها فوق كلّ الحسابات. بل وإنّ حماية الأقصى وهويته من المقدّسات والمعادلات الإقليمية التي يُجمع عليها محور عنوانه "محور القدس".
الأخطر هذا العام في "عيد الفصح" العبري الذي يتزامن مع شهر رمضان المبارك، أنّ زعماء وداعمي الجماعات الدينية المتطرفة التي تدعو الى تهويد المسجد الأقصى وذبح القرابين وتنفيذ الطقوس التلمودية، هم وزراء في الحكومة الحالية وأعضاء في "الكنيست"، وعلى رأسهم وزير أمن الاحتلال ايتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلائيل سموتريتش.
وفي مقابلةً على القناة 12 العبرية، حرّض بن غفير المستوطنين لاقتحام المسجد الأقصى، زاعمًا أنه "ليس للعرب فقط، أنا أدعو اليهود لاقتحام المسجد الأقصى، هو المكان الأهم لدولة إسرائيل". وقد دعت هذه الجماعات المتطرفة الى أكبر اقتحامات، والى إفراغ الأقصى وإغلاقه أمام الفلسطينيين مدّة 10 أيام (خلال فترة العيد المزعوم). لكن، يبقى التحدي في تمرير ما يسمى "ذبح القرابين".
ماذا يعني "ذبح القرابين" بالنسبة لليهود المتطرفين؟
يعتبر "ذبح القرابين" من أهمّ الطقوس التهويدية، اذ إنه يعني إعادة إحياء معنوية "للهيكل المزعوم". وإذ ما استطاع اليهود تمريرها فإنها "تعتبر الخطوة الأخيرة قبل الشروع بمخطط تدمير المسجد الأقصى"، حسب ما شرح الخبير في الشؤون الإسرائيلية أيمن الرفاتي في حديثه لموقع الخنادق.
بذلك أيضًا، "يمهّد الاحتلال وعلى رأسه اليمين المتطرّف للسيطرة على القسم الشرقي من المسجد الأقصى وبناء معبد دائم، بعد أن احتلّ في السابق القسم الغربي عند ما يسمى حائط البراق"، بالإضافة الى فرض التقسيم الزماني والمكاني على الأقصى"، وفق "الرفاتي".
تبيّن التقديمات المالية، اهتمام الجماعات المتطرفة بـ "ذبح القرابين"، فقد خصصت مبلغًا بقيمة 25 ألف شيكل (أي ما يعادل حوالي 6900 دولار) لكل مستوطن يتمكّن من ذبح "قربان" داخل المسجد الأقصى. و2500 شيكل (أي ما يعادل 692 دولار) في حال تم اعتقال المستوطن وبحوزته "القربان". وهي مبالغ ارتفعت بنسبة ملحوظة عن السنة الماضية، اذ كانت هذه الجماعات قد خصّصت، 3100 دولار لمن يقتحم وينفّذ "ذبح القربان"، و400 دولار لمن يعتقل ومعه "القربان".
ذلك بالإضافة الى رسالة قدمها 15 حاخامًا إلى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، والى بن غفير، طالبوا فيها بالسماح للمستوطنين بذبح القرابين هذا العام في المسجد الأقصى. في المقابل حذّر "الحاخام الأكبر لإسرائيل" ورئيس مجلس الحاخامات الكبرى، يتسحاق يوسف، من هذه الخطوة وقال: "الدعوات المهيّجة والخطيرة التي تدعوا لاقتحام المسجد الاقصى عشية عيد البيسح، هي دعوات غير مسؤولة وخطيرة".
نسخة عن "سيف القدس"؟
هذا العدوان الواضح على القدس والمسجد الأقصى، وعلى المصلين والمرابطين فيه لا سيما من النساء، يستنفر كلّ أطياف الشعب الفلسطيني. وقد أجمعت الفصائل الفلسطينية على رفض هذا العدوان والاستعداد للدفاع عن القدس.
فقد أكّدت فصائل المقاومة الفلسطينية، في تصريح صحفي، أنّ "الاعتداء المتواصل على المسجد الأقصى واقتحامات المتطرفين الصهاينة والتهجم على المرابطين هو عدوان صهيوني خطير يستوجب هبة شعبية وفصائلية شاملة لإشعال الأرض ناراً ولهيباً، ولن يمر مرور الكرام".
كذلك شدّد الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، زياد النخالة، على أنّ "ما يجري في المسجد الأقصى المبارك يشكل تهديداً جديّاً على مقدساتنا، وعلى الشعب الفلسطيني أن يكون حاضراً بكل مكوناته للمواجهة الحتمية في الأيام القادمة".
بدوره، أكّد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية أنّ "ما يجري الآن في المسجد الأقصى المبارك جريمة غير مسبوقة ولها ما بعدها"، داعيًا الشعب في الضفة و48 للتوجه للمسجد الأقصى وحمايته.
أمّا كتائب الشهيد "أبو علي مصطفى"، الجناح العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، فقد تركت رسالة واضحة مفادها أن "كلّ المدن المحتلّة قريبة من غزّة".
لبّى "الجميع" نداء القدس والأقصى، في تجلٍّ لـ "وحدة الساحات"، ردًّا على اعتداءات الاحتلال الوحشية والموثّقة بمقاطع الفيديو على المرابطين والمصلين.
غزّة: سيف القدس لن يغمد
أطلقت المقاومة الفلسطينية عددًا من الصواريخ، ضمن 3 رشقات، وتوسّعت لمدى 23 كيلو مترًا من غلاف غزّة. أصابت الصواريخ المستوطنات، ووقع إحداها بشكل مباشر على مصنع أغذية، مخلفًا حرائق ودمار. تبع ذلك، عدوان إسرائيلي على القطاع، زعم الاحتلال أنه استهدف مواقع للمقاومة، فيما تكذّبت الرواية على لسان بن غفير، الذي انتقد هذا "الرّد" ووصفه بـ " قصف كثبان رملية".
في إطلاقها الرشقات الصاروخية، أكّدت المقاومة على جدّية استعدادها للتصعيد اذ أمعن الاحتلال بانتهاك الأقصى والمرابطين، وجاهزيتها للمعركة. فيما أوضح الناطق باسم حركة حماس، حازم قاسم، أنّ "القصف الإسرائيلي على قطاع غزة محاولة فاشلة لمنع غزة من استمرار مساندتها بكل الوسائل للقدس والضفة الغربية".
الضفة درع القدس
استنفرت كلّ مجموعات وكتائب المقاومة في الضفّة، لتتقدّم الخط الأمامي:
_ أعلنت كتيبة طولكرم، أنّ "مجاهدونا تمكنوا في تمام الساعة الـ 4:10 من فجر اليوم، من استهداف قوات الاحتلال في منطقة المنشية محيط مخيم نور شمس، وبفضل الله تعالى تمكنوا من العودة بسلام".
_ أعلنت كتيبة طوباس: "رداً على ما يجري في المسجد الاقصى المبارك، تمكن مجاهدونا في كتيبة طوباس في تمام الساعة 2:15 منتصف ليلة الاربعاء من استهداف حاجز تياسير الاحتلالي شرق محافظة طوباس. كما تمكن مجاهدونا من استهداف جنود الاحتلال الصهيوني المتواجدون في منطقة المطخة والعودة بسلام".
_ أكّدت مجموعة عرين الأسود أن "جنودنا نفذوا نشاطاً على حواجز ومستوطنات الاحتلال في محيط نابلس رداً على الاعتداء على الحرائر والمرابطين في المسجد الأقصى".
_ مقاومون يطلقون النار تجاه قوات الاحتلال عند حاجز "الجلمة" قرب جنين.
_ اندلاع مواجهات عنيفة في مخيم "العروب" شمال الخليل نصرة للمسجد الأقصى.
_ مواجهات عنيفة بين الفلسطينيين وقوات الاحتلال عند مدخل بلدة "بيتا" جنوب نابلس نصرة وإسناداً للمسجد الأقصى.
_ مقاومون يطلقون النار باتجاه حاجز مستوطنة "شافي شمرون" غرب مدينة نابلس.
_ استهداف حاجز "الشيخ سعد" المقام على أراضي "جبل المكبر" في القدس المحتلة.
_ إطلاق نار يستهدف موقعًا لجيش الاحتلال على "جبل جرزيم" في نابلس.
_ إطلاق نار يستهدف حاجز "قلنديا" شمال القدس المحتلة.
_ استهداف جيب عسكري في بيت أمر قرب الخليل.
الدّاخل ينتفض
تكثّفت الدعوات في الدّاخل المحتل وانطلقت حافلات لنقل الفلسطينيين نحو القدس للرباط والصلاة. كما خرجت المسيرات الاسنادية في عدد من المناطق، وسط اندلاع المواجهات مع الشرطة في مدينة الناصرة ومجد الكروم.
يصف المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" العبرية، عاموس هرئيل، ما جرى خلال ساعات بـ " نسخة طبق الأصل تقريبًا للأحداث التي وقعت في شهر رمضان قبل حوالي عامين حيث امتدت التوترات في القدس إلى قطاع غزة، وأدت إلى عملية حارس الأسوار". فالعين على الأيام القادمة وعلى إمعان الاحتلال بعدوانه، بما قد يفتح الباب على احتمال اندلاع معركة تردع الاحتلال عن تجاوز الخطوط الحمراء والمعادلات السابقة في القدس.
الكاتب: مروة ناصر