عودة العرب إلى سوريا..لكن ماذا تريد دمشق؟

في الشهر السابع من العام الماضي امتلأت وسائل الإعلام بالتصريحات والتعليقات، التي تعبر عن ممانعة كل من مصر والسعودية، على وجه خاص، لرفع تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية ودعوتها لحضور القمة في الجزائر. كان العرب يومها ما يزالون يطالبون "النظام" بإجراء تغييرات مناسبة من أجل العودة. ولكن "النظام" في الحقيقة لم يكن مستعجلاً لهذه العودة المشروطة، فما يقرره "النظام" في سوريا هو ما تعبر عنه الدوائر الحكومية والشعبية فيه، وأي تغيير لن يأتي إلّا عبر قرار قيادي مدعوم شعبياً.
عندما ضرب الزلزال منطقتي الشمال والغرب السوري، تراكمت المأساة على الشعب السوري، فحصار قيصر أقل ما يمكن أن يقال عن آثاره المدمرة على سوريا، هو ما قاله درواس ابن حبيب لهشام بن عبد الملك، وكان يومها خليفة المسلمين، حين زار البادية: "لقد أصابتنا سنون ثلاث، سنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة دقت العظم". فاستدعت المأساة الكبيرة تهافت العرب نحو الشام لمساعدتها على رفع أنقاض الزلزال والمآسي التي تسبب بها. 
أول المبادرين كانت كل من الجزائر والعراق، وهما اول من كسرا الحصار، وآخر المبادرين كانت السعودية، والتي أعلنت مساعدة الشعب السوري من منبر مؤتمر ميونيخ في التاسع عشر من الشهر الماضي، وأكد وزير خارجيتها فيصل بن فرحان وجوب فتح الحوار مع الدولة السورية، ومعالجة الوضع الإنساني في سوريا، وضرورة الحديث مع القيادة من البوابة الإنسانية، وبخاصة قضايا النازحين السوريين حول العالم. وأضاف أن زيادة التواصل مع سوريا قد يمهد لعودتها إلى الجامعة العربية بعد عزلة استمرت لعشر سنوات
في الحقيقة، صحيح أن الرئيس السوري بشار الأسد كان قد زار عُمان في الشهر الماضي وتم بحث قضايا عدة، مع السلطان هيثم بن طارق، وكانت الزيارة مليئة بالتفاؤل، ولكن إن لم تشهد الزيارات نتائج حقيقة على الصعيد الإقتصادي مع الدول العربية، فلا معنى لها. فسوريا قد تكون خلال مرحلة الزلزال بحاجة للمساعدات الإنسانية لمساعدة المنكوبين، ولكن ما يحتاجه السوريون هو عودة الحياة الإقتصادية والسياسية إلى بلادهم، وما غير ذلك فهو كلام بكلام.
زيارة الأسد تأتي إلى عمان بعد عام من زيارة ابو ظبي، فما الذي شهدته البلاد بالتحديد من تغيرات، لا شيء يذكر! ويبدو أن الوسيط الإماراتي ما بين السعودية وسوريا، قد استبدل مبدئياً بوسيط  تشعر معه السعودية بالأمان بعد موقف الإمارات في اليمن، والذي أزعج السعودية وتركها وحيدة في الميدان، فيما تنهب الإمارات بلح اليمن بتواطئ مع كل من الكيان المؤقت والولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه فإن ولي العهد السعودي يريد أن يمضي في تنفيذ خطته/ 2030/، ولكن الجانب الإقتصادي من  الخطة يحتاج إلى استقرار وانفتاح في العلاقات السعودية – الصهيونية والسعودية -العربية من اليمن وحتى سوريا، وبالتالي فهي تحتاج الطريق التجاري الممتد إلى البحر المتوسط، وحتى وسط آسيا ومنطقة بحر قزوين وإلى الصين وروسيا دون عوائق. وبالتالي يبدو أن هناك مساع جدية من أجل حل أزمة اليمن بطريقة تعتبرها المملكة لائقةً وتظهر فيها غير مهزومة.
لقد شهدنا منذ بدايات السنة الماضية انفتاحاً سعودياً على كل من الصين وروسيا، لا سيما في ظل المتغيرات العالمية والفتور في العلاقة بين بن سلمان وبايدن شخصياً، ولذلك إذا أراد بن سلمان تنفيذ مشروعه فهو بحاجة لإعادة فتح العلاقات مع سوريا وإيران وتحسينها. وهو بحاجة إلى تحسين شروط عودة هذه العلاقات قبل أي توافق سوري- تركي، وتسعى كل من طهران وموسكو جاهدتين لتحقيقه قريباً. وقد وصل وزير خارجية إيران، حسين أمير عبد اللهيان، إلى دمشق قادماً من تركيا ضمن المساعي من أجل تحقيق لقاء اجتماع وزراء الخارجية الأربع: سوريا، روسيا، تركيا، إيران في موسكو قريباً جداً. وبناء عليه، فعلى السعودية أن تسارع للقاء المسؤولين في دمشق، إذا ما ارادت موقعاً في التسويات القادمة.
أما بالنسبة لسوريا، وهنا مربط الفرس، فهي لم تدفع 11 عاماً من الدم وتدمير البنى التحتية كي يستطيع أردوغان المأزوم انتخابياً من الوصول بسهولة إلى سدة الرئاسة للمرة الثانية في العام القادم على حسابها، ولكي يستطيع بن سلمان تحقيق مشاريعه، والوصول إلى تسوية "مشرفة" في اليمن يضمن من خلالها الإستقرار الأمني والسياسي في بلاده والجزيرة العربية. فما تتطلع سوريا إليه هو خروج تركي كامل من كامل أراضيها المحتلة، وعودة سيادتها على جميع الأراضي السورية وإعادة إعمار ما دمره المسؤولون عن الحرب من الحدود العراقية شرقاً وحتى البحر المتوسط غرباً ومن الشمال، وضماناً برفع الحصار الكامل ولو عربياً وإقليمياً. 
وما تريده سوريا أيضاً ليس العودة إلى جامعة عربية مفككة، بل تريد عودة عربية إلى حضن دمشق، بمعنى اعتراف الجميع بخطأه وأهمية دور سوريا في الإقليم، وعودة العرب إليها هي بدون شروط مسبقة تتعلق بتغيرات في نظام الحكم أو تسليم من قاد الحرب على الجيش والشعب العربي السوري مواقع رسمية في الدولة. فهذا الأمر خطير جداً على مستوى الأمن القومي والوطني، وإلا فكل من تسوّل نفسه حمل السلاح ضد الدولة سيجد منفذاً قانونياً للعودة كمنتصر، وهذا ما لن تسمح به الدولة السورية.
وأول الشروط التي لن قبل بها دمشق هي وقف دعم حركات المقاومة ومساندتها، وخاصة في لبنان وفلسطين، وما زيارة حماس للرئيس الأسد منذ أيام إلا استمرارية لهذا النهج. وثانيهما، أن سوريا لن تقبل بوجود احتلال على أراضيها. وثالثهما، وهو الأهم، اذ يبدو أن سلطنة عُمان، التي فتحت أجواءها في اليوم التالي لزيارة الرئيس الأسد لطائرات الكيان الصهيوني، قد تلقت الأمر السعودي بالذهاب نحو التطبيع مع العدو ، وهذا لا بد أنه من أهم المواضيع التي نوقشت مع الرئيس السوري، والذي أكد مراراً، أن الذهاب نحو السلام لا يكون إلا باستعادة الأراضي المحتلة في العام 1967 كاملة حتى بحيرة طبريا، وليس فقط هضبة الجولان المحتل، وأنه لا يستطيع فرض التطبيع على شعبه.
 ويبقى السؤال عن آفاق هذا الإنفتاح على السعودية ومستقبله، وماذا بعد عودة العرب الرسمية إلى دمشق؟ 

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي الموقع