تشكّل المناسبات اليهودية من كلّ عام "فرصة" جديدة بالنسبة لكيان الاحتلال لمحاولة فرض "سيطرته" على القدس المحتلّة كما فرض التقسيم الزماني والمكاني على المسجد الأقصى تمهيداً لأسرلته وتطبيق الدعايات الصهيونية. لكن الاحتلال يتفاجأ بالوعي المتزايد لدى الشعب الفلسطيني الذي يتصدّى للمخططات التهويدية بكل الطرق الممكنة.
لطالما فجّرت مناسبات واقتحامات الاحتلال للمسجد الأقصى الانتفاضات والتحركات الشعبية، واليوم تستعيد القدس والضفة الغربية المحتلّة عمليات المقاومة وتعود إليها المجموعات العسكرية المنظّمة، كما بات قطاع غزّة وأذرعه العسكرية وصواريخه داعماً أساسياً وسنداً مهماً.
أثبتت القدس والضفة خلال معركة "سيف القدس" العام الماضي، وخلال "مسيرة الأعلام" اليهودية في أيار / مايو الماضي وبعد سلسلة من العمليات الفدائية خاصة تلك التي استهدفت عمق الداخل المحتل، أنهما جبهتان لم يعد الاحتلال قادراً على الاستهانة بهما عند كلّ حدث. وبالنظر الى أن "أحداً لا يريد أن يتعرّض لعملية خلال فترة الأعياد"، حسب القناة "12" العبرية، شدّد الاحتلال من اجراءاته الأمنية.
رفع جيش الاحتلال درجة التأهّب في المناطق كافة، واستنفر أكثر من 15 كتيبة عسكرية في الضفة، وعزّزها في محافظة نابلس – التي يعتبرها كما جنين مصدر العمليات - بدورية "غولاني"، بينما دعت شرطة الاحتلال المستوطنين إلى حمْل سلاحهم الشخصي لدى حضورهم إلى أماكن أداء الطقوس.
تحوّل المسجد الأقصى وباحاته ومحيطه الى ثكنة عسكرية "لتأمين" الاقتحامات، وشنّ الاحتلال حملة من إبعاد الفلسطينيين وخاصة النشطاء منهم ومنعهم من الوصول الى الأقصى، كما منع الشباب دون الـ 40 عاماً من أداء صلاة الفجر في المسجد والرباط فيه، وذلك تفادياً لحصول الاشتباكات. بالإضافة الى ذلك أبعدت شرطة الاحتلال طواقم الصحفيين ووسائل الإعلام عن الباحات، ومنعتهم من تغطية الأحداث.
الساحات الفلسطينية على جهوزية للتصدي
في المقابل، أصرّ الفلسطينيون على الدفاع عن هوية المسجد الأقصى والتصدي للاقتحامات اليهودية، ورغم هذه الإجراءات، فأدوا صلاتي الفجر والظهر ورابطوا في المسجد القبلي، وتواجدوا في أرجاء القدس المحتلّة. ما أدى الى تأخّر مواعيد الاقتحامات، وأدخلتهم شرطة الاحتلال أفواجاً متفرقة مع ترك وقت بين الفوج والآخر وحاصرت عدداً من المرابطين في المسجد القبلي. كما لم يتمكن المستوطنون من النفخ بالبوق في ساحات المسجد في الاقتحامات الصباحية.
واندلعت مواجهات بين الفلسطينيين وشرطة الاحتلال في بلدات القدس ومنها سلوان حيث ألقى الفلسطينيون المفرقات النارية على الجنود واندلع حريق في حي "الطور". أمّا في الضفة، فقد ألقى الفلسطينيون عبوتين ناسفتين قرب حاجز "الجلمة" شمال جنين، وأعلنت كتيبة نابلس في بيانها عن استهداف حاجز "بيت فوريك" شرق المدينة بصليات من الرصاص.
فيما شدّد مسؤول المكتب الإعلامي لحركة الجهاد الإسلامي داوود شهاب أن "المقاومة إذا لزم الأمر ستذهب إلى معركة جديدة كمعركة سيف القدس، ومعركة وحدة الساحات "، لافتاً الى "جهوزية واستعداد وتأهب المقاومة في كل وقت، وفي كل حين؛ للدفاع عن المسجد الأقصى".
وأضاف شهاب أن "هذه الرسالة التي يجب أن يفهمها العدو؛ لأنه لن يردعه عن الاقتحامات والممارسات الاستفزازية إلا قوة المقاومة، هذا هو الحل والأسلوب الناجع في مواجهة هذه الاقتحامات وهذه المخططات". كذلك أعلن المتحدث باسم حركة حماس حازم قاسم أن الحركة أبلغت "جميع الأطراف أن استمرار الاحتلال باستفزاز مشاعر الشعب الفلسطيني والمقاومة بمثابة عبث بصاعق تفجير حقيقي للأوضاع في كل المنطقة".
الأعياد اليهودية وتداعياتها
إنّ أهم الأعياد اليهودية في الشهر الحالي وشهر تشرين الأول / أكتوبر المقبل هي:
_ رأس السنة العبرية: 26 و27 أيلول / سبتمبر، من أهم الطقوس التي يسعى الاحتلال الى تنفيذها في باحات المسجد الأقصى: النفخ بالبوق، الاقتحام بأعداد كبيرة وبما يسمى "لباس التوبة". في العام 2000 خلال هذه الفترة اقتحم رئيس حكومة الاحتلال آنذاك آرئيل شارون المسجد واندلعت على إثرها الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
_ الغفران: 5 و6 تشرين الأول / أكتوبر، يقدّم خلاله المستوطنون القرابين وينفخون بالبوق. في العام 1996، افتتح الاحتلال نفقاً أسفل المنطقة الغربية للمسجد في هذه المناسبة وقد أشعل الفلسطينيون على إثرها "هبّة النفق".
_ العرش: من 10 الى 17 تشرين الأول / أكتوبر، يحاول المستوطنون خلاله تسجيل رقم قياسي في أعداد المقتحمين، مع استعراض الاحتلال وشرطته لهيمنتهم على المسجد ومحيطه. بالإضافة الى إدخال القرابين النباتية. وفي العام 1990، وضع الاحتلال في هذه المناسبة حجر الأساس لما يسمى "الهيكل" تصاعدت بعدها حدّة الانتفاضة الأولى. أما في العام 2015 فقد حاول الاحتلال فرض التقسيم الزماني والمكاني فكثّف الفلسطينيون من عمليات الطعن والدهس في إطار انتفاضة السكاكين.
وضمن استعدادات الاحتلال لأداء الطقوس في الأعياد، كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية عن خمس بقرات حمراء وصلت مطار "بن غوريون" قادمة من الولايات المتحدة الأمريكية. وتزعم الروايات الصهيونية أن هذه هي الشرط الرئيسي لإقامة "الهيكل" المزعوم.
لكنّ الدعوات من الجهات الإسلامية والفلسطينية والعربية تتواصل للحشد في المسجد الأقصى وعرقلة تمرير هذه الطقوس التهويدية التي وصفها "شهاب" بأنها فاسدة"، مضيفًا "اليوم هناك اقتحامات باللباس التوراتي، وفي مواسم ومناسبات أخرى هناك مسيرات تنظم للمثليين الجنسيين، وهناك اقتحامات تتم من قبل عراة فسدة بلباس فاضح، هذا لا يمت بالشرائع السماوية بأي صلة، ولا يمت بالرسالات بأي صلة".
ولأن الاحتلال هو تهديد للمقدسات الإسلامية والمسيحية على حدّ سواء، ولا يميّز مشروعه بين الديانتين، دعا رئيس الهيئة الشعبية والعالمية لعدالة وسلام القدس الأب مانويل مسلم المسيحيين في فلسطين للنفير وحماية المسجد الأقصى. وأكد الأب مسلم أن "نجاح مخططات المستوطنين بهدم المسجد الأقصى، تعني تدمير الوجود المسيحي والإسلامي في القدس" معتبراً أن "الحفاظ على المسجد الأقصى، بمثابة حفاظ على كنيستي المهد والقيامة ووجود المسلمين والمسيحيين في فلسطين".
الكاتب: غرفة التحرير