يكثر في الآونة الأخيرة الحديث عن الواقع الإقتصادي المتأزم الذي يعيشه الكيان المؤقت، وخاصة بعد إعلان عن التوجه نحو مجموعة من الإصلاحات القضائية التي ساهمت في لجوء العديد من الشركات الكبرى إلى سحب أموالها من البنوك الإسرائيلية. وعليه، إلى جانب الانقسام الداخلي والأزمات التي تعانيها الحكومة نتيجة تضارب سياساتها وتطرفها، كما والتهديدات الداخلية والخارجية والتحديات التي تواجهها، يأتي الواقع الإقتصادي ليزيد الازمة عاملًا آخر يظهر صداه في وسائل الإعلام والمؤسسات المالية.
لا بد من الإشارة إلى تأثر الكيان المؤقت، لا سيما اقتصاده، بالأحداث الإقليمية والدولية المحيطة. فالبداية كانت مع جائحة كورونا وما خلّفته هذه الظاهرة من ركود إقتصادي على مستوى الكيان كما وعلى الصعيد الدولي كافة، ثمّ الحرب الاوكرانية والتي جذبت اهتمام القوى والدول الكبرى لتقديم الدعم والمساعدات، والتي بالمقابل انعكست سلبًا على واقع المنطقة خاصة فيما يتعلق بموضوع القمح والغاز والنفط وغيرها من المواد الاولية التي لها وزن إقتصادي في الكيانات والدول، والتي سببت ركود اقتصادي عالمي سينعكس سلبًا على الكيان في الفترة المقبلة في ظلّ اعتماده بالدرجة الأولى على التجارة الدولية.
في البداية، وعلى الرغم من الأزمات الدولية الاقتصادية، حافظ الكيان على استقرار اقتصادي في الفترة السابقة نتيجة إسهام الهايتيك في الصادرات والاستثمارات الأجنبية فيه.إلا أنّ ارتفاع مؤشر الأسعار كان من التأثيرات التي عكسها الوضع الاقتصادي العالمي والتي ساهمت بزيادة مستوى غلاء المعيشة، التي تتأثر بها بالدرجة الأولى الطبقات الضعيفة ما يزيد من حدّة الفجوات في المجتمع الإسرائيلي. وعليه مجموعة من الأسباب تدفع لتفاقم وركود الوضع الاقتصادي في الكيان المؤقت.
الأزمة العالمية وانعكاسها على الواقع الاسرائيلي
مع بداية الحرب الأوكرانية العام الماضي، والتي ساهمت في تعقيد الأزمة الاقتصادية العالمية التي رافقت جائحة كورونا، انخفضت الصادرات والإنفاق على الاستهلاك الخاص في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022 في الكيان المؤقت، حيث كانت توقعات الاقتصاديين أن يشهد الكيان ارتفاعًا بنسبة 2.3٪ في الناتج المحلي الإجمالي. بعد أن كان عام 2021 عامًا وافرًا للاقتصاد الإسرائيلي ، الذي انتعش من الوباء لينمو بنسبة 8.1٪ ، مدعومًا بطفرة في الاستثمار في صناعات التكنولوجيا الفائقة في البلاد. إلا أن الحرب الأوكرانية-الروسية والعقوبات التي فُرضت ردًا على ذلك أدت إلى جعل التوقعات بشأن الاقتصاد العالمي قاتمة من خلال دفع أسعار الطاقة للارتفاع وتوتر سلاسل التوريد التي كانت تعاني بالفعل من الوباء.
وعليه، فإن الآثار المستمرة للوباء، والحرب في أوكرانيا، والتضخم المتزايد تضرب أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم، مما يؤدي إلى انخفاض التقييمات في شركات التكنولوجيا المتداولة علنًا والتي يمكن أن تتسرب إلى الأسفل. وشهد مؤشر ناسداك الذى تغلب عليه أسهم التكنولوجيا انخفاضًا كبيرًا مؤخرًا، الأمر الذى أثر بشكل كبير على الكيان المؤقت حيث أن العديد من شركات التكنولوجيا لديها مدرجة في الولايات المتحدة.
وفي دراسة لمركز INSS، جرت في شهر آب من العام الماضي، أشارت إلى أنه "لا شيء يدوم إلى الأبد، وباعتبار إسرائيل اقتصادًا صغيرًا يعتمد على التجارة الدولية، فإنها معرضة للشعور بآثار عدم اليقين الاقتصادي العالمي بقوة أكبر بحلول نهاية العام 2022، حتى لو كانت مؤشرات الاقتصاد الكلي لإسرائيل مثيرة للإعجاب في الوقت الحالي، فمن المعتقد أن الركود العالمي سيبدأ في التأثير بشكل واضح على الاقتصاد الإسرائيلي في عام 2023. على سبيل المثال ، من المرجح أن يتسبب التباطؤ في أوروبا في انخفاض الصادرات الإسرائيلية في عام 2023 إلى هذا السوق، والذي يمثل حاليًا ثلث الصادرات الإسرائيلية.و من أجل مواجهة هذه التحديات، يجب على إسرائيل الاستمرار في تنفيذ سياسة اقتصادية مسؤولة ، بينما تسعى أيضًا إلى التوسع في أسواق جديدة حيث لا تزال تفتقر إلى وجود قوي".
و قد صرّح الخبراء في مقابلات أجرتها التايمز أوف إسرائيل، أنه بينما لا توجد تهديدات داخلية كبيرة للاقتصاد، هناك غيوم قاتمة في الأفق قادمة من مصادر خارجية، بما في ذلك الحرب المميتة في أوكرانيا، وارتفاع التضخم، وتصاعد أسواق الأسهم. وأضافوا أن الكيان المؤقت قادر على مواجهة هذه التحديات بالسياسات المناسبة، لكن يجب أن يكون القادة في حالة تأهب لمواجهة هذه التحديات بشكل فعال وسريع.
وكانت كبيرة الاقتصاديين في وزارة المالية الإسرائيلية، شيرا غرينبرغ، قد عدلت توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في العام 2023، والتي تم تحديدها لأول مرة في حزيران 2022، من 3.5٪ إلى 3٪، ويتزامن ذلك مع توقعات بنك إسرائيل. في حين تتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل بنسبة 2.8٪ فقط.
فجوات اقتصادية
كان قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي محركًا لنمو اقتصاد الدولة منذ حوالي ثلاثة عقود ، حيث جذب الاستثمارات الدولية، وجذب الشركات متعددة الجنسيات وأصبح أرضًا خصبة لنشاط الاندماج والاستحواذ، وقد ساعدت شركات التكنولوجيا في حماية الاقتصاد من أسوأ ويلات فيروس كورونا.
وكانت قد جمعت شركات التكنولوجيا الإسرائيلية ما يقرب من 5.6 مليار دولار في الربع الأول من العام 2022، على قدم المساواة مع الربع نفسه من العام السابق،ولكن أقل من 8.1 مليار دولار التي جمعتها شركات التكنولوجيا الإسرائيلية في الربع الأخير من عام 2021. إلا أن قطاع التكنولوجيا يعاني من نقص هائل في العمال المؤهلين، وقد يؤدي ذلك إلى كبح نمو القطاع، مما يؤثر على الاقتصاد.
ولا تزال صناعة التكنولوجيا، تضم حوالي 10 في المئة فقط من السكان العاملين، وكثيرون، بما في ذلك النساء والعرب الإسرائيليين والمتطرفين، يتركون على الهامش. وهذا يؤدي إلى تعميق الفجوات الكبيرة بالفعل في الدخل: فالكيان المؤقت لديه واحد من أعلى مستويات التفاوت في الدخل بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وفي حين يكافح بعض الناس لدفع تكاليف الضروريات، فإن العاملين في مجال التكنولوجيا يسعون لاقتناء المنازل المكلفة ويتنقلون في تل أبيب في سيارات كهربائية رياضية.
وحذّر، فيكتور باهار، كبير الاقتصاديين في بنك هبوعليم، من أن عدم المساواة في الدخل "قد يكون له تأثير طويل الأجل على الجوانب الاجتماعية لإسرائيل، يمكن أن يضر بوحدة مجتمعنا، وقد تكون هذه المشكلة الرئيسية الآن".
ارتفاع تكاليف المعيشة و تباطؤ في صناعة التكنولوجيا المتطورة
يقول المسؤول في وزارة المالية، شيشنسكي، "أعتقد أن العام المقبل سيكون مختلفا جدًا؛ فبنك إسرائيل يتوقع معدل نمو يبلغ نحو 3٪ في العام 2023، وأعتقد أنه سيكون أقل حتى، أي نحو 2٪"، وذلك بسبب عدة شروط. ويتوقع شيشينسكي تباطؤ في صناعة التكنولوجيا المتطورة. وقال: "الكثير من الناس يجري التخلي عنهم أو يطردون من وظائفهم في قطاع التكنولوجيا الفائقة".
كما توقع شيشنسكي، استمرار أزمة السكن في البلاد، "في العام 2022 كان هناك حوالي 70،000 وحدة من الشقق بيعت، والآن انخفض إلى 55،000 مرة أخرى، وهو الرقم الذي كان في العام السابق"، مشيرًا إلى أن الكيان المؤقت سيحتاج على المدى الطويل إلى 70،000 وحدة سكنية جديدة على الأقل سنويًا لمواكبة النمو السكاني في البلاد. وأضاف قائلًا: "ولكن الآن، وبسبب إرتفاع أسعار الفائدة، انخفضت إلى 55 ألف وحدة".
والمقلق، كما يؤكد شيشنسكي، أنه إذا سجل الاقتصاد نموًا بنسبة 2٪، في حين ينمو عدد السكان بنسبة تتجاوز 2.5٪، فإن هذا يعني أن نصيب الفرد في الدخل سوف ينخفض، وبالتالي فإن مستوى المعيشة في إسرائيل سوف ينخفض في المتوسط. وبطبيعة الحال، لن يتم توزيعه بالتساوي. ويضيف أنه "من غير المرجح أن يستمر اتجاه العائدات الضريبية المرتفعة التي تم تحصيلها في العام 2022 حتى العام 2023، وهو ما من شأنه أن يفرض تحديًا ماليًا على الحكومة"، ويعتقد شيشينسكى أنه ليس هناك الكثير الذى يمكن للحكومة ان تفعله لتخفيف الوضع. وبالتالي، تشكل أسعار المساكن وارتفاع تكاليف المعيشة قضيتين كبيرتين تواجهان الحكومة الإسرائيلية.
ويتجه المستثمرون ورجال الأعمال في مجال التكنولوجيا بحذر إلى عام 2023 مع ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة المتوقع أن يؤدي إلى خسائر أكبر في النصف الأول من العام وتستعد الشركات لاحتمال حدوث انكماش اقتصادي عالمي، أو حتى ركود.
نظرًا لأن التمويل لم يعد رخيصًا وتباطأ نمو الإيرادات، فقد أصبح توفير التكاليف والكفاءة أمرًا بالغ الأهمية لمؤسسي الشركات الناشئة ورواد الأعمال في مجال التكنولوجيا الذين يمكنهم إنشاء أعمالهم أو كسرها. في أوقات التباطؤ الاقتصادي وعندما ترى الأسواق تنخفض، فإن حجم الأموال التي يرفعها قطاع التكنولوجيا الفائقة ينخفض أيضًا. قال درور بين، الرئيس التنفيذي لهيئة الابتكار الإسرائيلية، إن الحصول على التمويل، سواء كان ذلك في شكل أسهم أو ديون، سيكون تحديًا كبيرًا، وأضاف "أن الشركات الناشئة التي بدأت بالفعل في توليد العائدات قد تواجه تحديات سواء فيما يتصل بزيادة العائدات أو ربما تشهد حتى انحدارا في العائدات".
ملامح الأزمة الإقتصادية
في ظل حكومة متطرفة يقودها نتنياهو، يسود الحديث عن أزمة اقتصادية تلوح في الأفق، نتيجة الإصلاحات القضائية التي حدّدها ليفين، والتي دفعت برؤساء البنوك في الكيان المؤقت للحديث عن ملامح الأزمة الاقتصادية المتوقعة، خاصة مع ارتفاع معدل نقل الأموال من الكيان إلى البنوك الخارجية بعشرة أضعاف من المعدل الطبيعي. وقد قام مجموعة من الخبراء والمختصين في المجال الاقتصادي ومسؤولون سابقون في البنك المركزي ومستشارون سابقون لنتنياهو، بتوجيه رسالة للأخير حذروا فيها من أن الإصلاحات القضائية تمثل خطرًا على الاقتصاد الإسرائيلي.إذ أن خطة الحكومة قد تدفع بالمستثمرين إلى الهروب من الكيان المؤقت وتتسبب في تراجع التصنيف الائتماني له، خاصة أن شركات التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية ذات التوجهات العالمية كانت قد جمعت منذ العام 2015، نحو 77 مليار دولار، معظمها من مستثمرين أجانب. وجاء 51 مليار دولار من هذا المبلغ بين عامي 2020 و2022، وتحقق رقم قياسي بلغ 26 مليار دولار في عام 2021.
وكانت شركة Papaya Global، قد أعلنت سحب أموالها من البنوك الإسرائيلية، بالإضافة إلى حوالي 37 شركة أخرى أقدمت على الفعل نفسه، على خلفية مخاوف المستثمرين من الخطة الحكومية لإصلاح النظام القضائي. كذلك يفعل الإسرائيليون، حيث يلجأون إلى تحويل أموالهم إلى الخارج. وخلال الأسابيع الثلاثة الماضية، تم سحب حوالي أربعة مليارات دولار من إسرائيل وتحويلها إلى بنوك أجنبية في الولايات المتحدة وأوروبا.
وعليه، يواجه الواقع الإسرائيلي أزمات متعددة، على مختلف الأصعدة لا سيما السياسي والإقتصادي. وبالتالي، في ظل حكومة نتنياهو الجديدة يظهر أن الواقع الإقتصادي ذاهب إلى الركود والتأزم في ظل الإضرابات والمظاهرات التي يشهدها الكيان بمختلف مؤسساته وقطاعاته لا سيما التكنولوجية، وذلك اعتراضًا على سياسات الكيان متطرفة التي سوف تودي بالإحتلال إلى وضع مظلم.
المصادر:
المصدر: مركز دراسات غرب آسيا